صدمة المحلات التجارية مع تطبيق تعديلات قانون الإيجار القديم في مصر

بدأ مطلع سبتمبر/ أيلول 2025 تطبيق أحكام قانون الإيجار القديم المعدل في مصر، ليدخل تعديلات جوهرية على العلاقة بين المالك والمستأجر، سواء في المحال التجارية المؤجرة للأشخاص الطبيعيين أو بعض الوحدات السكنية الخاضعة للقانون.
يعد القانون خطوة طال انتظارها بعد عقود من المطالبات بتصحيح أوضاع سوق الإيجارات في مصر، التي ظلت أسيرة نصوص قديمة تعود إلى منتصف القرن الماضي.
وبحسب أحكام القانون الجديد (164 لسنة 2025)، فإن القيمة الإيجارية للمحال المؤجرة لغير غرض السكن ارتفعت إلى 5 أضعاف القيمة القانونية السارية، على أن تُطبق الزيادة اعتبارًا من أول موعد لاستحقاق الإيجار الشهري بعد دخول القانون حيز التنفيذ، كما نصت المادة السادسة على زيادة سنوية بنسبة 15% تبدأ من العام التالي للزيادة الأولى.
مثال عملي
إذا كان الإيجار الشهري لمحل تجاري قبل التعديل يبلغ 200 جنيه، فإنه أصبح 1000 جنيه فور تطبيق القانون، ليرتفع إلى 1150 جنيها في العام التالي، ثم إلى 1322 جنيه في العام الثالث، مع استمرار الزيادات التراكمية حتى مرور 5 سنوات، أما في حالة إيجار محل بقيمة 1000 جنيه، فقد قفز المبلغ إلى 5000 جنيه، ثم يخضع للزيادة السنوية.
إنهاء العقود بعد 5 سنوات
أحد أبرز بنود القانون، المادة الثانية، تقضي بانتهاء عقود الإيجار للمحال التجارية أو الأنشطة غير السكنية بعد مرور 5 سنوات من تاريخ سريان القانون، إلا في حال الاتفاق بين الطرفين على الإنهاء قبل ذلك، ويعني هذا أن العلاقة الإيجارية الممتدة لعقود طويلة بين الملاك والمستأجرين تسير نحو الحسم النهائي خلال فترة زمنية محددة.
أما المادة الثالثة فقد ألزمت بتشكيل لجان على مستوى المحافظات لتقسيم المناطق العقارية إلى ثلاث فئات: متميزة، متوسطة، واقتصادية، استنادًا إلى مجموعة من المعايير مثل الموقع الجغرافي، مستوى المرافق والخدمات، ونوعية البناء،ومن المنتظر أن تنتهي هذه اللجان من أعمالها خلال ثلاثة أشهر، مع إمكانية مدها لمرة واحدة فقط بقرار من رئيس مجلس الوزراء.
آليات الإخلاء والبدائل
القانون لم يغفل سيناريو رفض المستأجر الإخلاء بعد انتهاء المدة، حيث نصت المادة السابعة على أحقية المالك في اللجوء إلى قاضي الأمور الوقتية لإصدار أمر بالإخلاء، دون الإخلال بحق التعويض إذا ثبت الضرر.
وفي المقابل، منح القانون وفق المادة الثامنة المستأجرين المتضررين من إنهاء عقود الإيجار أحقية الحصول على وحدة بديلة من وحدات الدولة، سواء بنظام الإيجار أو التمليك، بشرط التنازل عن الوحدة المؤجرة.
خلفية تاريخية
قانون الإيجار القديم يعتبر من أكثر التشريعات إثارة للجدل في مصر على مدار أكثر من نصف قرن، فقد ظهر لأول مرة في أربعينيات القرن العشرين كإجراء استثنائي لمواجهة أزمة سكن حادة وقت الحرب العالمية الثانية، حيث جرى تجميد القيمة الإيجارية عند مستويات متدنية لحماية المستأجرين من جشع بعض الملاك.
مع مرور السنوات، تكررت التعديلات، أبرزها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث تم تثبيت الإيجارات بشكل شبه دائم، وامتداد عقود الإيجار لأجيال المستأجرين، وهو ما أدى إلى حرمان الملاك من الاستفادة الحقيقية من عقاراتهم، وفي المقابل استفاد المستأجرون من أسعار إيجار زهيدة للغاية لا تتناسب مع تغيرات السوق.
ظل القانون محل نقاش حاد بين فئتين رئيسيتين هما الملاك الذين اعتبروا أن القانون يمثل انتقاصًا من حقوقهم الدستورية في الملكية الخاصة، وأن بقاء الإيجارات عند مستويات متدنية لا يغطي حتى تكاليف صيانة العقارات، مما تسبب في تهالك عدد كبير من المباني السكنية والتجارية، في حين كانت الفئة الثانية المستأجرون الذين رأوا أن أي إلغاء مفاجئ أو زيادة مبالغ فيها تمثل تهديدًا مباشرًا لاستقرارهم الاجتماعي والمعيشي، خصوصًا في ظل ارتفاع أسعار العقارات الجديدة بشكل كبير.
على مدار العقود الماضية، شهد البرلمان المصري والحكومات المتعاقبة محاولات عديدة لطرح حلول وسطية، لكن معظمها تعثر بسبب حساسية الملف وخطورته على ملايين الأسر والمستثمرين. وفي عام 1996، صدر قانون الإيجار الجديد (قانون 4 لسنة 1996) ليوقف العمل بنظام الإيجار القديم على العقود الجديدة، لكنه أبقى العقود القائمة كما هي.
خلال العقد الأخير، عاد الجدل بقوة خاصة بعد لجوء بعض الملاك للقضاء الدستوري، والذي أصدر أحكامًا مهمة بشأن عدم دستورية امتداد بعض عقود الإيجار لغير السكن. ومن هنا بدأ الاتجاه التشريعي نحو إيجاد صيغة توازن بين حقوق الطرفين.
القانون الأخير خطوة تدرجية نحو إنهاء العقود القديمة دون صدمة اجتماعية، حيث يمنح المستأجرين فترة انتقالية مدتها خمس سنوات مع زيادات تدريجية، قبل العودة إلى العلاقة التعاقدية الحرة بين المالك والمستأجر.
رغم دخول القانون حيز التنفيذ، ما زالت الآراء منقسمة، فالملاك يرون أنه انتصار تأخر كثيرًا ويعيد بعضًا من حقوقهم، بينما يحذر بعض المستأجرين من أن الزيادات قد تؤدي إلى إغلاق آلاف المحال الصغيرة أو انتقالها إلى مناطق أقل تكلفة، ما قد ينعكس على الأنشطة الاقتصادية في بعض الأحياء.
في المقابل، يعتبر خبراء اقتصاد أن التعديلات ستُسهم على المدى الطويل في تحريك سوق العقارات وزيادة كفاءة استخدام الأصول العقارية، إلى جانب تحسين العوائد الضريبية للدولة نتيجة رفع القيم الإيجارية.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز