سباق «المسيرات» فوق الأمواج.. ثلاث دول تعيد رسم الحرب

في عرض البحر، وعلى وقع تغيّر مفهوم السيطرة الجوية، تتقدم ثلاث قوى إقليمية نحو إعادة صياغة ملامح الحرب البحرية الحديثة، ليس عبر حاملات الطائرات التقليدية، بل من خلال جيل جديد من السفن التي تحمل في أحشائها أسرابًا من الطائرات المسيّرة، مصمّمة للتحليق والضرب
سردية جديدة تُعد بداية لسباق استراتيجي يعيد إلى الأذهان الأيام الأولى لحاملات الطائرات في القرن العشرين، حين كان الخيال البحري يسبق الميدان بخطوة، لكن هذه المرة، لا يتعلق الأمر بمجرد تطور تقني؛ بل بتحوّل في العقيدة العسكرية ذاتها.
وبحسب موقع «بيزنس إنسايدر» الأمريكي، فإن السفن الجديدة ليست منصات إطلاق فحسب، بل أدوات تمكين للهيمنة الجوية والبحرية بأقل التكاليف وأعلى المرونة.
وأشار إلى أن كلا من أنقرة وطهران وبكين تدخل السباق بأسلوبها الخاص: الأولى بتصميم محلي طموح، والثانية بقدرات كامنة في سفينة شبحية، والثالثة بمنجنيق وعتاد يعيد للأذهان إمبراطوريات البحر القديمة. المستقبل، بلا شك، يُرسم الآن على سطح طائرات لا يقودها بشر.
وأطلقت الصين مؤخرًا أكبر سفينة هجومية برمائية في العالم، وأثارت ميزاتها تكهنات واسعة بأنها قد تكون أول حاملة طائرات مسيرة في العالم يتم تصميمها تحديدا للقيام بهذا الدور. وبذلك ستكون بكين ثالث دولة تقوم بتشغيل حاملة طائرات للمسيرات بعدما قامت تركيا وإيران بتكييف سفنها الحالية لإطلاق طائرات مسيرة.
ونظرا لأن جميع السفن تقريبا قادرة على إطلاق مسيرات محمولة باليد أو حتى الأكبر حجما التي تتطلب معدات خاصة، فإنه نظريا يمكن أن تكون أي سفينة تقريبًا حاملة طائرات مسيرة.
وكانت الجهود السابقة للقيام بذلك معظمها تجارب أو عمليات فريدة، لكن مفهوم حاملة الطائرات المسيرة يتجاوز ذلك فهي سفينة ذات سطح طيران كبير مُصمم لإطلاق موجات من الطائرات المسيرة، مثل حاملة الطائرات التي تنطلق منها طلعات جوية بمعنى آخر هي مصممة تحديدا لهذا الغرض.
من بنى أول حاملة للمسيرات؟
هناك خلاف حول الدولة التي بنت أول حاملة طائرات للمسيرات تمامًا مثل الجدل حول من بنى أول حاملة طائرات في أوائل القرن العشرين.
وكانت تركيا هي أول دولة تُعلن عن بدء تشغيل حاملة طائرات للمسيرات وهي ” TCG Anadolu ” التي أُطلقت عام 2018، ودخلت الخدمة عام 2023 ويبلغ طولها 757 قدمًا، وتبلغ إزاحتها 27436 طنا وهي أكثر سفن البحرية التركية تطورًا، وتعد حاليًا السفينة الرئيسية.
وتزعم الحكومة التركية أن 70% من مكونات السفينة محلية، لكن تصميمها مستوحى من تصميم سفينة الهجوم البرمائية الإسبانية خوان كارلوس الأول.
ومن المقرر أن يعمل طرازان من المسيرات من السفينة هما “بيرقدار تي بي 3″ و”بيرقدار كيزيللما” اللذان طورتهما شركة “بايكار”.
و”تي بي3″ هي نسخة بحرية من المسيرة “تي بي 2” ذات المحركات المروحية، والمُثبتة كفاءتها القتالية، وتتميز بأجنحة قابلة للطي، ونظام تعليق مُعزز، ومحرك أقوى.
وتقول شركة بايكار، إنها تتمتع بقدرة تحمّل تزيد عن 21 ساعة، ويمكنها حمل ما يصل إلى 617 رطلاً من الذخائر ويمكن استخدامها في مهام المراقبة والهجوم، خاصةً ضد الأعداء الذين يفتقرون إلى دفاعات جوية دفاعاتهم الجوية ضعيفة.
أما «كيزللما» فتصفها «بايكار» بأنها «مسيرة مقاتلة» مزودة بمحرك نفاث توربيني يُمكّنها من الوصول إلى سرعة قصوى تبلغ 0.9 ماخ والتحليق على ارتفاع يصل إلى 45,000 قدم. كما يمكنها حمل أسلحة تزن 3,300 رطل على نقاط تعليق خارجية وفي حجرات أسلحة داخلية.
ووفقا لمسؤولين أتراك، فإن الجناح الجوي لحاملة الطائرات المسيرة سيتألف من 12 مسيرة مقاتلة، كما يمكن للسفينة أن تحمل مروحيات هجومية من طراز AH-1W Cobra وT129 وطائرات SH-60B Seahawks.
وفي 6 فبراير/شباط الماضي، أصبحت إيران ثاني دولة تُعلن عن بدء تشغيل حاملة طائرات مسيّرة أطلق عليها اسم الشهيد بهمن باقري وهي سفينة حاويات مُعدّلة بدأت عملية تحويلها في 2022 حيث أضيف إليها سطح طيران بزاوية. وفي عام 2023، أُضيف منحدر تزلج بزاوية مماثلة يشير إلى اليمين في مقدمة السفينة.
ويعني التصميم أن الطائرات المسيرة ذات العجلات ستقلع وتهبط بزاوية، وهو نظام يُرجَّح أنه اتُّبع لأسباب عملية لتجنب عرقلة برج السفينة.
ووفقًا لمسؤولين إيرانيين، تتميز السفينة بسطح طيران بطول 590 قدمًا، وإزاحة 41,978 طنًا، ومدى يصل إلى 22,000 ميل بحري، والقدرة على حمل ونشر زوارق هجومية سريعة مسلحة.
ونشرت طهران لقطات لنماذج متعددة من المسيرات على متن السفينة تشمل مسيَّرتين من طراز مهاجر-6 للاستطلاع والهجوم، وطائرة مسيَّرة مُعَدَّلة على ما يبدو من طراز أبابيل-3 للاستطلاع والهجوم، والتي شوهدت وهي تنطلق من سطح الباقري إضافة إلى مسيَّرتين صغيرتين من طراز هوما.
لكن النموذج الأكثر إثارة للاهتمام هو مسيرة جديدة مبنية على ما يبدو على مشروع مقاتلة شبح محلية الصنع مخطط لها، عُرفت باسم قاهر-313.
وقد يشمل الجناح الجوي لباقري طرازات أخرى، بالإضافة إلى ذخائر متسكعة مثل شاهد-136 ويتردد أن السفينة قادرة أيضا على إطلاق غواصات مسيرة.
ماذا عن الصين؟
أما الصين فبدأت مسيرتها في سباق حاملات الطائرات المسيرة في 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي وأُطلق على سفينتها اسم “سيتشوان”، وهي مبنية على أساس سفينة الهجوم البرمائية الصينية من الفئة 075، وقد تم تعديلها لتحسين عمليات الطيران، بما في ذلك تغييرات مثل وضع مصاعدها وجزيرتي قيادة.
وتُعد سيتشوان السفينة الرئيسية من الفئة 076، ويبلغ طولها 853 قدمًا، ويُقال إن إزاحتها تزيد عن 40,000 طن، مما يجعلها أكبر سفينة هجوم برمائية في العالم وهي أطول بقليل من سفينة الهجوم البرمائية الأمريكية (LHA) التي يبلغ طولها 844 قدمًا.
وتتميز سيتشوان بوجود منجنيق كبير مثبت على جانبها الأيسر، ومعدات إيقاف على سطحها، وهي ميزات غير مسبوقة في أي سفينة هجومية برمائية، ويمكن للمنجني إطلاق طائرات ثابتة الجناح، بينما تتيح معدات إيقافه هبوط هذه الطائرات.
ومع عدم وجود طائرات مأهولة للإقلاع والهبوط القصير في الخدمة الصينية، لا شك أن الجناح الجوي لسيشوان مصمم ليكون في الغالب للمسيرات التي يرجح أن تكون من طراز ” GJ-11 Sharp Sword”.
وتُظهر صور نماذج GJ-11 من العروض الجوية حجرتين داخليتين للأسلحة، يعتقد البعض أنهما قادرتان على حمل أكثر من 4400 رطل من الذخائر.
ونظرًا لحجمها، قد تتمكن سيتشوان من حمل ما يصل إلى اثنتي عشرة طائرة من طراز GJ-11 وقد تنضم إليها نسخ بحرية من مسيرات أخرى.
وحتى الآن، دخلت الحاملة التركية والإيرانية فقط إلى الخدمة في حين تُنهي السفينة الصينية أعمال التجهيز النهائية استعدادًا لتجاربها البحرية الأولى.
وبصفة عامة تُتيح حاملات الطائرات المسيرة إمكانية التحكم في مساحة برية وبحرية أكبر بتكلفة أقل بكثير من تكلفة جناح جوي مأهول ومن المرجح أن تزداد أهمية هذه السفن في المستقبل.
aXA6IDUuMTgyLjIwOS4xMTUg جزيرة ام اند امز