اسعار واسواق

صفقة كبرى بين نيوزيلندا و«ألستوم» الفرنسية بمجال النقل المستدام


في خطوة استراتيجية تعكس التحول العالمي نحو النقل المستدام والاقتصاد الأخضر، أعلنت شركة ألستوم الفرنسية، الرائدة في صناعة القطارات وحلول النقل الحديث، أنها حصلت على صفقة كبرى بقيمة 538 مليون يورو لتزويد نيوزيلندا بـ 18 قطاراً يعمل بالبطاريات.

 يأتي ذلك في إطار خطة طموحة لاستبدال القطارات العاملة بالديزل وتعزيز جهود خفض الانبعاثات الكربونية.

التفاصيل الكاملة للاتفاق

 وبحسب البيان الصادر عن الشركة، فإن الاتفاق يتضمن توريد 18 قطاراً جديداً ستدخل الخدمة في الجزيرة الشمالية، إحدى أهم الجزر التي تشكل نيوزيلندا، وخاصة في منطقة ويلينغتون، العاصمة السياسية والإدارية للبلاد. 

التصميم والتصنيع.. الهند

وتشمل الصفقة التزامات طويلة الأمد من جانب “ألستوم”، إذ ستتولى الشركة عمليات التصميم والتصنيع في مصانعها بالهند، إضافة إلى الإشراف على أعمال الصيانة لفترة لا تقل عن35 عاماً، ما يعكس الثقة الكبيرة التي تضعها السلطات النيوزيلندية في قدرات الشركة الفرنسية على ضمان استدامة المشروع وكفاءته التشغيلية لعقود قادمة.

وقالت صحيفة “لوفيجارو” الفرنسية إن هذا المشروع يمثل نقلة نوعية بالنسبة لنظام النقل العام في نيوزيلندا، حيث سيسهم في التخلص من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن القطارات العاملة بالديزل.

وترى الحكومة النيوزيلندية أن الاعتماد على قطارات تعمل بالبطاريات يمثل الحل الأمثل لتغطية المقاطع غير المكهربة من الشبكة الحديدية، خاصة أن تزويد هذه الخطوط بالكهرباء عبر أسلاك هوائية تقليدية يعد خياراً بالغ الكلفة ومعقداً من الناحية التقنية. وبهذا النهج، تكون البلاد قد اختارت مساراً أكثر مرونة وأقل تكلفة، وفي الوقت نفسه صديقاً للبيئة.

الخطة الزمنية عامي 2028-2029

وتشير الخطط الزمنية المعلنة إلى أن القطارات الحالية العاملة بالديزل سيتم سحبها تدريجياً من الخدمة خلال عامي 2028 و2029، في حين ستدخل القطارات الكهربائية الجديدة مرحلة التشغيل لتقدم خدماتها في بيئة خالية تماماً من الانبعاثات. 

ووفقاً للصحيفة الفرنسية فإن هذا التغيير لا يمثل مجرد تحديث تقني، بل خطوة استراتيجية في مسيرة البلاد نحو الالتزام بمبادئ التنمية المستدامة وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الملوثة.

وعلى جانب آخر، لم تقتصر رؤية “ألستوم” على البعد البيئي والتقني فحسب، بل امتدت إلى الجانب الثقافي أيضاً. فقد أعلنت الشركة أنها ستمنح القطارات الجديدة لمسة محلية مميزة عبر تصميم خارجي مستوحى من الهوية الماورية، وهو ما يعكس احترام ثقافة السكان الأصليين واعترافاً بالدور المركزي للتراث في صياغة هوية المجتمع النيوزيلندي.

ومن المتوقع أن يعزز هذا البعد الثقافي من تقبل المواطنين للمشروع وارتباطهم به على مستوى وجداني يتجاوز الوظيفة العملية.

وتأتي هذه الخطوة ضمن مسار أوسع تبنته “ألستوم” في السنوات الأخيرة، حيث حصلت الشركة على طلبات مماثلة في عدد من الدول الأوروبية. فقد وقعت في السابق عقوداً لتوريد 11 قطاراً يعمل بالبطاريات إلى ألمانيا، إلى جانب 31 قطاراً آخر إلى إيرلندا، وهو ما يؤكد أن الشركة الفرنسية باتت لاعباً محورياً في سباق التحول العالمي نحو النقل المستدام.

ومن الناحية الاقتصادية، يُنظر إلى هذه الصفقة باعتبارها استثماراً طويل الأمد يحقق فوائد مزدوجة، إذ يساهم في خفض تكاليف التشغيل المرتبطة بالديزل على المدى البعيد، وفي الوقت نفسه يقلل من الأعباء الصحية والبيئية الناتجة عن الانبعاثات الضارة. وبذلك، تحقق الحكومة النيوزيلندية مكاسب على أكثر من صعيد: بيئي، اقتصادي، وحتى اجتماعي، من خلال توفير وسيلة نقل حديثة تراعي متطلبات الأجيال القادمة.

كما أن التعاقد مع “ألستوم” يعكس أيضاً جانباً من الدبلوماسية الاقتصادية الفرنسية، حيث تواصل باريس عبر شركاتها الكبرى تعزيز حضورها في أسواق بعيدة مثل المحيط الهادئ. وبالنسبة لنيوزيلندا، فإن اختيار شركة أوروبية رائدة مثل “ألستوم” بدلاً من شركات آسيوية أو محلية، يؤكد الرغبة في الحصول على التكنولوجيا الأكثر تقدماً والموثوقة على المستوى العالمي.

ورأت “لوفيجارو” أن صفقة القطارات الجديدة ليست مجرد مشروع بنية تحتية، بل هي تجسيد فعلي للتحولات الكبرى التي يشهدها العالم في قطاع النقل. فهي تجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والاستدامة الاقتصادية والبيئية، مع لمسة ثقافية تزيد من قوة حضورها المجتمعي، لتضع نيوزيلندا في مصاف الدول التي تسعى بجدية إلى تحقيق مستقبل خالٍ من الانبعاثات وتعزيز مكانتها كدولة حديثة توازن بين التقدم الصناعي والحفاظ على البيئة.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى