اسعار واسواق

«شبكات الإخوان» في بلجيكا.. «نفوذ صامت» يختبر صلابة الديمقراطية


تواجه بلجيكا منذ عقود معضلة معقّدة تتعلق بتمدّد شبكات مرتبطة بجماعة الإخوان، لا تعمل تحت مظلة مركزية،

بل تظهر في “صورة فسيفساء” من جمعيات ومساجد ومؤسسات تعليمية وثقافية.

هذه الكيانات، وفق ما وثّقته أجهزة الاستخبارات البلجيكية وتقارير برلمانية وعدة دراسات أكاديمية، تروّج لرؤية محافظة للإسلام، وتستفيد من الأدوات الديمقراطية والإطار القانوني لترسيخ نفوذها، بما يشكل اختباراً حقيقياً لصمود النظام الديمقراطي أمام استراتيجيات النفوذ الناعم.

نفوذ خفي وتحديات ديمقراطية

وقالت مجلة “إنترفيو” السياسية الفرنسية، إنه منذ عدة عقود، تعد بلجيكا أرضاً خصبة لزرع شبكات مرتبطة بجماعة الإخوان، في ظاهرة تظل هادئة لكنها معترف بها من قبل أجهزة الاستخبارات، وباحثين متخصصين، وعدة تحقيقات برلمانية.

وأشارت المجلة الفرنسية إلى أن الإخوان لم يشكلون يوماً حركة مركزية في بلجيكا؛ بل يتعلق الأمر بفسيفساء من الجمعيات والمساجد والهياكل التعليمية والثقافية التي تنشر رؤية محافظة للإسلام باستخدام الأدوات الديمقراطية والإطار القانوني البلجيكي.

مختبر الإسلام الأوروبي

وظهرت أولى هذه الشبكات منذ ستينيات القرن الماضي مع وصول الطلاب والعمال المهاجرين، وفي بروكسل، اعتُبر “المركز الإسلامي والثقافي في بلجيكا”، المقام داخل “الجامع الكبير”، واجهة للتيار الإخواني.

ووفقاً للمجلة الفرنسية فإن إغلاقه في عام 2019، بعد عدة تحذيرات بشأن توجهه الأيديولوجي، يوضح الدور التاريخي لهذا المكان في نشر فكر الإخوان.

ولم تقف السلطات البلجيكية مكتوفة الأيدي أمام تلك الشبكات، ففي عام 2019 أُغلق “المركز الإسلامي والثقافي في بروكسل”.

ووصف فيليتشه داسيتو، أستاذ علم اجتماع الأديان في جامعة لوفان الكاثوليكية في كتابه ” السوسنة والهلال” الصادر في بروكسل عام 2011، تلك الشبكات بأنها “مختبر الإسلام الأوروبي”، مشيراً إلى تأثيرها المتزايد.

تحذيرات الاستخبارات

وأكد جهاز أمن الدولة البلجيكي (VSSE) في عدة مناسبات أن جماعة الإخوان تمثل “حركة يجب مراقبتها”. ففي تقريره لعام 2018، لفت إلى “استراتيجيتهم في التأثير المنظم في المجالات التعليمية والسياسية”.

وأكدت “اللجنة أر”، وهو جهاز رقابة على أجهزة الاستخبارات، أن التيار الإخواني “طور شبكة جمعوية خفية قادرة على الحوار مع المؤسسات، وفي الوقت نفسه نشر أجندة دينية محافظة”.

الجامعة.. أرض الإخوان

أحد الميادين الأكثر إثارة للقلق اليوم هو الجامعة. فمنذ نحو عشرة أعوام، حذر باحثون وأساتذة من حالات “تغلغل أيديولوجي”، حيث يستخدم فاعلون مقربون من التيار الإخواني مفردات مكافحة التمييز أو تفكيك الاستعمار لنشر رؤيتهم.

وفي عدة كليات بلجيكية، لا سيما في العلوم الاجتماعية والإنسانية، أصبحت بعض الندوات والجمعيات الطلابية منبراً لخطاب هوية يتجاوز النقاش الأكاديمي.

وفي بلجيكا، يتحدث مراقبون عن تطبيع لهذه الخطابات في الوسط الأكاديمي، وهو ما يقلق جهاز أمن الدولة لأنه يساهم في إضفاء الشرعية على الأيديولوجيا الإخوانية لدى الأجيال الشابة.

آليات التغلغل

آليات زرع هذه الشبكات متكررة، فهي تمر وفقاً للمجلة الفرنسية عبر إنشاء جمعيات ثقافية أو خيرية تعمل أيضاً كوسطاء أيديولوجيين، والاستثمار في التعليم الخاص أو الموازي غالباً لاستقطاب الشباب، والمشاركة في النقاش العام عبر هياكل تُقدَّم كممثلة لمسلمي بلجيكا.

وقد وُجهت اتهامات إلى “التجمع ضد الإسلاموفوبيا في بلجيكا (CCIB)”، القريب من حركات مشابهة في فرنسا، بالانخراط في دائرة النفوذ الإخواني من خلال “نشر تصور انفصالي للهوية المسلمة”.

«التقية».. استراتيجية الإخفاء

ولفتت المجلة الفرنسية إلى أن الأيديولوجيا المطروحة تركز على الدفاع عن هوية دينية منفصلة، مع استخدام مفردات المواطنة والنضال ضد التمييز.

هذا النهج، الذي يُوصَف غالباً بـ”الخطاب المزدوج” من قبل المتخصصين، يسمح بالحصول على دعم مؤسساتي وإعلامي، وفي الوقت نفسه يعزز قاعدة مجتمعية محافظة.

وتُذكر “التقية” أو التخفي الاستراتيجي بانتظام في الأبحاث الأكاديمية كأداة تُستخدم لتقديم خطاب معتدل للخارج والحفاظ داخلياً على رؤية صارمة.

التداعيات المجتمعية

وتظهر النتائج في بعض المناطق الحضرية ببروكسل وأنفرس وشارلروا، حيث تشكلت جيوب هوياتية.

ويشير الباحثون وأجهزة الاستخبارات إلى أن هذه الظاهرة تخص أقلية من المسلمين في بلجيكا، لكنها تساهم في تعزيز منطق الانغلاق والانعزالية.

كما أن التحدي كبير، هو أنه من خلال التأثير في النقاش العام حول الإسلاموفوبيا، والاعتراف بالديانات، أو ارتداء الحجاب، تسعى هذه الشبكات إلى فرض نفسها كمحاور أساسي للسلطات العامة، على حساب أصوات مسلمة أخرى أكثر تنوعاً.

الإخوان.. وزن غير متناسب

وأشارت المجلة الفرنسية إلى أن الإخوان لا يمثلون غالبية المسلمين في بلجيكا؛ فالمجتمع متنوع، تسوده اتجاهات متعددة تتراوح بين الصوفية والإصلاحية الحداثية. لكن قدرة الإخوان المسلمين على التنظيم والتعبئة والتأثير على المؤسسات تمنحهم وزناً يفوق حجمهم.

وكما يقول فيليتشه داسيتو: “تكمن قوة الإخوان في تنظيمهم، مثابرتهم، واستخدامهم للأدوات الديمقراطية لترسيخ مشروعهم”.

استنتاجات بحثية

ووفقاً للمجلة الفرنسية، فإن مسألة وجود الإخوان في بلجيكا تقوم على عناصر ملموسة: تقارير استخباراتية، تحقيقات برلمانية، تحليلات علمية، وأخيراً شهادات جامعية وسياسية، وهي تطرح تساؤلاً حول كيفية تعامل الديمقراطية مع الفاعلين الدينيين، دون الوقوع في فخ الخلط، ولكن أيضاً دون تجاهل استراتيجيات النفوذ.

وهكذا تواجه بلجيكا تحدياً دقيقاً: حماية الحرية الدينية، وفي الوقت نفسه منع بعض الحركات من تحويل هذه الحريات إلى أدوات للانغلاق والتغلغل المؤسساتي.

بين النفوذ الخفي والمساءلة العلنية

ويرى خبراء أن الإخوان في بلجيكا لا يسعون إلى المواجهة المباشرة، بل إلى تطبيع وجودهم تدريجياً عبر خطاب “الاعتدال” والعمل الأهلي. غير أن هذا التدرج يطرح أسئلة جوهرية: هل يشكل الأمر جزءاً من التعددية الديمقراطية؟، أم أنه مشروع موازٍ قد يقوّض مبادئ المواطنة والمساواة على المدى الطويل؟.

تقارير الاستخبارات

أكدت الاستخبارات في أكثر من تقرير (صدر أحدها في 2018) أن جماعة الإخوان في بلجيكا تتبع استراتيجية تأثير ناعمة عبر الجمعيات، التعليم، والعمل المدني.

وهذه التقارير ترفع بانتظام إلى البرلمان وتُستخدم كأداة ضغط لتشديد الرقابة.

كما أن تحقيقات برلمانية أجرتها لجنة الرقابة على أجهزة الاستخبارات صادقت على ما ورد في تقارير الأمن.

وجزء من استراتيجية السلطات للتصدي لتلك الشبكات هو تتبع المسارات المالية للجمعيات الثقافية والخيرية، وبعض الجمعيات خضعت لتدقيق ضريبي وقضائي، مع تشديد الرقابة على التمويل الأجنبي.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى