اسعار واسواق

مقر ماكرون الصيفي.. «حرّ الدبلوماسية» يُخمد «نسائم الريفييرا»


ليست مجرد مقر إقامة رئاسي صيفي بل يجسد محطة تاريخية، وموقعه في الريفييرا يمنحه انتعاشة تخفف قيظ الصيف ووطأة الدبلوماسية أيضا.

وبينما يكتفي معظم الساسة بقضاء عطلاتهم تحت شمس الصيف، يقضي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إجازته داخل “حصن” على شاطئ فار بقلعة بريغانسون المقر الرئاسي الصيفي، لكنه ليس في استراحة تامة، وفق صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية.

فمن أوكرانيا إلى غزة مرورًا بالجزائر، يحاول ماكرون بكل ما أوتي من دبلوماسية إبقاء صوت فرنسا وأوروبا مسموعًا وسط اشتعال أزمات العالم، محوّلًا مقر إقامته الصيفي في بريغانسون إلى غرفة عمليات دولية على مدار الساعة.

وتقع قلعة بريغانسون في بلدة بورم لو مينوزا الواقعة في الريفييرا الفرنسية “كوت دازور”، وهي منطقة تقع جنوب شرق فرنسا على البحر المتوسط، ومن أشهر مدنها نيس، كان، سانتروبيز، تولون ومارسيليا، وتكثر فيها المنتجعات السياحية.

والقلعة ليست مجرد مقر إقامة رئاسي صيفي، فهى مبنى دفاعي قديم بدأ تاريخه منذ القرن الثاني الميلادي، عندما بنى الليغوريون القلعة الأولى في شبه الجزيرة الصخرية.

وتم تقوية الحصن في بداية القرن السابع عشر بأمر من الكاردينال ريشيليو.

وبحسب الصحيفة الفرنسية، يسعى الرئيس الفرنسي، الذي يقضي حاليًا إجازته في إقليم فار، جاهدًا لجعل صوت فرنسا وأوروبا حاضرًا في أزمات الصيف الدولية.

«لا يتوقف»

نقلت الصحيفة عن أحد المقربين من ماكرون  قوله إن “الأمر لا يتوقف! فهو يواصل إجراء الاتصالات من بريغانسون ويقضي أيامه في تبادل الرسائل مع نظرائه”، مشيرًا إلى جدول أعماله المزدحم بالملفات الدبلوماسية، في وقت تدخل فيه السياسة الداخلية الفرنسية مرحلة هدوء بسبب حرارة الصيف.

وأضاف مستشار آخر مبتسمًا: “منذ أن بدأ الرئيس قضاء عطلته الصيفية في بريغانسون، لم يمر شهر أغسطس بهدوء!» متذكرًا مثلًا انفجار مستودع مرفأ بيروت عام 2020، أو الإجلاء الفوضوي من أفغانستان في صيف العام التالي.

وتتوفر في هذا المقر الرئاسي المطل على شواطئ فار، حيث يمكث ماكرون منذ أواخر يوليو/تموز الماضي، تجهيزات اتصالات كاملة، بما في ذلك أجهزة الإرسال اللازمة لإجراء مكالمات دولية ومتابعة القضايا الملحّة من قلب إجازته، بما في ذلك أجهزة إرسال ومعدات لعقد اجتماعات عبر الفيديو. 

وقد سُمِح، الأربعاء، بتصويره لبضع لحظات داخل قاعة المؤتمرات المرئية بالحصن، بينما كان يستعد للمشاركة في عدة اجتماعات، أولها بين القادة الأوروبيين، ثم لقاء جمعهم بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قبيل اجتماع مرتقب بين ترامب وفلاديمير بوتين في ألاسكا، الجمعة، لمناقشة الحرب في أوكرانيا. 

وبالرغم من استبعاد الأوروبيين من هذه المحادثات، إلا أنهم يحاولون بصعوبة التأثير على مسارها ودعم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي شارك في اجتماعات الأربعاء.

في قلب التوترات

قال ماكرون عقب تلك الاجتماعات: “من المهم للغاية أن يُسمع صوت أوروبا قبل مثل هذا اللقاء”، مضيفاً:” نحن بصدد التحول تدريجيًا إلى قوة جيوسياسية، وهذا ما نريده على أي حال”.

ويبدو أن خيط النشاط الدبلوماسي المكثف للرئيس يتمثل في الحفاظ على حضور فرنسا وأوروبا في قلب التوترات الجيوسياسية، سواء تعلق الأمر بأوكرانيا أو غزة أو الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.

وتوضح النائبة إلينور كاروا، نائبة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية، للصحيفة، أن “عمل الرئيس يندرج في إطار السعي لطرح موقف مميز في مختلف الأزمات”.

من جانبه، قال النائب السابق جان-لويس بورلانج، الخبير في الشؤون الأوروبية: “المشكلة أن ماكرون يعطي الانطباع برغبته في التأثير، بينما من الواضح أنه لا يملك تأثيرًا كبيرًا، وذلك ليس بسببه شخصيًا، بل بسبب العجز التام للأوروبيين عن تبني سلوك قوة، رغم أنه لطالما دعا إلى ذلك”.

وتابع: “نحن نواجه بوتين وترامب، وكلاهما يعادينا بشدة، لكن العديد من الأوروبيين يتظاهرون بالاعتقاد أن ترامب ليس كذلك”.

إشارة وإنجاز

في الإليزيه، يشير كثيرون -وفق الصحيفة- إلى أن قبول ترامب الاجتماع بالأوروبيين قبل لقائه ببوتين يُعد بحد ذاته إشارة إيجابية.

ويؤكدون على التنسيق الوثيق بين ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الثلاثي الذي يقود المبادرات للضغط على الرئيس الأمريكي.

ويقول أحدهم للصحيفة: “هذه المجموعة تعمل جيدًا. هناك وحدة أوروبية تُحافظ عليها في هذه اللحظة الصعبة والخطيرة، وهناك قيادة حقيقية، تتوافق مع رؤية الرئيس لأوروبا في شكل دوائر متراكزة، مع نواة قيادية تجر الآخرين خلفها”، وفقا للصحيفة الفرنسية.

ورغم ذلك، فإن الإنجاز الدبلوماسي البارز الوحيد الذي حققته فرنسا مؤخرًا هو الاعتراف بدولة فلسطين.

فمنذ إعلان ماكرون عزمه القيام بهذه الخطوة رسميًا في سبتمبر/أيلول المقبل خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، تبعته دول مثل كندا وأستراليا، وحتى المملكة المتحدة بشروط، مما أثار غضب إسرائيل.

ويقول بورلانج: “ما يفعله الرئيس في ملف غزة هو الشيء الوحيد المهم. نعلم أنه سيف بلا حدة، لكن هناك تحركًا واضحًا لنشر الوعي، وفرنسا تقول ما يجب أن يقال”.

وللحفاظ على هذه “الدينامية الدبلوماسية”، كما يسميها الإليزيه، جدد ماكرون، الاثنين، اقتراحه بإنشاء “بعثة استقرار تحت إشراف الأمم المتحدة في غزة، محذرًا من “كارثة وشيكة” عقب إعلان بنيامين نتنياهو عزمه السيطرة على مدينة غزة.

لكن، ومع أن ثلاثة أرباع أعضاء الأمم المتحدة يعترفون بالفعل بدولة فلسطين، يبقى ترامب، الحليف الدائم لرئيس الوزراء الإسرائيلي، الطرف الوحيد القادر على التأثير الفعلي على الوضع.

حركة دبلوماسية محمومة

ترامب أيضًا يقف في مواجهة ماكرون والأوروبيين في ملف الرسوم الجمركية الشائك، فالصفقة التي أبرمت أواخر يوليو الماضي بين المفوضية الأوروبية والولايات المتحدة قوبلت برفض شبه شامل في الساحة السياسية الفرنسية. 

وقال ماكرون في آخر اجتماع لمجلس الوزراء قبل العطلة الصيفية في 31 يوليو/ تموز الماضي: “لم نكن موضع رهبة كافية… ولن نتوقف هنا”، وذلك بعدما تبنت فرنسا موقفًا أكثر صرامة من دول أوروبية أخرى أكثر انكشافًا تجاريًا تجاه الولايات المتحدة، مثل ألمانيا.

ويعلق أحد المقربين من الرئيس: “الانتقادات كانت قاسية، لكننا في النهاية حدّينا من الخسائر إلى حد بعيد. ومع ذلك، في هذا الملف لا توجد نهاية للقصة، فلا بد من الاستمرار في الحوار”.

أما الحوار مع الجزائر، فقد انقطع بالكامل، وهو ملف حساس للدبلوماسية الفرنسية نظرًا لتداخلاته مع الشأن الداخلي.

ففي رسالة إلى فرانسوا بايرو، كشفت عنها “لوفيغارو” الأسبوع الماضي، طلب ماكرون من رئيس الوزراء تبني “نهج أكثر صرامة”، منسجمًا مع الخط الذي يدعمه وزير الداخلية برونو ريتايو. 

ومع ذلك، يواصل الرئيس سياسة “الاعتراف” تجاه مستعمرات فرنسية سابقة أخرى (مع رفض استخدام مصطلح “الاعتذار”).

والثلاثاء الماضي، أقر رسميًا بأن فرنسا خاضت “حربًا” في الكاميرون قبل وبعد استقلالها عام 1960، في خطوة جديدة ضمن هذه الحركة الدبلوماسية المحمومة التي تطبع صيف ماكرون.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى