اخبار الامارات

مؤتمر تريندز الخامس يحول المياه إلى رافعة للسلام والتنمية ‹ جريدة الوطن

 

 

 

 

أبوظبي – الوطن:

ضمن أعمال اليوم الأول من مؤتمر تريندز الخامس حول الأمن المائي المستدام، انعقدت ثلاث جلسات رئيسية ناقشت التحديات والفرص المرتبطة بإدارة الموارد المائية على المستويين الإقليمي والعالمي.

 

تشكيل مستقبل الأمن المائي

جاءت الجلسة الأولى بعنوان “تشكيل مستقبل الأمن المائي”، وأدارها الباحث الرئيسي عبدالعزيز الشحي، نائب رئيس قطاع البحوث في تريندز للبحوث والاستشارات.

وشارك في الجلسة معالي السير ليام فوكس، وزير الدفاع البريطاني الأسبق، ورئيس مجموعة اتفاقيات إبراهيم، ومؤلف كتاب “العاصفة القادمة: لماذا سيكتب الماء ملامح القرن الحادي والعشرين”، حيث ركّز في مداخلته على جملة من المحاور أبرزها، اعتبار الأمن المائي التحدي العالمي الأكبر للقرن الحادي والعشرين، نظراً لتأثيره المباشر في الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي وإبراز الارتباط الوثيق بين الماء والطاقة ودور الابتكار والتكنولوجيا في معالجة ندرة الموارد، والتحذير من أن الصراعات المستقبلية قد تنشأ حول المياه أكثر من أي مورد آخر، ما يتطلب بناء أطر تعاون دولية وإقليمية مستدامة.

إضافة إلى التأكيد على أن الاستثمار.

كما قدّم سعادة البروفيسور أحمد علي الرئيسي، مدير جامعة الإمارات بالنيابة، رؤية متكاملة حول أولويات الأمن المائي، مؤكداً أن ازدهار الأمم مرهون بتوافر الموارد المائية كماً ونوعاً، ما يستدعي بذل كل الجهود لحمايتها للأجيال الحالية والمستقبلية. وركّز على ثلاثة محاور رئيسية وهي القطاع الزراعي باعتباره المستهلك الأكبر للمياه عالمياً (أكثر من 70% من الاستهلاك الكلي)، ما يتطلب تقليل الفاقد وتبني أنظمة ري حديثة وفعالة، وتجنب زراعة المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه.

والاستهلاك المنزلي، حيث أشار إلى أن معدلات استهلاك الفرد في دول مجلس التعاون تصل إلى 650 لتراً يومياً مقارنة بـ150–250 لتراً فقط في أوروبا، مؤكداً أهمية ترشيد السلوك الاستهلاكي، وتطبيق سياسات تسعير محفزة على الترشيد، وبرامج لتركيب أدوات توفير المياه.

والمياه المعالجة وحصاد مياه الأمطار، باعتبارهما موردين متجددين يمكن استثمارهما في الزراعة وتطوير المسطحات الخضراء، فضلاً عن دورهما الحيوي في تعزيز الأمن المائي في المناطق الجافة وشبه الجافة.

وفي مداخلتها أمام الجلسة الأولى من المؤتمر، تحدثت عائشة العتيقي، المدير التنفيذي لمبادرة محمد بن زايد للماء قائلة: مثّل مؤتمر تريندز السنوي للأمن المائي المستدام هذا العام منصة مهمة لتعزيز الحوار بشأن الدور الحيوي للمياه في تأمين الاستقرار والاستدامة عالمياً. وركّزت مناقشات المؤتمر على ضرورة تسريع الابتكار بهدف إيجاد حلول قابلة للتطوير على نطاق واسع وضمان وصولها إلى المجتمعات الأشد احتياجاً. وعلى نفس القدر من الأهمية يأتي تعزيز الشراكات الشاملة بين مختلف القطاعات الحكومية والخاصة والمستثمرين والمؤسسات الخيرية والمجتمع المدني دون إهمال أي طرف خاصة الشرائح الضعيفة الأكثر تأثراً بندرة المياه. كما لا ينبغي التعامل مع المياه باعتبارها مشكلة بيئية فحسب، بل ينبغي اعتبارها عنصراً أساسياً في تحقيق السلام والاستقرار الاقتصادي والأمن الغذائي، وإدراجها ضمن استراتيجيات التكيف مع التغيرات البيئية على المدى الطويل وعلى المستويات كافة.

 

الأبعاد الجيوسياسية للمياه العابرة للحدود

أما الجلسة الثانية فجاءت بعنوان “الأبعاد الجيوسياسية للمياه العابرة للحدود: بين الصراع والتعاون”، وأدارتها اليازية جاسم الحوسني، باحثة ونائبة رئيس قطاع الشؤون الإدارية والإعلام في “تريندز”.

وشهدت الجلسة حلقة نقاشية معمّقة شارك فيها نخبة من الخبراء الدوليين، حيث تم التركيز على إشكاليات الأنهار الكبرى التي تعبر حدود دول عدة، وما يترتب على ذلك من توترات جيوسياسية قد تتحول إلى صراعات، أو تُدار عبر آليات تعاون عادلة ومستدامة.

وأوضح البروفيسور أشوك سوين، أستاذ بحوث السلام والنزاعات ورئيس كرسي اليونسكو للتعاون الدولي في مجال المياه بجامعة أوبسالا، أن الاتفاقيات المائية العابرة للحدود بحاجة إلى مراجعة شاملة بحيث تراعي مرونة التوزيع وتتكيف مع تحديات التغير المناخي. وشدد على أهمية تعزيز مؤسسات أحواض الأنهار بالقدرات اللازمة لمشاركة البيانات والإنذار المبكر وحل النزاعات، إلى جانب ترسيخ الدبلوماسية المائية عبر وساطات أطراف ثالثة ودبلوماسية المسار الثاني، فضلاً عن الاستثمار في برامج التكيف المناخي والتقنيات الموفّرة للمياه في المناطق الهشة.

من جانبها، ركزت الدكتورة هنرييتا تويفانين، مستشارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمؤسسة “مارتّي أهتيساري للسلام”، على ضرورة تبني مقاربات متعددة التخصصات والقطاعات لإيجاد حلول طويلة المدى، مع إدماج العدالة والإنصاف في ترتيبات تقاسم المياه لتفادي اختلالات القوة. كما دعت إلى إضفاء الطابع المؤسسي على منصات التعاون مثل اللجان المشتركة وآليات الرصد الدائم، إلى جانب استخدام أدوات الاستشراف والتخطيط بالسيناريوهات لمواكبة التحولات البيئية والمناخية السريعة.

فيما عرضت البروفيسورة سيسيليا تورتاجادا، أستاذة فخرية بكلية الاستدامة الاجتماعية والبيئية في جامعة غلاسكو، إطاراً متكاملاً لحوكمة مائية تكيفية تراعي الروابط بين المياه والغذاء والطاقة والبيئة، وتستند إلى ممارسات عالمية ناجحة. وأكدت أهمية تعزيز الاقتصاد الدائري للمياه عبر التوسع في إعادة الاستخدام والتحلية والتغذية الاصطناعية للمياه الجوفية، إلى جانب مزيج من الحلول الهندسية والطبيعية لمواجهة الفيضانات والجفاف والصدمات البيئية.

بدوره، شدد دانييل إياكوبوني، المؤسس المشارك ومدير البحث والتطوير في شركة “آنكو الشرق الأوسط”، على دمج التقنيات المستدامة في منظومات الأمن المائي، خاصة عبر التوسع في إنتاج حمض الهيبوكلوروس (HOCl) محلياً بوسائل بسيطة (الماء والملح والكهرباء)، بما يعزز الصحة العامة والمرونة المجتمعية. كما دعا إلى اعتماد معايير مشتركة للصرف الصحي عبر الحدود، وربط الابتكار التكنولوجي بالدبلوماسية الوقائية لتعزيز السلام والاستقرار.

أما السفير الدكتور محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، فأكد أن التعاون المائي يمكن أن يتحول إلى قاطرة للتكامل الإقليمي إذا تأسس على مبادئ الاستخدام العادل وتعزيز المؤسسات الحوضية. وأوضح أن قضايا المياه ليست مجرد تقاسم مورد طبيعي، بل هي بوابة لبناء الثقة والسلام والمرونة المناخية والتكامل الاقتصادي.

وخرجت الجلسة بتوصيات عملية دعت إلى تعزيز التعاون العابر للحدود عبر أطر حوكمة تكيفية، وآليات لتبادل البيانات والرصد المشترك، وتبني استراتيجيات استشرافية تضمن إدارة مستدامة ومنصفة للمياه المشتركة، بما يحوّل الأنهار من نقاط توتر إلى محركات للتعاون والتنمية.

 

تعددية الأطراف والمعرفة في الحوار العالمي حول المياه

وجاءت الجلسة الثالثة والأخيرة في اليوم الأول، بعنوان “تعددية الأطراف والمعرفة في الحوار العالمي حول المياه: الأمم المتحدة ودور مراكز الفكر في تعزيز الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة وأدارها عبدالله الخاجة، باحث في مركز تريندز للبحوث والاستشارات، حيث سلطت الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه الأمم المتحدة ووكالاتها في قيادة الجهود الدبلوماسية متعددة الأطراف لضمان الإدارة المستدامة للمياه والصرف الصحي، إلى جانب مساهمة مراكز الفكر في دعم صناع السياسات وتطوير المعرفة الفنية والعلمية.

وأكد كريستوف هودر، مستشار الأمم المتحدة للأمن المناخي والبيئي في الصومال، أن الأمن المائي يمثل عنصراً أساسياً للتنمية والسلام والاستقرار، محذراً من أن غياب الوصول الموثوق للمياه الآمنة في الدول الهشة يعدّ دافعاً للنزاعات والنزوح. وأشار إلى أن الشراكة بين الأمم المتحدة ومراكز الفكر تتيح تحويل المعرفة إلى سياسات عملية، عبر دمج الأمن المائي في أجندات المناخ والسلام، وتوسيع الوصول إلى التمويل الدولي المخصص للابتكار والحلول المستدامة.

بدوره قدم ديسيجن نايدو مستشار التكيف المناخي لدى اللجنة الرئاسية للمناخ في جنوب أفريقيا، ورئيس المشروع الأفريقي لمخاطر المناخ والأمن البشري في معهد الدراسات الأمنية بجنوب أفريقيا تحليلاً معمّقاً حول تأثير التغير المناخي على الأمن المائي في أفريقيا، مستعرضاً الروابط بين المخاطر المناخية وإدارة الموارد المائية. يركز نايدو على أهمية دمج استراتيجيات التكيف المناخي في السياسات الوطنية والإقليمية لضمان استدامة المياه وحماية المجتمعات الهشة، مشيراً إلى دور مراكز الفكر والمؤسسات البحثية في تقديم حلول مبتكرة وإثراء الحوار متعدد الأطراف حول السياسات المائية المستدامة. وأشار إلى أنه كيف يمكن للتجارب الأفريقية أن تشكل نموذجاً يُحتذى به في استخدام المعرفة العلمية لتعزيز أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالمياه.

أما الدكتور عامر الكندي، مسؤول مفاوضات التكيف المناخي سابقاً في رئاسة مؤتمر الأطراف (COP28) بدولة الإمارات العربية المتحدة، فقد قدّم منظوراً دولياً حول إدارة المياه انطلاقاً من خبرته الطويلة في المفاوضات الدولية للمناخ، خاصة في سياق مؤتمرات الأطراف. وناقش الكندي دور التعاون متعدد الأطراف في تعزيز قدرة الدول على مواجهة تحديات ندرة المياه، مؤكداً أهمية الشراكات بين الحكومات والوكالات الدولية ومراكز الفكر في صياغة سياسات مبتكرة ومستدامة. كما استعرض التجارب الإماراتية والدولية في دعم مشاريع المياه المستدامة، مشدداً على ضرورة ربط المعرفة البحثية بالعمل التنفيذي لضمان تحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة بصورة فعّالة وشاملة.

من جانبه تطرّق الباحث سلطان ماجد العلي، نائب رئيس قطاع مكتب دبي في تريندز للبحوث والاستشارات، في مداخلته إلى دور مراكز الفكر في تعزيز الحوار العالمي حول المياه ودعم تحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة. وأشار إلى مفهوم قاعدة الثلاثة (The Rule of Three) التي توضّح أن الإنسان لا يستطيع البقاء على قيد الحياة أكثر من ثلاث دقائق من دون هواء، أو ثلاثة أيام من دون ماء، أو ثلاثة أسابيع من دون غذاء، مؤكداً أن المياه تظل العنصر الأكثر حيوية في أوقات الأزمات الكبرى.

واستشهد العلي بتجارب عالمية مثل إعصار كاترينا في الولايات المتحدة وتسونامي اليابان 2011، اللذين أظهرا هشاشة النظم المائية أمام الكوارث الطبيعية وأهمية التخطيط المسبق لإدارة الموارد. كما عرض أبرز التحديات المرتبطة بندرة المياه في الشرق الأوسط والإجهاد المائي في أوروبا والمملكة المتحدة، إلى جانب إشكاليات الاتفاقيات المائية العابرة للحدود.

وشدد على أن لمراكز الفكر دوراً محورياً في صياغة السياسات المائية عبر توفير المعرفة المبنية على الأدلة، وتنظيم الحوارات بين أصحاب المصلحة، وتطوير الشراكات الدولية، فضلاً عن المساهمة في ربط نتائج الأبحاث بالقرارات السياسية. كما عرض نتائج استطلاعات باروميتر تريندز العالمية التي عكست إدراكاً متزايداً لدى المجتمعات العالمية حول المخاطر المرتبطة بتغير المناخ، والحاجة الملحّة لتبني سياسات أكثر استدامة في إدارة المياه.

واختتمت الجلسة الثالثة أعمال اليوم الأول بالتأكيد على أن تسريع التقدم نحو الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة (المياه النظيفة والصرف الصحي للجميع) يتطلب تضافر جهود الحكومات والمنظمات الدولية ومراكز الفكر، إلى جانب الاستثمار في المعرفة والابتكار والتقنيات الحديثة، وتحويل المياه إلى قاطرة للتعاون الدولي والتنمية المستدامة بدلاً من أن تكون مصدراً للنزاعات والتوترات.

هذا وبدأت أعمال اليوم الختامي مناقشاتها لوضع التوصيات ومخرجات المؤتمر.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى