حوار الإخوان المزعوم.. «صدى العجز» لا أفق عودة

رغم مرور أكثر من 12 عاما على سقوطه المدوي، لا يزال تنظيم الإخوان يحاول العبور من النوافذ الضيقة بالأدوات القديمة نفسها: خطاب مزدوج يرفع راية المصالحة بيد، ويغرس «خنجر العنف» باليد الأخرى.
فما طرحه التنظيم اليوم تحت اسم «حوار» يعكس مأزقًا داخليًا عميقًا داخل بنية التنظيم، وليس سوى إعادة تدوير لمبادرات واهية، هدفها الحقيقي غسل السمعة وإحداث ثقب في جدار النظام السياسي يتيح للتنظيم العودة إلى المشهد.
إلا أن ما يغيب عن «الإخوان» أن الزمن تجاوزهم، وأن الشعب الذي لفظهم في ثورة شعبية اقتلعته من جذوره، يدرك أن ما يسمونه حوارًا ليس سوى مناورة يائسة للهروب من أزمتهم الوجودية، بحسب خبراء استطلعت «العين الإخبارية» آراءهم.
وخلال الـ72 ساعة الأخيرة، خرجت دعوات إخوانية، تدعو للتصالح مع النظام السياسي في مصر، مقدمين عروضا مثل اعتدال العمل السياسي. دعوات حاول «الإخوان» تأكيدها، ببيان غازلوا فيه الشارع المصري، بإثارة بعض القضايا، التي يعتقدون أن المجتمع المدني يشاركهم فيها.
فما أسباب الدعوات الإخوانية؟
يقول منير أديب الباحث في الإسلام السياسي وشؤون الإخوان، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن هذا البيان هدفه الأساسي محاولة إحداث ثقب في العلاقة بين التنظيم أو بين جبهة إسطنبول التي تعتقد أنها تمثل الجماعة وبين النظام السياسي في مصر.
وأوضح الباحث في الإسلام السياسي، أن تنظيم الإخوان الذي مارس وما زال يمارس العنف، يسعى لإحداث ثقب للعودة إلى المشهد السياسي، وتجنيد مزيد من الأفراد، استعدادا لـ«القبضة الأخيرة» على السلطة كما يسمونها، ومن ثم اغتيال الدولة وهويتها.
وأشار إلى أن التنظيم يهادن السلطة والمجتمع الآن بهذا الخطاب، بقضايا يعتقدون أن المجتمع المدني يشاركهم فيها، إلا أن الواقع يخالف ذلك، فـ«الإخوان لا يعترفون بالأخطاء، ولن يتغيروا، ولم ولن يعتذروا».
في السياق نفسه، قال عمرو عبدالمنعم الباحث في شؤون الإخوان، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إنه على مدار العشر سنوات الأخيرة، راوغ الإخوان أكثر من مرة، فطرحوا مبادرات عدة.
وأوضح عبدالمنعم، أن تنظيم الإخوان يطرح أفكارا ليست بالجديدة، مستخدما أكثر من مفردة في التعامل مع هذا الملف: طرح فكرة المصالحة، وطرح فكرة تقييم المرحلة، ثم استخدم ألفاظا أو مصطلحات مثل التسوية السياسية، في مفردات تدل جميعها على مدلول واحد، وهي أن الجماعة في مأزق، وتبحث عن حل وليس الحوار.
بدوره، قال هشام النجار الخبير في شؤون الإخوان، إن التنظيم الإرهابي يدفع أحد أذرعه «ليتحدث حديثا مخادعا ناعما هادئا يصور الجماعة كأنها ملاك، وأنها لا علاقة لها بما ارتكبته كل أجنحتها وأذرعها التي تحركها من إرهاب وتنسيق وتحالف وثيق مع قوى خارجية».
وأوضح في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن الجماعة لم تترك مخططا للهدم والتفكيك والتخريب إلا والتحقت به وانضوت تحت لوائه وكانت أداته الرئيسية وشكلت خلاياها المسلحة الإرهابية لتقوم بدورها الذي وصفه بـ«الدنيء» في مختلف تلك المخططات.
فيما قال المحلل السياسي الدكتور أحمد يوسف، إن تنظيم الإخوان يتمسك بمواقف لا تصلح لفتح مسار للتفاوض مع الدولة، بالإضافة إلى أن موقف الحكومة معروف من التنظيم.
وأوضح في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن الهدف «الأهم» من بيان التنظيم، قد يكون «محاولة لكسب تأييد أكبر في دوائر الرأي العام المصري، باعتبار أن الأزمة ستظل قائمة بين الإخوان والحكومة المصرية»، مشيرًا إلى أن التنظيم يعول على عودة مستقبلية، محاولا استغلال أية أزمات داخلية للوصول إلى ذلك الهدف.
هل ينجح الإخوان؟
وبحسب الباحث في الإسلام السياسي منير أديب، فإن التنظيم يحاول غسل سمعته، وتقديم نفسه مرة تلو أخرى، لكنه لن ينجح في ذلك، لأن القرار كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسي، هو قرار الشعب.
وكانت الحكومة المصرية، قالت في أكثر من مناسبة، «إنه لا تصالح مع من تلوثت أيديهم بالدماء، وإن الشعب المصري أصبح واعياً بالقدر الكافي، ليعرف أن من يقوم بالإرهاب والعنف وقتل المصريين لا يمكنه أن يعود لصوابه بشكل مفاجئ».
أما عمرو عبدالمنعم، فتساءل: هل يريد الإخوان الحوار أم الحل؟ مجيبا بقوله: لو يريدون الحوار فمناقشته ومفرداته تختلف عن سياق الشروط المسبقة الإخوانية: من دخول مجلس الشعب والإفراج عن المعتقلين.
وأشار إلى أن هناك فارقا بين أن الجماعة في مأزق وتبحث عن حل، وأنها تحاول أن تحاور لتخرج بنتيجة مع القوى السياسية الأخرى، في مسعى للخروج من المأزق الذي تعاني منه، مؤكدًا أن التنظيم يطرح مصطلحات سياسية معظم قياداته لا يدركها.
وأكد أن فكرة التعامل مع كثرة المبادرات السياسية بعيدا عن رؤية حقيقية يقدمها الإخوان، عبث لا بد أن ينتهي من جميع الأطراف.
إشكالية أخرى طرحها عبدالمنعم، ممثلة في حالة الانقسام والتشظي التي يعاني منها التنظيم، متسائلا: مع من تتحاور الدولة: جبهة إسطنبول؟، جبهة لندن؟، ميدان؟، المكتب العام (القاهرة)؟، المستقلون (من يراقبون المشهد من بعيد)؟ الكل يتحدث باسم الإخوان، باسم التنظيم، والجميع متفق على أنهم في مأزق.
الأمر نفسه أشار إليه النجار، قائلا إنه لا شك في أن هذا البيان وغيره «بما يحمله من خبث ومكر شديد لا ينطلي على الحكومة المصرية والمسؤولين المصريين الذين لديهم خبرة واسعة بالجماعة وأساليبها وألاعيبها المخادعة».
واستبعد النجار «الالتفات إلى مثل هذه البيانات التي تأتي في سياق غسيل السمعة، حيث لن يقبل أحد مساعدة جماعة يدها ملوثة بالتعاون مع كل أجهزة الاستخبارات الدولية وملوثة بالإرهاب والتفجيرات والاغتيالات والعمل جنبا إلى جنب مع الفصائل والمليشيات التكفيرية، في غسل يدها وتلميع وجهها وتغطية قبحها».
هل محاولة لرفع معنويات أنصار التنظيم المحبطة؟
يقول عبدالمنعم: لا أعتقد ذلك.. الجميع يدرك أن التنظيم يعاني من مأزق، وأزمة، يحاول الخروج منها بطرق غير مدروسة، مشيرًا إلى الحصار العالمي على التنظيم، والحصار الداخلي الذي يمزقه، فضلا عن الضغط الكبير على الإخوان ممثلا في قياداته القابعين في غياهب السجون.
بدوره، قال هشام النجار الخبير في شؤون الإخوان، إن بيانات الإخوان ينظر إليها كذلك على أنها موجهة للاستهلاك داخل الجماعة، ولها أغراض متعددة، القصد منها مواصلة المحاولات المستميتة للخروج من أزمتها المستعصية المستمرة منذ عزلها عن السلطة في يونيو/حزيران 2013.
لكن.. ما أسباب تناقض الدعوات بين أذرع الإخوان؟
وبينما تدعو بعض البيانات الرسمية الصادرة عن أذرع للإخوان إلى الحوار مع الدولة المصرية، تتبنى بعض الأذرع الأخرى، مثل: «حسم» و«ميدان»، خطاب العنف، وتدعو إلى التصعيد، وتحرض على عدم الاستقرار في مصر.
وحول ذلك، يقول منير أديب، إنه بينما الخطابات موجهة للرأي العام في محاولة لإقناع السلطة بالحوار، إلا أن سلوك التنظيم «متطرف، فهو يريد إسقاط الدولة، والثأر لنفسه من المجتمع المصري الذي لفظهم في ثورة شعبية اقتلعتهم من جذورهم».
وأوضح أن «التنظيم يزعم أنه يريد الحوار، لكنه في الحقيقة يرفضه، بل وعلى النقيض تماما يمارس، لذلك لا يوجد أي مقاربة بين ما يطلق وبين الممارسات الإخوانية».
فيما اعتبر عمرو عبدالمنعم الباحث في شؤون الإخوان، ذلك التناقض محاولة لتقسيم الأدوار فيما بين الأذرع الإخوانية؛ فإحداها تأخذ طريق السلمية والديمقراطية، فيما تدعو أخرى للجهاد.
لكنّ الحقيقة «أنهم الآن أصبحوا شتاتا منقسمين، بعضهم يتبنى خطابا يكاد المريب يقول خذوني»، يضيف عبدالمنعم، مشيرًا إلى أن هناك «صراعا حقيقيا بين تيارات الإخوان، تيار يريد المواجهة المسلحة، فيما الآخر لا يرى ذلك، لكنهما يتفقان على الإطاحة بالأنظمة العربية».
بدوره، فسر هشام النجار ذلك التناقض، بقوله: هذه هي عادة جماعة الإخوان في التلون واللعب بأذرع عديدة بهدف التنصل من الممارسات التخريبية وتحالفاتها الخارجية مع مشاريع ومخططات توسعية.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز