«درع الأعماق» النووي.. «بوري» ترسم معادلة الردع الروسي

في زمنٍ يتغير فيه ميزان القوى على وقع سباق التسلح وذوبان الجليد القطبي، يشهر فلاديمير بوتين بورقته الأشد تأثيرًا: غواصات «بوري» النووية: سلاح صامت يختبئ في أعماق البحار ليحسم معادلة الردع بعيدًا عن الأعين والرادارات.
فغواصات بوري، بأطنانها الأربعة والعشرين وصواريخها العابرة للقارات، ليست مجرد آلات حديدية عملاقة، بل تجسيد عملي لعقيدة «الضربة الثانية المضمونة»؛ تلك المعادلة التي تضمن بقاء روسيا لاعبًا لا يمكن إقصاؤه.
فماذا نعرف عن غواصات بوري النووية؟
يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن غواصات الأسطول النووي من طراز بوري تمثل ورقة التفوق الحاسمة لموسكو في أي مواجهة نووية محتملة مع الغرب.
وخلال اجتماع مع العاملين في القطاع النووي بمدينة ساروف شرق موسكو، قال بوتين: غواصاتنا النووية الاستراتيجية تغوص تحت جليد القطب الشمالي وتختفي عن أنظمة الرادار. هذه هي ميزتنا العسكرية.
لم يأتِ تصريح بوتين بمعزل عن المشهد الجيوسياسي في المنطقة القطبية. فذوبان الجليد الناتج عن التغير المناخي جعل الممرات البحرية أكثر انفتاحًا، وهو ما يثير سباقًا دوليًا على السيطرة على طرق الشحن والموارد الطبيعية الهائلة الكامنة في أعماق القطب.
وترى موسكو أن سيطرتها على هذه المنطقة تمنحها ميزة استراتيجية تتجاوز بعدها العسكري، لتصبح ورقة ضغط اقتصادية وجيوسياسية في آن واحد.
درع الأعماق
تتمركز غالبية الغواصات النووية الروسية ضمن الأسطول الشمالي، حيث توفر طبيعة المنطقة القطبية غطاءً طبيعيًا يسمح لها بالعمل بسرية عالية، والانطلاق نحو أهداف في أوروبا أو أمريكا الشمالية في وقت قصير للغاية.
الغواصة الأولى من فئة بوري، يوري دولغوروكي
يرى خبراء عسكريون أن هذه القدرات تعزز مفهوم الردع النووي، إذ تمنح موسكو “ذراعًا ثانية” تضمن الرد حتى في حال تعرضها لضربة نووية مفاجئة، وهو ما يعرف بعقيدة “الضربة الثانية المضمونة”.
بوري.. المنصة النووية الأضخم
- تُعد غواصات بوري من أضخم الغواصات التشغيلية في العالم
- يصل وزنها إلى 24 ألف طن تحت الماء
- مجهزة بـ 16 صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات من طراز آر إس إم 56 بولافا
- كل صاروخ منها قادر كل منها على حمل ما بين 6 إلى 10 رؤوس نووية مستقلة (MIRVs) يمكن توجيهها إلى أهداف مختلفة في وقت واحد.
- الغواصة الواحدة قادرة على نشر ما يصل إلى 160 رأسًا نوويًا، أي ما يعادل ترسانة نووية كاملة لدولة متوسطة الحجم، الأمر الذي يرسخ مكانتها كأخطر منصة نووية عائمة في العالم.
سباق التسلح البحري
- أطلقت روسيا برنامج بوري بهدف استبدال غواصاتها السوفياتية المتقادمة من طراز “دلتا” و”تايفون”.
- وحتى الآن، دشنت موسكو عشر غواصات، بينها ثماني من النسخة المطورة بوري-آي، كان آخرها كنياز بوجارسكي التي أطلقت عام 2024 وانضمت رسميًا إلى الخدمة في يوليو/تموز 2025.
- ولا تزال غواصتان أخريان قيد البناء، فيما أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن خطة لزيادة العدد الإجمالي إلى 14 غواصة، في إشارة واضحة إلى عزم موسكو توسيع قدراتها النووية البحرية.
مواصفات تقنية رئيسية
- الإزاحة (الوزن): 24 ألف طن تحت الماء.
- الطول: 170 مترًا.
- العرض: 13 مترًا.
- السرعة: 29 عقدة (أكثر من 50 كلم/ساعة).
- العمق الأقصى للغوص: 400 متر.
- الطاقم: بين 107 و130 فردًا.
مزايا استراتيجية:
- تمتاز غواصات بوري بقدرتها العالية على التخفي بفضل تقنيات متطورة تقلل بصمتها الصوتية
- يصعب مهمة رصدها حتى على أنظمة الاستشعار الأمريكية الحديثة.
- يمنحها تمركزها في القطب الشمالي تحت الغطاء الجليدي مواقع إطلاق محصنة، تجعل من الصعب على الخصم استهدافها.
- هذه المزايا تشكل حجر الزاوية في استراتيجية الردع النووي الروسي، إذ تضمن بقاء موسكو قادرة على توجيه ضربة مضادة مدمرة حتى لو تعرضت لهجوم مباغت.
مواجهة مع “أوهايو” الأمريكية
تُعد الغواصات الأمريكية من فئة أوهايو (Ohio Class) النظير المباشر لغواصات بوري، وهي قادرة على حمل 24 صاروخًا نوويًا.
وبينما يؤكد خبراء روس أن نسخة بوري-آي أكثر تقدمًا من حيث التخفي الصوتي والقدرة على التملص من أنظمة الرصد، يرى الأمريكيون أن تفوقهم يكمن في أنظمة القيادة والسيطرة المتكاملة مع شبكة الأقمار الصناعية العالمية.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز