الإمارات وعُمان.. قمم تتوج شراكة تاريخية وتدعم التكاتف الخليجي

في ثالث محطات جولته الخليجية، وصل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، الخميس، إلى سلطنة عمان في زيارة أخوية.
وتأتي زيارة السلطنة غداة زيارتين أجراها رئيس دولة الإمارات إلى كل من قطر والبحرين على التوالي، أجرى خلالها مباحثات مع قادتها، تركزت حول العلاقات الثنائية وإدانة الهجوم الإسرائيلي على قطر.
وتحمل الزيارة أهمية استراتيجية خاصة سواء على مستوى العلاقات الثنائية، أو على صعيد العلاقات الخليجية، في ضوء جهود إماراتية لتعزيز التضامن بين دول مجلس التعاون الخليجي في هذا التوقيت الحرج.
توطيد الرّوابط الأخويّة
ويلتقي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، خلال الزيارة، مع السُّلطان هيثم بن طارق سلطان عمان في محافظة ظفار.
تأتي الزيارة “توطيدًا للرّوابط الأخويّة الوثيقةِ بين سلطنةِ عُمان ودولة الإمارات العربيّة المتّحدة”، بحسب وكالة الأنباء العمانية.
أيضا يرتقب أن تتصدر إدانة الهجوم الإسرائيلي على قطر مباحثات الزعيمين، ضمن جهودهما المشتركة لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالمن وتعزيز التضامن الخليجي والعربي.
وتعد المباحثات بين الزعيمين هي الثانية خلال أقل من أسبوع، بعد المباحثات الهاتفية التي جرت بينهما 5 سبتمبر/أيلول الجاري.
وبحث الزعيمان خلال اتصال هاتفي العلاقات الأخوية ومختلف جوانب التعاون والعمل المشترك بين البلدين الشقيقين وسبل تعزيزهما بما يخدم مصالحهما المتبادلة ويعود بالخير والنماء على شعبيهما.
كما تناول الاتصال مجمل القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك وتبادلا وجهات النظر بشأنها وفي مقدمتها التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط خاصة المستجدات في الأرض الفلسطينية المحتلة، مؤكدين دعم الشعب الفلسطيني وأهمية العمل الدولي على الحفاظ على “حل الدولتين” والدفع في اتجاه تحقيقه كونه السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة.
شراكة استراتيجية
وكان السلطان هيثم بن طارق قد أجرى «زيارة دولة» إلى دولة الإمارات في 22 أبريل/نيسان 2024، استبقها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بزيارة دولة للسلطنة في 27 سبتمبر/أيلول 2022، تم خلالها توقيع 16 اتفاقية ومذكرة تفاهم لتعزيز التعاون بين البلدين في مجالات الصناعة، والثقافة والإعلام، والسكك الحديدية، والتعليم والبحث العلمي، والثروات الزراعية، وأسواق المال.
وبينما أطلقت زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لسلطنة عُمان قبل 3 أعوام «فصلاً جديداً مشرقاً للشراكة الاستراتيجية البنّاءة» بين البلدين، كما قال سلطان عُمان، فإن زيارة السلطان هيثم بن طارق لدولة الإمارات أعطت «دفعة قوية للعلاقات الثنائية بما يعود بالخير والنماء على الشعبين الشقيقين» كما أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
تأتي زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بعد تطورات هامة على طريق تنفيذ مشروع شبكة السكك الحديدية العُمانية الإماراتية المشتركة، الذي يعد أحد أبرز ثمار الزيارتين التاريخيتين المتبادلتين لكل من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وسلطان عُمان هيثم بن طارق.
وفي 7 فبراير/شباط الماضي، وقعت شركة “حفيت” للقطارات عقدين رئيسيين مع كبرى الشركات العالمية وهما شركة لارسون وتوبرو “L&T” وشركة باور تشاينا، لتصميم وبناء مرافق السكك الحديدية في سلطنة عُمان والمجموعة الوطنية الصينية المحدودة للسكك الحديدية CRRC، لتوريد أسطول عربات الشحن.
وهذان العقدان بمثابة خطوة مهمة على طريق تنفيذ مشروع الربط بالسكك الحديدية بين سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة ويسهمان بشكل كبير في تعزيز قدرة النقل الفعّال والمستدام في المنطقة، ما يضمن تسهيل مرور حركة البضائع ذات السعة العالية وتحقيق كفاءة لوجستية متكاملة تدعم النمو الاقتصادي المستدام في البلدين.
يأتي هذان العقدان استكمالاً لبرنامج تطوير شبكة السكك الحديدية التي تربط بين سلطنة عُمان ودولة الإمارات.
وكانت اتفاقية التعاون بشأن مشروع ربط السكك الحديدية بين البلدين قد تم التوقيع عليها خلال زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للسلطنة في سبتمبر/أيلول 2022.
وخلال زيارة سلطان عُمان للإمارات في أبريل/نيسان 2024، تم الإعلان عن انتقال مشروع السكك الحديدية بين سلطنة عُمان ودولة الإمارات إلى المرحلة التنفيذية، عبر توقيع عقد الشراكة بين المساهمين، وترسية العقود الرئيسية للمشروع على تحالف إماراتي عُماني يضم شركات من البلدين تعمل كفريق واحد، وتدشين الهوية التجارية الجديدة لشركة «حفيت للقطارات»، لتتولى تنفيذ المشروع الذي سيعزز من تنافسية البلدين كمركز تجاري واستثماري حيوي يربطهما بالأسواق العالمية عبر موانئهما البحرية ومطاراتهما الحديثة.
وخلال الزيارة نفسها، شهد الزعيمان إعلان عدد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات التي تهدف إلى تعزيز التعاون والانتقال به إلى آفاق أرحب بما يحقق مزيداً من الخير والازدهار لعلاقات البلدين حاضراً ومستقبلاً.
أيضاً عقد على هامش الزيارة المنتدى الاستثماري الإماراتي – العُماني، الذي تم الإعلان خلاله عن عدد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات والشراكات الاستثمارية بقيمة 129 مليار درهم في عدة مجالات.
ويرتقب أن تسهم مباحثات الزعيمين خلال الزيارة الحالية عن دفعة جديدة للشراكة الاستراتيجية التي تربط البلدين.
تعاون متنامٍ
أيضاً تأتي زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في وقت يتزايد فيه التعاون الثنائي بين البلدين على مختلف الأصعدة.
وقبل عدة شهور، أجرى الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، زيارة رسمية إلى سلطنة عمان في مايو/أيار الماضي، التقي خلالها السلطان هيثم بن طارق.
تم خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وما تشهده من تطور إيجابي مستمر على المسارات كافة وذلك في ضوء الروابط الأخوية والتاريخية التي تجمع الشعبين الإماراتي والعماني، وسبل الارتقاء بها في مختلف المجالات الداعمة لتوجهات التنمية الشاملة في البلدين، لاسيما على صعيد التعاون الاقتصادي والتجاري والسياحي وفي المجالات الثقافية والمعرفية.
كما بحث الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، مع فهد بن محمود آل سعيد، نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بالسلطنة، الشراكة الاستراتيجية المزدهرة ضمن مختلف المجالات، والتي تستمد مقومات رسوخها من عمق العلاقات الأخوية بين الدولتين والشعبين.
وأشاد الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم بالازدهار المستمر للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، مع احتفاظ سلطنة عمان بمكانتها كثاني أكبر شريك تجاري لدولة الإمارات على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، حيث واصلت التبادلات التجارية غير النفطية بين البلدين خلال العام 2024 نموها مسجلةً ما يزيد على 56.1 مليار درهم، بزيادة نسبتها 9.8% مقارنة بالعام 2023.
وأعرب عن ثقته في أن المستقبل يحمل مزيداً من فرص تنمية التبادلات التجارية وزيادة مستوى الحركة السياحية بين الجانبين في ظل ما تتمتع به الدولتان من عناصر جذب متنوعة وثرية.
من جانبه، رحّب فهد بن محمود آل سعيد بزيارة الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، والوفد المرافق، إلى سلطنة عُمان، مؤكداً أن الزيارة تعكس عمق ومتانة أواصر الصلة بين البلدين والشعبين الشقيقين.
وأكد الحرص المشترك على الوصول بعلاقات التعاون والشراكة إلى مستويات جديدة، تواكب الأهداف الاستراتيجية المأمولة للجانبين خلال المرحلة المقبلة.
وخلال الزيارة نفسها، شهد الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، وذي يزن بن هيثم آل سعيد، وزير الثقافة والرياضة والشباب في سلطنة عُمان، توقيع اتفاقية تطوير وتشغيل المرحلة الأولى من المنطقة الاقتصادية الخاصة بالروضة، بولاية محضة، في محافظة البريمي، وذلك في إطار الشراكة والتعاون الاقتصادي المزدهر بين البلدين الشقيقين.
جاءت تلك الزيارة بعد نحو شهر من زيارة أجراها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة إلى عمان، والتقى خلالها السلطان هيثم بن طارق 24 أبريل/نيسان الماضي.
وأكد السلطان هيثم بن طارق، خلال اللقاء، عمق العلاقات المتجذرة التي تربط دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان وشعبيهما الشقيقين.
أيضا، استقبل السُّلطان هيثم بن طارق، في 19 يناير/كانون الثاني الماضي صقر غباش رئيس المجلس الوطنيّ الاتّحادي الإماراتي.
وتم خلال اللقاء استعراضُ أوجه التّعاون القائم بين البلدين الشقيقين لا سيما فيما يتعلق بالمجالس البرلمانية، وسبل تطوير آلية منظومة العمل فيها، بما يخدم الخطط والرؤى الوطنية في البلدين، ويلبّي آمال وتطلعات الشعبين الشقيقين.
علاقات تاريخية
ومرت العلاقات الثنائية بين البلدين خلال العقود الماضية بالعديد من المحطات البارزة التي أسهمت بصورة مباشرة في المضي بها قدماً، وكان المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والسلطان قابوس بن سعيد قد عقدا لقاءً تاريخياً في العام 1968.
وعقب تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر/كانون الأول عام 1971، حرص المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، على تأسيس علاقات قوية وراسخة مع سلطنة عُمان، وكان لدى المغفور له السلطان قابوس بن سعيد الرغبة نفسها في أن تكون العلاقات الإماراتية – العُمانية نموذجاً يُحتذى به على الصعيدين الخليجي والعربي، بل والدولي أيضاً.
وقد شكلت الزيارة التاريخية للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى سلطنة عُمان في عام 1991 منعطفاً مهماً في مسيرة التعاون بين البلدين، والتي تم على أثرها تشكيل لجنة عليا مشتركة بين البلدين كان من أبرز إنجازاتها اتخاذ قرار بتنقل المواطنين بين البلدين باستخدام البطاقة الشخصية “الهوية” بدلاً من جوازات السفر، وتشكيل لجنة اقتصادية عليا أجرت العديد من الدراسات لإقامة مجموعة من المشاريع المشتركة.
وتمضي العلاقات بين البلدين قدماً، وتزداد نمواً وترسخاً بفضل دعم وتوجيهات القيادة الحكيمة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان والسلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان.
على الصعيد السياسي، يوجد توافق في السياسات وتناغم في وجهات النظر بين دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان تجاه مختلف القضايا والتحديات.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز