اسعار واسواق

أثرياء الإيجار القديم في مصر.. قصص مثيرة لشقق فاخرة يسكنها مشاهير وفنانين وأجانب


ملف الإيجار القديم يعد واحدا من أكثر القضايا تعقيدا وإثارة للجدل في المجتمع المصري، قضية امتدت لعقود طويلة وتحولت من مجرد علاقة تعاقدية بين مالك ومستأجر إلى أزمة اجتماعية واقتصادية وثقافية متوارثة.

وبعد سنوات من الجدل، أسدلت الدولة الستار على هذا الملف بإقرار القانونين 164 و165 لسنة 2025، اللذين يمثلان بداية مرحلة جديدة في علاقة الملكية والإيجار بمصر.

في هذا السياق، التقت “العين الإخبارية” بالمهندس عمرو حجازي، نائب رئيس جمعية حقوق المضارين من الإيجار القديم، الذي يعد من أبرز الوجوه التي قادت هذا الملف لعقود، ليكشف عن تفاصيل القانون الجديد، والفلسفة التي تبنتها الدولة لتحقيق التوازن، وأيضا الخلفيات التاريخية التي جعلت من القضية عقدة مستعصية لعشرات السنين.

يؤكد حجازي أن الدولة المصرية تعاملت مع ملف الإيجار القديم من منطلق احترام الدستور الذي ينص على حماية الملكية الخاصة، وفي الوقت ذاته كفالة حق المواطن في السكن.

ويقول: “المالك لم تكن لديه أي مشكلة مع المستأجر غير القادر، فالجميع يقدر الظروف الاجتماعية والاقتصادية، لكن الإشكالية كانت في ظلم القانون القديم الذي ساوى بين القادر وغير القادر، وأجبر الملاك على تلقي إيجارات هزيلة لا توازي قيمة العقار، بينما تُرك بعض المستأجرين في وحدات فاخرة بإيجارات لا تتجاوز ثمن فنجان قهوة”.

ويضيف: “الفلسفة الجديدة التي تبنتها الدولة قائمة على تحقيق التوازن، بحيث يعود الحق للمالك تدريجيا، وفي المقابل تلتزم الحكومة بحماية المستأجر غير القادر عبر بدائل مختلفة، سواء في صورة دعم مادي أو توفير مساكن بديلة، وهو ما يحقق العدالة ويمنع أي تشريد للمواطنين”.

القانونان الجديدان نصا على أن تكون هناك فترة انتقالية مدتها 7 سنوات للوحدات السكنية و5 سنوات لغير السكنية، يعود بعدها الحق للمالك في استرداد وحدته. وفي هذه الفترة تفرض زيادات تدريجية على القيمة الإيجارية، تبدأ بنسبة 15% سنويا. لكن حجازي يرى أن هذه النسبة غير كافية في ظل معدلات التضخم المرتفعة، موضحا: “اقترحنا أن تكون الزيادة مرتبطة بمعدلات التضخم التي يعلنها البنك المركزي، بحيث تواكب الواقع الاقتصادي بدلا من التمسك بنسبة ثابتة”.

كما شدد على أن الفترة الانتقالية المقترحة بواقع 5 سنوات للوحدات غير السكنية كبيرة للغاية، وأن الأفضل تقليصها إلى 3 سنوات فقط، خاصة أن بعض الوحدات آيلة للسقوط ويعيش فيها مواطنون بظروف صعبة، وهو ما يستدعي التدخل العاجل.

ومن أبرز النقاط المثيرة للجدل في هذا الملف، مسألة الأجانب الذين لا يزالون يشغلون وحدات سكنية راقية بإيجارات قديمة زهيدة.

وفي هذا السياق قال حجازي لـ”العين الإخبارية”: “من غير المعقول أن نجد أجانب يعيشون في أحياء فاخرة بإيجار شهري لا يتجاوز 8 جنيهات، بينما هناك ملايين المصريين يعانون من أزمة السكن. هنا لابد أن تكون الأولوية لحماية المواطن المصري غير القادر، لا أن نستمر في منح امتيازات لفئات ليست في حاجة إليها”.

القانون القديم لم يكن مجرد خلل اقتصادي، بل كان يعكس شبكة واسعة من الامتيازات التي حصل عليها مسؤولون وفنانون وشخصيات عامة، ما جعل إصلاحه أمرا شبه مستحيل لعقود. فقد تحولت القضية إلى ما يشبه “ثقافة” مجتمعية، حيث اعتبر بعض المسؤولين أن من حقهم الاستفادة من الإيجار القديم، حتى وإن كانوا يملكون ثروات طائلة.

ولعل الأمثلة في هذا السياق تكشف حجم التشوه، فوفقا لمذكرة قدّمها المهندس حجازي عام 2012 وأشار إليها خلال حواره مع “العين الإخبارية”، فإن الدكتور أحمد فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب الأسبق، كان يقيم في شقة بشارع ابن زنكي بالزمالك مقابل 48.5 جنيه فقط، بينما عاش وزير الإسكان الأسبق حسب الله الكفراوي في شقة بشارع جمال الدين أبو المحاسن بإيجار شهري 16.7 جنيه لثلاثة عقود، قبل أن يشتريها ويبيعها للفنان التونسي لطفي بوشناق، بحسب ما نقلته وسائل إعلام محلية.

يقول حجازي: العلاقة بين الفن والإيجار القديم ممتدة بدورها، ففي عمارة “ليبون” الشهيرة على النيل، كانت الفنانة فاتن حمامة تسكن شقة بالدور الأخير مقابل 39 جنيها، قبل أن تتنازل عنها لصاحب العقار مقابل 50 ألف جنيه. كما أقام الفنان محرم فؤاد وزوجته الإعلامية منى هلال في شقة أخرى مقابل 26.18 جنيه.

ويضيف: الكاتب الصحفي الكبير علي أمين عاش أيضا في العمارة ذاتها بإيجار 29.4 جنيه، بينما لم يتجاوز إيجار شقة الفنانة ليلى فوزي 28 جنيها. أما عمارة “الشربتلي” بالزمالك، رمز الأرستقراطية القديمة، فقد ضمت شققا سكنها كبار الفنانين والمثقفين. فقد أقامت الفنانة نجاة الصغيرة في شقة مساحتها 260 مترا بإيجار 15 جنيها، فيما استمر ورثة الفنان محمود المليجي في شقته التي كان إيجارها 14 جنيها.

كما شملت العمارة شقق ورثة المخرج عز الدين ذو الفقار، والإذاعي أحمد سعيد، والفنان إيهاب نافع، فضلا عن أسرة العالم الكبير مصطفى مشرفة.

الفنانة سميرة أحمد تقيم حتى اليوم في شقة بمنطقة الجزيرة مقابل 22.25 جنيه. أما الوزير الراحل كمال الشاذلي فكان يقيم في فيلا دوبلكس بجاردن سيتي مقابل 22.25 جنيه شهريا فقط، وما زال ورثته يحتفظون بالعقار.

ولعل أبرز الأمثلة شقة الصحفي محمود سعد في المنيرة، التي لا يزال يحتفظ بها بإيجار 13 جنيها فقط، في حين أن قيمتها السوقية تقدر بملايين الجنيهات.

كما استمرت أسرة الفنانة نبيلة عبيد في شقة لم يتجاوز إيجارها العشرين جنيها، بينما أقام الإعلامي الراحل مفيد فوزي في فيلا بالمهندسين مقابل 13 جنيها فقط.

هذه الأمثلة -وفق ما وثقته جمعية حقوق المضارين من الإيجار القديم- لم تكن سوى غيض من فيض، حيث شملت القائمة وزراء سابقين وفنانين ورجال أعمال، جميعهم استفادوا من هذه الامتيازات على حساب الملاك الذين لم يتمكنوا من استغلال عقاراتهم أو الحصول على عائد عادل منها.

في عام 2012، وفي ذروة الجدل حول أحداث 25 يناير 2011 وما تلاها من مطالبات بالعدالة الاجتماعية، قدّمت جمعية المضارين من الإيجار القديم مذكرة مفصلة إلى النائب العام، تضمنت قائمة بأسماء كبار المسؤولين والأثرياء والفنانين الذين لا يزالون يشغلون شققا فاخرة بإيجارات هزيلة.

يقول حجازي عن تلك المرحلة: “كانت المذكرة خطوة مهمة في كسر التابوهات”.

ورغم الحراك الذي بدأ منذ 2012، ظل الملف مؤجلا حتى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة لحسم الجدل. ففي إفطار الأسرة المصرية، قال السيسي: “علاقة الملكية في مصر لابد أن نحترمها ونُرجع لها ما أمكن بدون ما ندوس على الناس.” هذه الجملة – كما يرى حجازي – كانت بمثابة إعلان رسمي أن الدولة لن تتراجع عن إصلاح هذا الملف، ولكنها ستفعل ذلك بحذر وبما يراعي البُعد الاجتماعي.

القانون الجديد لا يقتصر على تصحيح العلاقة بين المالك والمستأجر، بل يتوقّع أن يكون له أثر اقتصادي واجتماعي عميق. فمن ناحية، سيُعيد ضخ أكثر من 1.6 مليون وحدة سكنية وتجارية إلى السوق بأسعار عادلة، مما يساهم في زيادة العرض وتحقيق التوازن. ومن ناحية أخرى، سيحفز الملاك على صيانة وتجديد عقاراتهم، وهو ما يعني تحسين البنية العمرانية.

كما سيوفر القانون موارد إضافية للدولة عبر زيادة حصيلة الضرائب العقارية، إلى جانب جذب استثمارات جديدة للسوق العقاري الذي ظل لسنوات يعاني من التشوه. والأهم من ذلك، أنه يعيد الثقة في مبدأ احترام الملكية الخاصة، ما يعزز بيئة الاستثمار بشكل عام.

وبينما تبدأ مناقشات البرلمان للقانون الجديد، يظل الجدل قائما بين الملاك والمستأجرين. فالملاك يرون أن التشريع الجديد تأخر كثيرا، وكان ينبغي أن يكون أكثر حسما، بينما يخشى المستأجرون من فقدان المأوى أو مواجهة زيادات تفوق قدراتهم. وبين هذا وذاك، يبقى الرهان على آليات الدولة في تطبيق القانون بما يحقق التوازن، ويضمن ألا يتحول الإصلاح إلى أزمة اجتماعية جديدة.

ويختم حجازي قائلا: يمكن القول إن الدولة المصرية، بإقرارها القانونين الجديدين، قد أسدلت الستار على واحد من أطول الملفات وأكثرها تعقيدًا في التاريخ التشريعي. ومع ذلك، يظل التطبيق العملي هو التحدي الأكبر، فالقضية ليست مجرد نصوص قانونية، بل واقع اجتماعي متشعّب تشكَّل عبر سبعة عقود من الامتيازات والاختلالات.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى