اسعار واسواق

ارتفاع درجات الحرارة يفتح الباب لأوبئة لم نعهدها.. سر نواقل الأمراض (حوار)


مع ارتفاع درجات الحرارة، تجد نواقل الأمراض فرصة ذهبية للانتشار، ما يزيد من فرص إصابة البشر بالفيروسات والطفيليات المنقولة عن طريقها.

منذ COP28، وصارت الصحة على أجندة مؤتمرات الأطراف المعنية بتغير المناخ، وقد أبدت رئاسة COP30 في البرازيل اهتمامًا بقطاع الصحة أيضًا، وخصصت لها موضعًا على أجندتها.

يأتي ذلك في ظل الدراسات العديدة التي أظهرت العلاقة الوثيقة بين انتشار الأمراض تزامنًا مع ارتفاع درجات الحرارة على سطح الأرض؛ بسبب تسارع التغيرات المناخية.

على سبيل المثال، أشارت دراسة منشورة في دورية “بلوس وان” (PLOS one) عام 2015 إلى أنّ حالات حمى الضنك قد ارتفعت في سنغافورة على مدار 40 عامًا من أقل من ألف حالة إلى أكثر من 14 ألف حالة، وأعزوا النتائج إلى عاملين رئيسيين: النمو السكاني بنسبة 86%، وارتفاع درجات الحرارة بنسبة 14%. وهذا يعني أنّ الأمراض تجد في الحرارة المرتفعة بيئة مناسبة للنمو والازدهار. كما يزداد نشاط نواقل الأمراض مع الحرارة المرتفعة.

نواقل الأمراض

وهي كائنات حية، قد تكون حشرات أو مفصليات، وتنقل الأمراض من كائن حي مصاب إلى كائن حي آخر سليم؛ فتصبه بالعدوى. أشهر الأمثلة على نواقل الأمراض: البعوض والذباب. ويجدر بالذكر أنّ مسببات الأمراض (قد تكون بكتيريا أو فيروسات أو طفيليات)، تتكاثر داخل نواقل الأمراض وتنتقل إلى العائل الجديد عند لدغه.

نطاق انتشار أوسع

ومع ارتفاع درجات الحرارة، تتأثر دورة حياة نواقل الأمراض، ما يؤدي لانتشار الأمراض. وفي هذا الصدد، يقول الدكتور “يحيى النجار”، أستاذ أبحاث النحل في قسم علم الحيوان بكلية العلوم جامعة طنطا- مصر، ومركز أبحاث النحل ومنتجاته بجامعه الملك خالد – المملكة العربية السعودية، في حديثه مع “العين الإخبارية”: “ارتفاع درجات الحرارة يؤثر بشكل مباشر على دورة حياة نواقل الأمراض مثل البعوض والذباب؛ فهي تسرع نمو البيض واليرقات والعذارى، ما يقلص زمن الانتقال إلى الحشرات البالغة، ويؤدي إلى ظهور أجيال أكثر خلال موسم واحد. كما تقصر درجات الحرارة المرتفعة فترة الحضانة الخارجية (EIP) للفيروسات والطفيليات داخل النواقل، مما يجعلها معدية أسرع”.

ويُضيف النجار: “كذلك، تسهم الحرارة في زيادة معدل الأيض وتقليل حجم البالغين، لكنها قد توسع نطاق انتشار النواقل إلى مناطق كانت باردة سابقًا، بما في ذلك المرتفعات وخطوط العرض الأعلى. جميع هذه التغيرات تزيد من كفاءة انتقال الأمراض وانتشارها”. هذه العوامل توسع نطاق انتشار نواقل الأمراض. لكن مهلًا، هذا ليس كل شيء؛ إذ “تسمح درجات الحرارة المرتفعة للبعوض بالبقاء على قيد الحياة وإقامة تجمعات تكاثر في مناطق كانت باردة سابقًا، بما في ذلك الارتفاعات الجبلية وخطوط العرض الأعلى في بلدان أكثر اعتدالًا”، بحسب النجار.

وبذلك فإنّ “الجمع بين ارتفاع الحرارة، دورة حياة أسرع، إنتاج بيض أكثر، وتقليل فترة الحضانة الخارجية للفيروسات، يؤدي إلى زيادة أعداد البعوض وكفاءة نقل الأمراض، مما يعزز خطر التفشي في مناطق جديدة”، يشرح النجار.

معدلات تكاثر أعلى

ومع ارتفاع درجات الحرارة، تزداد معدلات تكاثر الأمراض، ويوضح الدكتور “يحيى النجار” لـ”العين الإخبارية”، قائلًا: “تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تقليص الوقت اللازم من فقس البيضة حتى ظهور البعوض البالغ (مرحلة اليرقة والعذراء). على سبيل المثال، أظهرت دراسة على بعوضة الزاعجة المصرية (Aedes aegypti) أن وقت النمو من البيضة إلى الطور البالغ يمكن أن ينخفض بأكثر من 50% عند زيادة الحرارة من 20°م إلى 30°م”.

كما تتسبب الحرارة المرتفعة في تقصير دورة “التغذية والتكاثر” (Gonotrophic)، وهي عملية تناول وجبة الدم، وتطور البيض، ووضعه. تعمل درجات الحرارة الأكثر دفئًا على تسريع هذه الدورة، مما يمكّن أنثى البعوض من إكمال المزيد من دورات التغذية ووضع البيض خلال عمرها، مما يؤدي إلى زيادة أسية في أعداد النسل. إضافة إلى زيادة أعداد الأجيال؛ فمع دورة حياة أسرع وبيض أكثر إنتاجًا، يمكن أن تظهر أجيال متعددة خلال موسم تكاثر واحد، مما يزيد من أعدادها ويعزز القدرة على نقل الأمراض. بحسب الدكتور يحيى النجار.

فترة حضانة مسببات الأمراض

وتتأثر فترة حضانة مسببات الأمراض أيضًا داخل جسم الناقل. ويوضح الدكتور يحيى النجار فترة الحضانة الخارجية، “وهي الفترة بين تناول البعوضة لوجبة دم من مضيف مصاب ووقت قدرتها على نقل العامل الممرض (فيروس أو طفيلي) للضحية التالية. هذه الفترة تعتمد بشكل كبير على درجة الحرارة، وتشمل فيروسات مثل حمى الضنك، فيروس غرب النيل، وطفيليات الملاريا”.

ويتابع: “مع ارتفاع درجة الحرارة، يتكاثر الفيروس أو الطفيلي بسرعة أكبر داخل البعوضة. على سبيل المثال، يمكن أن تنخفض فترة الحضانة الخارجية لفيروس حمى الضنك في Aedes aegypti من حوالي 15 يومًا عند 25°م إلى حوالي 7 أيام فقط عند 32°م”. وهذا يعني تقصير فترة الحضانة الخارجية مع الحرارة. وهذا “يعني أن البعوض يصبح معديًا أسرع، مما يزيد بشكل كبير من معدل انتشار الأمراض المنقولة عبر البعوض ويعزز خطر التفشي في المجتمعات البشرية”.

جدير بالذكر أنّ متوسط الحرارة العالمية يترفع عامًا بعد عام؛ إذ وصل في عام 2023 إلى 1.45 درجة مئوية مقارنة بمستويات عصر ما قبل الصناعة، وفي عام 2024، بلغ متوسط الحرارة العالمية 1.55 درجة مئوية مقارنة بمستويات عصر ما قبل الصناعة. وهذا يعني أنّ العالم يتجه نحو احترار يصعب السيطرة عليه، ما يعطي مؤشرًا نحو إتاحة فرص أوسع لانتشار الأمراض عبر النواقل؛ إذ يقول النجار: “مع البقاء في مناطق دافئة لفترات أطول، تطول فترة نشاط البعوض ونقل الأمراض، مما يزيد من فرص إصابة البشر بالفيروسات والطفيليات المنقولة عن طريق البعوض”.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى