إيران والنووي.. تحولات استراتيجية في السياسة الخارجية

بعد حربها الأخيرة مع إسرائيل، تشهد إيران مرحلة حساسة لإعادة تشكيل سياستها الخارجية.
وبحسب مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، فإن آلاف الضحايا والدمار الواسع في الدفاعات الجوية والأضرار الكبيرة في البرنامج النووي، جميعها خسائر فادحة تكبدتها إيران بعد حرب الـ12 يوما مع إسرائيل والضربة الأمريكية على المنشآت النووية.
وهذه التطورات فتحت الباب أمام نقاش محتدم في طهران حول كيفية التعامل مع الولايات المتحدة والغرب، وحول الاتجاهات المستقبلية لعلاقات إيران الدولية، خصوصاً مع الصين.
وأشارت المجلة إلى خطاب المرشد الأعلى على خامنئي أواخر أغسطس/آب الماضي والذي رفض فيه بشدة فكرة المفاوضات مع واشنطن، معتبراً أن الصراع مع الولايات المتحدة “غير قابل للحل” حيث تسعى الإدارة الأمريكية إلى إخضاع إيران.
وعززت كلمات خامنئي الموقف التقليدي للنظام والذي يستند إلى رفض التنازلات في القضايا الجوهرية مثل التخصيب النووي والصواريخ، وإلى التشكيك العميق في نوايا الغرب.
الإصلاحيون والمتشددون
رغم موقف خامنئي الصارم، ظهرت مبادرات إصلاحية جريئة، أبرزها بيان “جبهة الإصلاح” الذي دعا إلى “المصالحة الوطنية”.
وتضمن البيان بنوداً لتهدئة الداخل مثل إطلاق سراح السجناء السياسيين، وإصلاح الإعلام الرسمي، واستعادة ثقة الشارع، إضافة إلى اقتراح مثير للجدل بتعليق تخصيب اليورانيوم طوعياً مقابل رفع كامل للعقوبات.
وأثار البيان غضب المحافظين والمتشددين الذين رفضوا هذا الطرح ووصفوه بالاستسلام والخيانة، كما رفضه بعض الإصلاحيين مثل محمد رضا جلائي بور الذي اعتبر أن البيان اختزل الخيارات بين “الاستسلام أو الحرب”.
وحذر من أن أي تنازل لن يمنع احتمال الهجمات، وحتى حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ذات الخلفية الإصلاحية سارعت للتبرؤ من البيان.
ومع تسارع التغيرات في إيران منذ الحرب، عادت شخصيات سياسية إلى الساحة مثل الرئيس الأسبق حسن روحاني، الذي وجّه انتقادات مبطنة للحرس الثوري ومجلس صيانة الدستور.
وطالب روحاني بإبعاد القوات المسلحة عن الاقتصاد لكنه في الوقت نفسه شن هجوماً على الغرب باعتباره شريكاً غير موثوق في المفاوضات.
أما علي لاريجاني، الرئيس السابق للبرلمان، فقد جرى تعيينه أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي حيث أنشأ داخله “مجلس دفاع” وذلك للمرة الأولى منذ الحرب مع العراق ما يعكس استعداد طهران لصراعات مقبلة.
تناقضات
في الوقت نفسه، زادت التناقضات في سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الارتباك في المشهد الإيراني.
فقد دعا إلى مفاوضات بلا شروط واضحة، ثم انخرط في الحرب ضد إيران إلى جانب إسرائيل، ومرة يلوّح بالتصعيد ومرة أخرى يلمح إلى وقف إطلاق النار، وهو ما جعل القيادة الإيرانية ترى أنه لا جدوى من تعديل موقفها التقليدي.
وفي ما يتعلق ببرنامجها النووي، اختارت طهران الغموض المتعمد: فلا رقابة دولية على المنشآت المتضررة، ولا شفافية بشأن مخزون اليورانيوم أو أجهزة الطرد المركزي، ويعتبر الإيرانيون هذا الغموض أداة ردع قوية تعزز موقفهم من دون تجاوز العتبة النووية.
بعيدا عن الغرب
ترى المجلة أنه قد يكون المسار الأكثر إثارة للاهتمام الآن هو إعادة توجيه إيران لسياستها الخارجية بعيداً عن الغرب، والاقتراب أكثر من الصين.
وعلى عكس التصورات الغربية، لم تكن إيران تاريخياً شريكاً استراتيجياً ثابتاً لبكين، إذ كانت تميل للغرب عند ظهور فرص اقتصادية، لكن بعد الحرب الأخيرة وتفعيل عقوبات مجلس الأمن، باتت طهران مقتنعة بضرورة التعامل مع الصين كشريك طويل الأمد وليس كملاذ مؤقت.
وحتى بعض الإصلاحيين يؤيدون هذا التوجه، مؤكدين أن إيران يجب أن تثبت مصداقيتها واتساقها إذا أرادت استثمارات صينية واسعة.
وشكلت قمة منظمة شنغهاي في الصين محطة مفصلية؛ إذ حصلت طهران على غطاء دبلوماسي نادر بعد الحرب، فيما أدان قادة المنظمة الضربات الأمربكية-الإسرائيلية على إيران.
كما انضمت إيران إلى روسيا والصين في رفض العقوبات الأممية، وأعلنت عن “التنفيذ الكامل” لاتفاقية التعاون مع بكين لمدّة 25 عاماً.
واستغل الرئيس بزشكيان القمة لدعم أجندة الصين، من إصلاح الحوكمة العالمية إلى إلغاء هيمنة الدولار، وعرض استخدام ميناء تشابهار كمركز استراتيجي لربط الصين بآسيا الوسطى.
بدورها، عززت الصين مكانة إيران بدعوتها إلى عرض عسكري رمزي استبعدت منه الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل.
وبالتوازي مع هذه التحركات، منح خامنئي دعماً واضحاً لبزشكيان فدعا الشعب لمساندته ووصفه بـ”المثابر” و”الدؤوب”، وذلك في رسالة تهدف إلى تعزيز صورة الوحدة في القمة السياسية، وإظهار أن إيران رغم الخلافات الداخلية تتفق على خطوطها العريضة.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز