اخبار الامارات

تحديات الفترة الانتقالية في نيبال بعد تشكيل الحكومة المؤقتة ‹ جريدة الوطن

 

الاختبار الصعب:

تحديات الفترة الانتقالية في نيبال بعد تشكيل الحكومة المؤقتة

 

 

 

 

 

في استجابة سريعة لحالة الفراغ السياسي التي أدت إليها استقالة رئيس الوزراء النيبالي “كيه بي شارما أولي”، نتيجة الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها البلاد على مدى يومَي 8 و9 سبتمبر الجاري، والتي خلَّفت أكثر من 50 قتيلاً، وإصابة أكثر من 1300 شخص، وفرار 13 ألف سجيناً من سجون البلاد، ونزولاً على رغبة ممثلي الجيل “Z” الذين تصدَّروا المشهد الاحتجاجي الأخير، عيَّن رئيس البلاد “رام تشاندرا بوديل”، يوم 12 سبتمبر، الرئيسة السابقة للمحكمة العليا “سوشيلا كاركي” رئيسة لحكومة انتقالية مؤقتة مدتها ستة أشهر، وأعلن حلَّ مجلس النواب الذي تم انتخابه في نوفمبر 2022، وإجراء انتخابات برلمانية في 5 مارس 2026.

وعلى الرغم من تزامُن قرارات “بوديل” مع ما تشير إليه التقارير من عودة الحياة لطبيعتها في العاصمة كاتماندو، التي تركَّزت فيها أعنف مظاهر الاحتجاجات، إلا أن هناك بعض التحركات، المُعلَنة والمُضمَرَة، التي تشير إلى أن المرحلة الانتقالية لن تمضي بالسلاسة المأمولة من قِبَل رئيسة الوزراء الجديدة، ولا الجيل “Z” الراعي لها، إلى حد يمكن معه عودة الاحتجاجات إلى الشارع النيبالي، ودخول الدولة في جولة جديدة من الفوضى، بما قد يُسهِم في عرقلة أجندة الحكومة الانتقالية وخطَّها الزمني، أو حتى حدوث ما هو أسوأ من ذلك؛ الأمر الذي يَختبِر مدى قدرة الحكومة الانتقالية على تجاوُز هذا الظرف الحَرِج.

إن السرعة الزمنية التي حققت بها الاحتجاجات سقوط الحكومة السابقة، وكذلك الاستجابة الأسرع من الجيش والرئيس بإجراء حوار وطني وتعيين حكومة مؤقتة أملاً في حفظ الاستقرار؛ لا يمنعان من وجود تحدياتٍ عديدةٍ تواجه حكومة “كاركي” الانتقالية، والتي من أبرزها ما يلي:

1 – تداعيات الجدل الدائر حول مدى دستورية تعيين “كاركي”:

 

تبدأ التحديات التي تواجه حكومة نيبال الانتقالية من نقطة تعيين رئيسة الحكومة ذاتها “سوشيلا كاركي”؛ ففي ظل مطلب الجيل “Z” الخاص بتعديل الدستور المعمول به منذ 20 سبتمبر 2015، وعدم إلغائه، بغية تلبية الاحتياجات العاجلة للدولة؛ توجهت الانتقادات على الفور إلى الكيفية الدستورية التي يمكن معها تعيين “كاركي” رئيسة للحكومة، رغم أنها ليست عضواً في البرلمان، حيث تتبنى نيبال نظام حكم برلماني، هذا علاوة على عدم تمتُّعها بأغلبية حزبية في مجلس النواب، وذلك وفق ما تقضي به المادة 76 من الدستور.

وبحسب خبراء السياسة العامة بالشأن النيبالي، يُفترَض بمجرد استقالة رئيس الوزراء، أن يدعو رئيس الدولة البرلمان لتشكيل الحكومة. وفي حالة عدم وجود حزب يتمتع بأغلبية برلمانية مثلما كما الوضع مع برلمان 2022، يقوم المشرِّعون بتشكيل حكومة مؤقتة، حتى إجراء انتخابات عامة.

ومع ذلك، جادل مسؤولون -وسط هذا المأزق القانوني- أن تعيين “كاركي” جاء بموجب المادة 61 من الدستور، التي تُحدِّد صلاحيات الرئيس وواجباته؛ فوفقاً للبند 2 من المادة 61، يتولى الرئيس المهام الرسمية، وينص البند 4 من هذه المادة على أن الواجب الأساسي للرئيس هو دعم الدستور وحمايته؛ ومن هنا جاء تعيينه لرئيس وزراء مؤقت.

وفي هذا السياق، أدت “كاركي” اليمين في مكتب الرئيس بوديل، في حضور عدد من كبار المسؤولين، من بينهم نائب الرئيس “رام سهاي ياداف”، ورئيس المحكمة العليا “براكاش مان سينغ راوات”، وقائد الجيش ” أشوك راج سيجديل”، ورئيس الوزراء السابق الدكتور “بابورام بهاتاراي”، وعمدة كاتماندو الشاب “باليندرا شاه”.

ولقد أثارت هذه الخطوة غضب “نقابة المحامين” النيبالية، التي صرَّحت فوراً بأن تعيين “كاركي” وحلِّ البرلمان غير دستوريَيْن، وأنها ستنظِّم احتجاجاتٍ مُعارِضة، وستبحث عن سبل قانونية للانتصاف من قرارات “بوديل”. وهكذا، بدا وأن تعيين “كاركي” يحمل في طيَّاته إشكاليات قانونية وواقعية أمام المرحلة المؤقتة.

2 – معارضة شديدة واستعداد مُحتمَل من الأحزاب السياسية التقليدية:

على الرغم من الانهيار السريع للنظام السياسي السابق برئاسة “شارما أولي” تحت ثورة الاحتجاجات، التي أضرمت النار في مكتب رئيس الوزراء ومبنى المحكمة العليا والبرلمان، بجانب مقر الحزب الشيوعي النيبالي الماركسي الذي ينتمي إليه “أولي”، وكذلك مقر شريكه الأكبر في الائتلاف الحاكم السابق (حزب المؤتمر النيبالي)، الذي ينتمي إليه الرئيس “بوديل”؛ فإنه يبدو أن فترة الصمت القصيرة التي سبقت تعيين “كاركي” وتولَّى فيها الجيش بسط السيطرة، سمحت للقادة وأحزاب النظام السائد منذ عام 2008 بالبدء في إعادة ترتيب الأوراق لمناهضة الوضع السياسي الجديد.

وتدل على ذلك مواقف الأحزاب السياسية الرئيسية الثلاثة إزاء قرارات “بوديل”، والتي تحمل نبرة “متحدِّية” لها، وللجيل “Z” الذي فرض صوته ورأيه على البلاد مؤخراً؛ فقد وصف الأمين العام للحزب الشيوعي النيبالي الماركسي اللينيني المُوحَّد “شانكار بوخاريل” القرارات بأنها “مثيرة للسخرية”، داعياً أنصار الحزب إلى الاحتجاج. وصدر بيان مُشترَك عن رئيس مجلس النواب المُنحَّل “ديفراج غيميري” المنتمي للحزب الشيوعي النيبالي الماركسي، ورئيس الجمعية الوطنية “نارايان داهال” المنتمي للحزب الشيوعي النيبالي المركزي (الماوي)، يوم 12 سبتمبر، دعَوَا فيه إلى وجوب الالتزام بالدستور (أي استخدام المادة 76 منه) لحل الجمود السياسي الذي تشهده البلاد، وقاطع كلاهما حضور مراسم تعيين “كاركي”، رغم تلقِّيهما دعوات رسمية. وبالمثل، أكد حزب المؤتمر النيبالي، رفضه المُطلَق للقرارات التي “تنتهك الدستور”.

في هذا السياق، لا يُستبعَد لجوء الأحزاب التقليدية الثلاثة، التي تحكم نيبال منذ إلغاء المليكة وإعلان الجمهورية في عام 2008 حتى استقالة “شارما أولي” يوم 9 سبتمبر الجاري، إلى حَشْد أتباعهم للانتقام من المُحتجِّين الشباب بدعوى الحفاظ على “الديمقراطية”، مستفيدةً في ذلك من روابطها وعلاقاتها التي استثمرت فيها على مدى سنوات؛ هذا علماً بأن هذه الأحزاب الثلاثة تناوبت فيما بينها على منصب رئيس الوزراء 17 مرة منذ عام 2008، ولم تُكمِل أي حكومة منها مدتها الدستورية.

ويُتوقَّع أن تستند هذه الأحزاب إلى موقف “نقابة المحامين” النيبالية، فضلاً عن استمالتها إليها، لتبرير تحركاتها المناهضة للوضع الجديد “غير الدستوري”. وربما لإدراكه خطورة هذا الوضع، ناشد الرئيس “بوديل”، فور إعلان قراراته، جميع الأطراف المعنية، وعلى رأسها الأحزاب السياسية، التعاون وتغليب مصلحة البلاد وإجراء الانتخابات في موعدها المُقرَّر.

3 – تبايُن مُحتمَل في التوافق المرحلي بين الجيل “Z”:

على الرغم من تصدُّر الجيل “Z” المشهد السياسي النيبالي الراهن، وتأثيره الجليّ فيه، حتى إن قرارات الرئيس “بوديل” جاءت متوافقة تماماً مع رغباته؛ إلا أن هذا الجيل يفتقر لعدة مقومِّات تضمن استمرار هيمنته على المشهد؛ فمن جهة، لم تكن لهذا الجيل قيادة مركزية يمكن مخاطبتها إبَّان اندلاع الاحتجاجات، حيث أُثيرِت الأخيرة في المقام الأول نتيجة منشورات دعائية على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي بأهمية مكافحة الفساد وغيره.

ومن ثمَّ يَطرَح الظهور السريع لممثلي الجيل (الـ 15) إشكالية مدى التوافق حولهم من قِبَل أطياف المجتمع الذين شاركوا في الاحتجاجات الأخيرة، كما أن عددهم الكبير وحده ينم عن صعوبة التوافق فيما بينهم، أو ربما عدم الثقة، في اختيار عدد أقل، ناهيك عن شخصية واحدة، لتمثيلهم.

وعلاوة على ذلك، يتسم الجيل “Z” بعقلية تحرُّرية ومزاج سريع التقلُّب، وهو ما قد يحوُل بينه وبين تماسُك موقفه إزاء القضايا الملحَّة التي تواجهه، والتي كان على رأسها مسألة اختيار رئيس الحكومة الانتقالية؛ فهُم بالكاد استقروا على ترشيح “كاركي” لهذا المنصب، بَعْد انقسام تردَّد صداه بقوة فيما بينهم، بدعوى تقدُّمها في السن (73 عاماً)، ولا تصلح للمرحلة الحالية، وذلك لصالح شخصية أكثر شباباً ودعماً مثل عمدة كاتماندو، باليندرا شاه، ذي الـ 35 عاماً، أو “كولمان جيزينج” رئيس هيئة الكهرباء السابق.

 

ومن جهة ثانية، يفتقر الجيل “Z” إلى الخبرة السياسية الكافية للتعامل مع الموقف الدقيق الذي تمر به البلاد. لذا، يُلاحَظ أن ممثليه الخمسة عشر نأوا بأنفسهم عن المشاركة في هيكل الحكومة الانتقالية، رغم طلبهم سابقاً بأن يكونوا جزءاً منها، معلنين الاكتفاء بمراقبة حكومة “كاركي” وأدائها، ومبرِّرين ذلك “بعدم نضجهم السياسي”.

4 – المقوِّمات المهنية وخبرة رئيسة الفترة الانتقالية ذاتها:

إن رئيسة الوزراء “سوشيلا كاركي” هي قاضية في المقام الأول. وعلى الرغم من خلفيتها القانونية القوية، والنظر إلى تعيينها على أنه خطوة إيجابية نحو التجديد السياسي والمرونة الديمقراطية في نيبال؛ إلا أنها تتمتع بخبرة سياسية وإدارية محدودة، وهو ما قد يُشكِّل تحدياً بالنسبة لحكومتها الانتقالية، التي تتولى إدارة مشهد سياسي مُعقَّد وحَرِج، وتتطلَّب قدرة أعلى على إدارة العلاقات مع مُختلَف الأطراف الفاعلة، ذات المصالح المتباينة.

بعبارة أخرى، فإن تركيز “كاركي” على تحقيق مطالب الجيل “Z” فقط قد يحوُل دون توصُّلها إلى توافقٍ ما مع القوى المُعارِضة الأخرى؛ وهو ما يتيح للأخيرة، في المقابل، المضي قدماً نحو تنفيذ أجندتها ومصالحها الخاصة.

وعلاوةً على ذلك، من المُرجَّح أن تواجه “كاركي”، خلال الفترة الانتقالية القصيرة نسبياً، أزمة في التعامل مع الدولة العميقة والبيروقراطية الفاسدة التي استشرت أوصالها في أنحاء البلاد، على مدى العقد الماضي على الأقل.

5 – غموض حول دور الجيش رغم حياديته:

إن الوساطة العسكرية التي ألمح إليها بيان صادر عن جمعية “بريهات ناجاريك أندولان” (BNA)، وهي إحدى أكبر منظمات المجتمع المدني النشطة في نيبال، يوم 11 سبتمبر الجاري، يثير تساؤلات حول مدى حيادية الجيش النيبالي، ودوره خلال الفترة الانتقالية، وهي تساؤلات مشروعة إلى حد ما؛ بالنظر إلى توافُر ما يدعمها من عدة أوجه؛ وذلك على الرغم من قيام قائد الجيش “أشوك سيجديل” بأداء دوره بأمانة وحيادية تامة، منذ إعلانه، مساء يوم 9 سبتمبر، عن تدخُّل الجيش لإحلال الأمن وحتى تسليمه مقاليد الأمور لـ “كاركي” بمجرد تعيينها رئيسة للحكومة.

فمن جهة، أشارت تقارير إلى أن مسؤولين بالجيش اقترحوا إشراك حزب “راستريا سواتانترا” المتطرف في الحوار الوطني، والهيكل الحكومي الجديد. ومن جهة أخرى، وفَّر الجيش الحماية لمسؤولي النظام السابق، وعلى رأسهم رئيس الوزراء “شارما أولي”، لدى اشتعال الأحداث، بإجلائهم من مساكنهم عَبْر طائرات هليكوبتر، واستضافتهم في ثكناته العسكرية.

في هذا السياق، يبدو هناك نوع من عدم الاتساق وتبايُن الميول لدى بعض الشخصيات العسكرية التي لم تتكشَّف هويَّتها بَعْد، وذلك على نحوٍ يُتوقَّع معه أن يكون لها دور قادم قد يُعرقِل هدوء الفترة الانتقالية.

6 – محاولة القوميين إحياء إرث النظام الملكي:

لنحو 240 عاماً، وحتى عام 2008، كان نظام الحكم في نيبال هو النظام الملكي الهندوسي، حيث اضطُرَّ آخر ملوك الهندوس “جينندرا شاه” للرضوخ لمطالب المتمردين الماويين بالتنازل عن الحكم، لتُعلَن جمهورية نيبال.

وعلى الرغم من إصدار “جينندرا” بياناً، يوم 12 سبتمبر، أعرب فيه عن زهده في استعادة الحكم، مؤكداً عدم وجود “نظام أو أيديولوجية أعظم من الحرية المدنية”، إلا أن الاحتجاجات الأخيرة حملت في طيَّاتها ما يفيد بوجود تحركات خفية تَستهدِف تمهيد الطريق لحفيد “جينندرا”، “هيريندرا شاه”، لاستعادة الحكم الملكي؛ فقد كان الأخير نشطاً بقوة خلال الاحتجاجات الأخيرة. كما أشار مُحتجُّون شباب إلى أن قوميين هندوس قد تسلَّلوا إلى الاحتجاجات، وكسروا “سلميَّتها” عَبْر إعمال الدمار والتخريب واستفزاز القوات الأمنية، مما أدى إلى مقتل بعض الأفراد وإصابة المئات.

والواقع أن هذا التحدي قائمٌ بقوة، بالنظر إلى ما أشار إليه تقرير صادر عن “مركز دراسات الكراهية المُمنهَجة”، في شهر مارس 2025، والذي ذكر أن العام الجاري يشهد انتعاشاً جديداً لحزب “راستريا براجاتانترا (RPP)”، على يد الناشط اليميني ورجل الأعمال “دورغا براساي”، بغية استعادة النظام الملكي، هذا مع العلم بأن هذا الحزب كان لديه 14 مقعداً برلمانياً في مجلس النواب المُنحَّل.

وبدورها، أكدت جمعية “بريهات ناجاريك أندولان” النيبالية، في بيانها السابق الإشارة إليه، يوم 11 سبتمبر الجاري، أنه “يتم -فوق جثث شهداء حركة الجيل “Z”- تنفيذ مؤامرة خطيرة لاستعادة النظام الملكي وإلغاء العلمانية والفيدرالية والنظام النسبي الشامل”. وفي هذا الصدد، يُخشَى أن تشهد الفترة الانتقالية احتشاد الجماعات الهندوسية المتطرِّفة، في هذا الظرف الدقيق، لمناهضة الحكومة المؤقتة.

ختاماً، فإن المرحلة الانتقالية التي تخوضها نيبال حالياً مليئة بالتحديات التي يتعيَّن على رئيسة الوزراء المُعيَّنَة “سوشيلا كاركي” التعامل معها بدقة وحكمة وحذر، ولا سيَّما أنها تُؤسِّس لمرحلة جديدة يُؤمَل منها تلبية تطلعات الشعب النيبالي وتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ولعلَّ هذه التحديات تفرض على “كاركي” كذلك تبنِّي نوعاً من الاستقلال النسبي عن الجيل “Z”، بما يمكن معه المبادرة بتشكيل حكومة مؤقتة توافقية، تَسُدُّ الأبواب أمام محاولات إجهاض مسار الفترة الانتقالية. ومع ذلك، فإن الوقت وحده هو الكفيل ببيان ما يمكن أن يتمخَّض عنه المشهد الحالي من تفاعلات سياسية تصبُّ في هذا السبيل، وكذا الحُكم على نجاح حكومة “كاركي” من عدمه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى