المقاربة الصينية لتحقيق الريادة العالمية في الذكاء الاصطناعي ‹ جريدة الوطن

الركائز الخمس:
المقاربة الصينية لتحقيق الريادة العالمية في الذكاء الاصطناعي
“بحلول عام 2025 ستلحق الصين بالولايات المتحدة، وبحلول عام 2030 ستتجاوزها وتسيطر على صناعات الذكاء الاصطناعي”. بهذه العبارة الحاسمة، وفي الأول من نوفمبر 2017، رسم إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة ألفابت (Alphabet) المالِكة لجوجل، ملامح سباقٍ جديد يُعيد تشكيل موازين القوة العالمية. جاء تصريحه في خطابه الرئيسي خلال قمة الذكاء الاصطناعي والأمن العالمي في واشنطن، التي نظَّمها مركز الأمن الأمريكي الجديد (Center for a New American Security -CNAS). ولعلّ أهمية هذا التصريح لا تكمن في بُعده التكنولوجي فحسب، بل فيما حمله من دلالات جيوسياسية صريحة حول مستقبل المنافسة بين واشنطن وبكين. فهو لم يكن مجرد تحذير تقني بشأن مسار الابتكار، بل نبوءة مبكرة عن عالم يتبدل بسرعة بفعل الثورة الصناعية الرابعة.
وانطلاقاً من هذه الرؤية، يتضح أن الذكاء الاصطناعي لم يَعُد مجرد مجال بحثي أو أداة لتعزيز الكفاءة الاقتصادية؛ بل تحوّل إلى مكوّن استراتيجي في صياغة العلاقات الدولية وصناعة القرار. وفي هذا السياق تحديداً، برزت الصين كفاعل استثنائي؛ إذ لا تقتصر مقاربتها على تطوير النماذج اللغوية العملاقة ومنافسة كبرى شركات وادي السيليكون، بل تمتد أيضاً إلى دمج الذكاء الاصطناعي في بُنى الدولة ذاتها. ويكشف هذا التوجه العميق عن أحد أهم محددات تفوق الصين طويل الأمد، ويُفسر لماذا ارتفعت الإشارات إلى الذكاء الاصطناعي في وثائق الحزب الشيوعي الصيني والدولة منذ عام 2015، حتى بلغت نسبة لافتة قدرها 9% من مجمل الوثائق الرسمية بحلول عام 2024. ومن هذا المنطلق، يُنظَر إلى الذكاء الاصطناعي في المُخيّلة الصينية باعتباره ساحة استراتيجية تتجاوز حدود التكنولوجيا؛ ليصبح أداة لإعادة صياغة التنافسية الاقتصادية، وتحديث القدرات العسكرية، وإعادة تموضع الصين في قلب النظام الدولي.
ركائز المقاربة:
تتبنى الصين مقاربة متكاملة لتحويل الاقتصاد والمجتمع والدفاع إلى منظومة مدفوعة بالذكاء الاصطناعي، تُستثمر عبر خمس ركائز رئيسية:
1- التوجيه الاستراتيجي المركزي والتخطيط طويل الأمد: تبدو مقاربة النظام السياسي الصيني لمجال الذكاء الاصطناعي شأناً سياسياً بامتياز، فاعله المحوري هو القيادة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، التي تتجاوز مجرد التوجيه الاستراتيجي إلى فرض تصميم Top-level design على أعلى مستوى وتخطيط طويل الأمد ومُحَدَّد كمياً. فمنذ إطلاق استراتيجية التطوير الوطني للذكاء الاصطناعي سنة 2017، جرى تحديد أهداف واضحة لا تقف عند حدود الطموح السياسي، بل تُترجَمْ إلى أرقام دقيقة مرتبطة بحجم الصناعة:
أ– عام 2020: الوصول إلى مستويات عالمية متقدمة في الذكاء الاصطناعي، وتحقيق حجم صناعة الذكاء الاصطناعي بمقدار 150 مليار يوان.
ب– بحلول 2025: تحقيق اختراقات جوهرية في النظريات الأساسية للذكاء الاصطناعي، مع بلوغ حجم الصناعة الأساسية 400 مليار يوان.
ج- عام 2030: جعل الصين “المركز الأول للابتكار في الذكاء الاصطناعي عالمياً”، مع تجاوز حجم الصناعة الأساسية تريليون يوان.
بيدَ أن هذا التوجّه لا يظل حبيس الوثائق الرسمية، التي وثّقها مشروع DigiChina Project التابع لجامعة ستانفورد في 2017، بل يُترجَمْ إلى بنية مؤسسية وتشريعية متكاملة تتكشف عبر مراحل زمنية دقيقة. فبين سنتي 2017 و2019، تم تأسيس البنية المؤسسية عبر تكليف فاعلين من الشركات العملاقة (مثل بايدو، وعلي بابا، وتينسنت، وسينس تايم) بإنشاء منصات وطنية للابتكار في مجالات محددة كالمدن الذكية والقيادة الذاتية، بالتوازي مع إطلاق “مناطق تجريبية” في مدن مثل بكين وشانغهاي. وهنا يتجلى ما يُعرف بـاسم “نموذج الدولة–الشركة”؛ حيث تُدمج القدرات الابتكارية للشركات الخاصة في إطار تخطيط موجَّه مركزياً من الحزب، بما يحوّلها إلى أذرع تنفيذية للسياسة الوطنية. وفي 2019، بادرت وزارة العلوم والتكنولوجيا (MOST) ولجنة خبراء الذكاء الاصطناعي إلى فرض إطار أخلاقي حاكم عبر إصدار مبادئ الحوكمة التي تشمل الانسجام والعدالة والخصوصية والأمان.
ومع الخطة الخمسية الرابعة عشرة بين 2021 و2025، اتسع نطاق الدمج الاقتصادي؛ بهدف رفع مساهمة الاقتصاد الرقمي إلى 10% من الناتج المحلي بحلول 2025. ثم أعقب ذلك بناء أطر تنظيمية أكثر صرامة، حين أصدرت إدارة الفضاء الإلكتروني (CAC) سنة 2022 أول تنظيم شامل لخوارزميات التوصية لتعزيز الشفافية، قبل أن تعتمَد سنة 2023 “التدابير المؤقتة لتنظيم خدمات الذكاء الاصطناعي التوليدي” التي حملت الشركات المسؤولية القانونية عن منتجاتها وفرضت قواعد على جودة البيانات ووضع العلامات المائية.
وفي المرحلة الممتدة بين سنتي 2024 و2025، دخل المجال طور التوسع المكثّف في النماذج اللغوية الضخمة، مقترناً بتوجيه حكومي للحد مما أُطلق عليه “المنافسة الفوضوية”. وفي موازاة ذلك، عززت بكين سياسات دفاعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الرقائق؛ حيث تخطط ثلاث منشآت صناعية جديدة لزيادة إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي ثلاثة أضعاف بحلول 2026، دعماً لشركات مثل هواوي وإس إم آي سي، وذلك وفقاً لما نقلته وكالة رويترز؛ في مسعى لتقليل الاعتماد على رقائق إنفيديا. كما كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن إطلاق برامج استراتيجية، من بينها مشروع Spare Tire Project (مشروع “الإطار الاحتياطي”)، الذي يستهدف تغطية 70% من احتياجات السوق المحلية من الرقائق بحلول 2028، في إطار مواجهة القيود الأمريكية. وفي 27 أغسطس 2025، وافق مجلس الدولة على خطة عمل “الذكاء الاصطناعي +”، والتي تستهدف، بحسب الموقع الرسمي للحكومة الصينية، تحقيق معدل انتشار يتجاوز 70% للمحطات الذكية من الجيل الجديد ووكلاء الذكاء الاصطناعي بحلول 2027، و90% بحلول 2030؛ لتكتمل بذلك صورة مجال لا تُترك فيه شروط التنافس للمصادفة، بل تُصاغ وتُوجَّه بقوة الدولة.
2- الاستثمار الحكومي المباشر وآليات التمويل الاستراتيجي: في عام 2025، حققت الصين إنجازاً استثنائياً في التمويل الحكومي للذكاء الاصطناعي؛ حيث أطلقت في يناير 2025 “صندوق الاستثمار الوطني لصناعة الذكاء الاصطناعي” بقيمة 8.2 مليار دولار، مخصص حصرياً لدعم الشركات الناشئة في قطاع الذكاء الاصطناعي وفق مؤسسة راند. هذا الصندوق جزء من استراتيجية أوسع تشمل “صندوق الإرشاد الوطني لرأس المال الاستثماري” بقيمة 138 مليار دولار، والذي يستهدف مجالات متعددة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي مثل الروبوتات والذكاء المدمج. وبحسب دراسة صادرة بتاريخ 13 يونيو 2025 عن معهد بيانات وسياسات الأمن القومي جامعة فيرجينيا، استثمرت “صناديق الإرشاد الحكومية” الصينية أكثر من 900 مليار دولار خلال الفترة من 2010 إلى 2020، خُصِّصَ أكثر من 23% منها للمشاريع التجارية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
وفي السياق ذاته، شهد عام 2024 إعفاءات ضريبية واسعة النطاق تهدف إلى تشجيع الابتكار وتخفيف الأعباء عن الشركات الناشئة والتكنولوجية؛ إذ تجاوزت قيمة التخفيضات الضريبية والرسوم والاسترداد 366 مليار دولار في الأرباع الثلاثة الأولى من العام، مع رفع معدل خصم نفقات البحث والتطوير من 75% إلى 100%، وصولاً إلى 120% للشركات المتخصصة في صناعة الدوائر المتكاملة؛ (أي الشرائح الإلكترونية التي تُعد العقل المحرّك للتقنيات الحديثة). ويكشف هذا التوجّه عن إدراك بكين أن صناعة الشرائح الإلكترونية تُمثِّل الحلقة الأضعف في سلاسل التوريد الصينية. ومن هنا يتضح أن الصين تعتمد مقاربة دولة-قائدة (State-led approach)؛ حيث تستخدم أدوات مالية وضريبية هائلة لدفع القطاع نحو أهدافها الوطنية. بيد أن هذه الاستراتيجية، برغم ما تمنحه من زخم وقوة دفع، تنطوي في الوقت ذاته على مخاطرة كامنة؛ إذ إن ضخ هذه الأموال الهائلة قد يقود إلى تضخم استثماري أو “فقاعة” إذا لم يُترجَمْ إلى ابتكارات حقيقية مستدامة.
3- البيانات كأصل استراتيجي والهيمنة على المواهب: تُعامِل الصين البيانات كـ”مورد استراتيجي أساسي” مُماثل للنفط أو الأراضي؛ حيث أسست في عام 2023 “المكتب الوطني للبيانات” لتنسيق الحوكمة والاستفادة من البيانات كأصل استراتيجي ودمجها في استراتيجية “الصين الرقمية” الأوسع. ويُوفّر عدد سكان الصين الذي تجاوز 1.4 مليار نسمة (2024)، بالإضافة إلى 1.1 مليار مستخدم للتطبيقات المحمولة ومنصات التجارة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، كميات هائلة من البيانات، تُعد ضرورية لتطوير الذكاء الاصطناعي بشكل فعال. ومن زاوية المواهب، تستفيد الصين من ميزة هائلة؛ حيث يُتوقع أن تُنتج 77 ألف دكتوراه في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات سنوياً مقابل 40 ألف في الولايات المتحدة في عام 2025. كما تُطبق الصين استراتيجيات توظيف مستهدفة مثل “برنامج الألف موهبة” وبرامج “الخبراء رفيعي المستوى”؛ مع تقديم حوافز تشمل مكافآت توقيع تتجاوز 400 ألف دولار لجذب المواهب العالمية. وتعكس هذه السياسات نتائج ملموسة؛ فبحسب تقرير ManpowerGroup لعام 2024، أشار 72% من أصحاب العمل في الصين إلى أنهم بصدد توسيع التوظيف في الأدوار المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
ووفقاً لتقرير صادر عام 2023 عن شركة غريد دايناميكس القابضة الأمريكية، تتضح الفجوة في القدرات البشرية في مجال هندسة البرمجيات (Software Engineering) على الصعيد العالمي؛ إذ تمتلك الصين أكبر عدد من مهندسي البرمجيات في العالم؛ حيث يبلغ عددهم نحو 7 ملايين، تليها الهند بنحو 5 ملايين، ثم الولايات المتحدة بنحو 4.4 مليون، وألمانيا نحو مليون، واليابان نحو 918 ألفاً. ويبرز تميُّز الصين ليس فقط في العدد، بل أيضاً في جودة الكفاءات الهندسية وسرعة التوسع في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية الحديثة. وتعكس هذه الأرقام الفجوة الكبيرة في الكفاءات البشرية، والتي لا تقل أهمية عن الفجوات القائمة في قطاع الذكاء الاصطناعي.
4- الانتشار العالمي ووضع المعايير: في 23 يوليو 2025، كشفت الولايات المتحدة عن “خطة العمل الأمريكية للذكاء الاصطناعي”؛ متضمنة أكثر من 90 إجراءً لتعزيز موقعها كقوة معيارية عالمية من خلال فرض قواعد أحادية تعكس هيمنتها التكنولوجية والسياسية. وفي تتابع زمني محسوب، ردّت الصين بعد ثلاثة أيام خلال مؤتمر الذكاء الاصطناعي العالمي (WAIC) في شنغهاي بإطلاق “خطة العمل لحوكمة الذكاء الاصطناعي العالمية” المؤلفة من 13 بنداً؛ مقترحة إنشاء “منظمة التعاون العالمي للذكاء الاصطناعي” والانخراط مع هيئات المعايير الوطنية والدولية مثل ITU وISO، لتقديم نفسها كقوة معيارية جماعية. وبرغم هذا التباين الظاهر؛ يُشير تحليل لمركز Just Security إلى وجود تنافس تعاوني؛ إذ تتبع الدولتان مسارات موازية تهدف إلى تسريع التبنّي المحلي للذكاء الاصطناعي، دعم التصدير الحكومي، اعتماد الأنظمة مفتوحة المصدر، والتعامل مع مخاطره دون تقليص الابتكار.
5- الدمج العسكري المدني: تعتمد الصين على استراتيجية الدمج العسكري المدني كرافعة أساسية لتسريع تطوير التقنيات المتقدمة؛ لتعزيز التفوق الاستراتيجي وتحقيق الاكتفاء الذاتي. ويُتيح هذا النموذج نقل التقنيات مزدوجة الاستخدام بسلاسة؛ ما يسرِّع الابتكار ويقوّي القدرة الاقتصادية والعسكرية على حد سواء، وفق تحليل الباحث هاو نان، في موقع (ThinkChina). ويعكس تقرير البنتاغون لعام 2024 هذا التوجه، مشيراً إلى أن الصين تبني جيشاً “ذكياً” يشمل تطوير الأسلحة الذكية والطائرات المسيرة، وأنظمة التعرف على الأهداف بالذكاء الاصطناعي، والمحاكاة متعددة المجالات، إضافة إلى اللوجستيات المستقلة. وتُمثِّل هذه القدرات ركائز استراتيجية تمكّن الصين من تحويل الابتكار التكنولوجي إلى قوة اقتصادية وعسكرية متكاملة.
وتتجلى نتائج الدمج العسكري المدني في منظومات عدة، منها المقاتلة الشبح J-35A، وطائرة الدرون Jiutian، ونظام الدفاع الصاروخي HQ-19، والصاروخ البالستي DF-31AG، والسفينة الهجومية Type 076 المزودة بنظام إطلاق كهرومغناطيسي للطائرات. وفي الوقت نفسه، يسعى القطاع المدني لتطبيق الذكاء الاصطناعي بشكل عملي يعزز الاقتصاد والحياة اليومية للشعب الصيني. فوفق وول ستريت جورنال، تستخدم الصين الذكاء الاصطناعي في مجالات الرعاية الصحية والزراعة والأمن والتصنيع، بعيداً عن التركيز الحصري على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي العام AGI، فيما تُشير الغارديان إلى انتشار الروبوتات والدرونات لأداء مهام يومية، مثل توصيل الطعام في مدينة شنجن، بينما أوردت رويترز أن شركات ناشئة مدعومة من الدولة تُنتج روبوتات صناعية متقدمة للقيام بمهام تصنيع معقدة؛ مدعومة بإعانات مالية تجاوزت 20 مليار دولار. كل ذلك يعكس توجهاً متكاملاً يربط الابتكار المدني بالقدرات العسكرية ضمن استراتيجية وطنية شاملة.
سيناريوهات مستقبلية:
بناءً على الركائز الخمس السابقة، يمكن استقراء ثلاثة سيناريوهات مُحتَمَلة لمستقبل مقاربة الصين في الذكاء الاصطناعي:
1- سيناريو الريادة التكنولوجية: في حال نجحت الصين في تطبيق ركائزها الخمس بكفاءة، فإنها قد تتحول إلى المركز العالمي الأول للابتكار في الذكاء الاصطناعي، عبر التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد، وضخ استثمارات حكومية هائلة، والاستفادة من تفوقها في البيانات والمواهب، وفرض معاييرها عبر أطر مؤسسية، وتعزيز الدمج العسكري المدني؛ ليُفضي كل ذلك إلى ترسيخ مكانتها كالقوة التكنولوجية الأولى عالمياً.
2- سيناريو التوازن التنافسي: برغم التقدم الكبير الذي قد تحققه الصين استناداً إلى الركائز الخمس؛ فإن الضغوط الخارجية (العقوبات الأمريكية، تشديد القيود على الرقائق، والمنافسة مع واشنطن–بروكسل في صياغة المعايير) والعوامل الداخلية (مخاطر الفقاعة الاستثمارية، فجوات الابتكار الأساسي) قد تَحِد من صعودها نحو الريادة؛ مما يدفع إلى بروز نظام دولي ثنائي القطبية في الذكاء الاصطناعي، تتقاسم فيه بكين وواشنطن الريادة، مع دور أوروبي تنظيمي محدود بما يجعل السباق مفتوحاً من دون حسم نهائي.
3- سيناريو التباطؤ والانكماش: إذا تعثرت بعض الركائز – كفشل سياسات الاكتفاء الذاتي في الرقائق، أو ضعف استدامة التمويل الحكومي، أو تراجع قدرة الدولة على إنتاج المواهب بسبب الشيخوخة السكانية– فقد يتراجع الصعود الصيني. وفي ظل مقاومة دولية متصاعدة للنفوذ الرقمي الصيني وصعوبات هيكلية في الابتكار، تتحول الصين إلى قوة تكنولوجية إقليمية مؤثرة، لكن أقل قدرة على فرض قواعد اللعبة عالمياً.
ختاماً، تكشف مقاربة الصين في الذكاء الاصطناعي عن مشروع استراتيجي يتجاوز حدود التطوير التقني، ليعيد صياغة بُنى الدولة وموقعها في النظام الدولي. وبالنظر لركائزها الخمس، نجد أن بكين اليوم تقف أمام مسارات متعددة يتراوح مداها بين تحقيق الريادة التكنولوجية أو الدخول في توازن تنافسي أو مواجهة تباطؤ وانكماش؛ وهو ما يجعل الذكاء الاصطناعي أحد المفاتيح المركزية في تشكيل معادلات القوة في عصر الثورة الصناعية الرابعة؛ ومن ثم فإن مآلات التجربة الصينية لا تُحدد مستقبلها الداخلي فحسب، بل تُسهم أيضاً في إعادة رسم ملامح النظام التكنولوجي العالمي، بما يحمله من فرص للتحوّل ومخاطر لإعادة إنتاج أنماط جديدة من التنافس الاستراتيجي.