خسائر اقتصادية فادحة.. ما هي أكثر الدول الأوروبية تأثرًا بتغيرات المناخ؟

تعد دول الشمال -التي تضم أوروبا- من أبرز المتهمين بالتسبب في تفاقم الاحترار العالمي، وهي أيضا من بين الدول التي تتضرر بسبب تأثيرات التغيرات المناخية، التي تهدد جوانب الحياة المختلفة فيها.
فهناك بعض من الدول الأوروبية المُهددة بسبب ارتفاع درجات الحرارة التي تتسبب في زيادة معدلات الوفيات، كما تعاني الدول التي تمتلك غابات على مساحات واسعة بصورة خاصة؛ إذ تتسبب الحرارة المرتفعة في انتشار حرائق الغابات، علمًا بأنّ الغابات تضم موارد طبيعية مهمة تعتمد عليها اقتصادات الدول التي تملك غابات داخل حدودها. كل هذا يعود سلبًا على الاقتصاد العام للبلاد.
الأكثر تضررًا
تتأثر الدول الأوروبية بدرجات متفاوتة بتأثيرات التغيرات المناخية، لكن هناك 3 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، تُصنف على أنها الأكثر تضررًا من التغيرات المناخية خلال 30 عامًا؛ وتحديدًا بين عامي 1993 و2022، وفقًا لتقرير (The Germanwatch Climate Risk Index) للعام 2025، وسجلت عشرات الآلاف من الوفيات وخسائر اقتصادية فادحة. تلك الدول هي:
1- إيطاليا
شهدت إيطاليا العديد من الظروف المناخية التي أثرت بصورة سلبية على اقتصادها وحياة مواطنيها؛ إذ تُصنف على أنها من أكثر الدول تضررًا في العالم بين عامي 1993 و2022؛ نتيجة تعرضها للظواهر الطقسية المتطرفة.
وشهدت البلاد نحو 38 ألف وفاة، إضافة إلى خسائر اقتصادية تقترب من 60 مليار دولار.
وأوضح الدكتور هشام عيسى، المنسق المصري السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، أنّ إيطاليا من ضمن الدول الأوروبية التي تتأثر بحرائق الغابات المتكررة، وموجات الحر والجفاف، وهذا يُهدد قطاعاتها المختلفة مثل الزراعة والسياحة، وهذا يعود سلبًا على الاقتصاد العام للبلاد.
وأضاف في تصريحات لـ”العين الإخبارية” أنّ إيطاليا: “تدعم سياسات المناخ، لكن بتركيز خاص على التكيف (الوقاية من الحرائق والجفاف)، وليس فقط التخفيف من الانبعاثات الدفيئة”.
2- اليونان
لا يختلف حال اليونان عن إيطاليا كثيرًا؛ فاليونان تعاني أيضًا من ارتفاع نسبي في معدل الوفيات بسبب تأثيرات التغيرات المناخية، بلغ نحو 34 ألف شخص بين عامي 1993 و2022.
ففي عام 2022 تسببت موجة حرارة وصلت إلى 42.1 درجة مئوية في مدينة فثيوتيس في وفاة أكثر من 3 آلاف شخص.
كما تعاني من حرائق الغابات التي اندلعت بقوة في أعوام محددة 1998 و2007 و2022، ما يهدد سبل العيش ويتسبب في أضرار زراعية، وبلغت الخسائر الاقتصادية على مدى الثلاثين عامًا أكثر من 7 مليارات دولار.
3- إسبانيا
شهدت إسبانيا العديد من موجات الحر الشديدة التي تسببت في خسائر فادحة، من حيث معدلات الوفيات، التي بلغت نحو 27 ألف حالة وفاة، إضافة إلى فقدان الغابات والأراضي الزراعية جراء الحرائق والجفاف.
كما تعرضت بعض المناطق في إسبانيا لفيضانات غزيرة. كل هذا قاد إلى خسائر اقتصادية قُدرت بنحو 25 مليار دولار.
ويوضح الدكتور هشام عيسى موقف إسبانيا والبرتغال في السياسات المناخية، قائلًا إنهما “مؤيدان بقوة للطاقات المتجددة (الرياح والشمس) بسبب موقعهما الجغرافي، وتضغطان لزيادة التمويل الأوروبي لدعم الدول المتأثرة بالجفاف”.
معاناة دول أخرى
تتأثر دول أوروبا الأخرى بالتغيرات المناخية، لكن بشكل متباين، وهنا نذكر:
1- ألمانيا
من ألمانيا وتحديدًا في مدينة برلين عام 1995، انطلقت الدورة الأولى من مؤتمرات الأطراف المعنية بتغير المناخ (COP1)، برئاسة “أنجيلا ميركل”.
وقال عيسى إنّ ألمانيا: “لاعب رئيسي في سياسات المناخ الأوروبية، وتقود التحول نحو الطاقة المتجددة (التحول الطاقي “Energiewende”)، لكنها تواجه تحديات بسبب الاعتماد المؤقت على الفحم بعد أزمة الغاز الروسي، وتهتم ألمانيا بوضع استراتيجية فعّالة لتعزيز التكيف مع المناخ”.
جدير بالذكر أنّ ألمانيا تستضيف كل عام “اجتماع بون”، والذي يُعد بمثابة اجتماع نصف سنوي لدفع عجلة قضايا المناخ المختلفة والتي من المقرر مناقشتها في مؤتمرات الأطراف المعنية بتغير المناخ التي عادةً تُقام في نهاية كل عام.
مع ذلك؛ فهي أيضًا من الدول المتضررة من آثار التغيرات المناخية على الرغم من أنها من الدول المسؤولة تاريخيًا عن الانبعاثات الدفيئة التي تسببت في تسارع التغيرات المناخية خلال العصر الحديث.
وتواجه ألمانيا زيادة في تواتر موجات الحر والجفاف، إضافة إلى هطول الأمطار الغزيرة التي قد تتسبب في إحداث فيضانات وارتفاع في منسوب مياه الأنهار، وعواصف وانتشار الآفات في الغابات، ما يؤثر في النهاية على قطاع الزراعة، وتتضرر الموارد البيئية المختلفة، ما يؤثر على صحة السكان والاقتصاد العام للبلاد.
2- فرنسا
لعبت فرنسا أيضًا دورًا محوريًا في العمل المناخي؛ إذ خرج منها “اتفاق باريس” التاريخي في عام 2015، عندما استضافت العاصمة الفرنسية باريس مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ في دورته الحادية والعشرين (COP21)؛ خاصة وأنها من الدول المتضررة من آثار التغيرات المناخية، وتواجه موجات حر وجفاف شديدة تؤثر على البنية التحتية والاقتصاد العام للبلاد.
كما تواجه فرنسا زيادة في حرائق الغابات، ويتسبب ارتفاع منسوب المياه في تهديد السواحل. مع ذلك؛ فهي من الدول المسؤولة تاريخيًا أيضًا عن تسارع التغيرات المناخية؛ بسبب إطلاقها لكميات هائلة من انبعاثات الغازات الدفيئة.
مع ذلك؛ تشجع فرنسا في السياسات المناخية خفض الانبعاثات والتخفيف.
ويقول الدكتور هشام عيسى عن فرنسا إنها “تعتمد على الطاقة النووية كحل أساسي لخفض الانبعاثات، وتدفع نحو سياسات أوروبية صارمة لخفض الكربون”.
3- دول الشمال الأوروبي
تضم دول الشمال الأوروبي مثل: السويد والدنمارك وفنلندا والنرويج أجزاء من القطب الشمالي، الذي يتسم بنظام بيئي خاص؛ فيه تنخفض درجات الحرارة دون الصفر، تلك الطبيعة القاسية تضم تنوعًا بيولوجيًا فريدًا، يجب الحفاظ عليه ودعمه، لكن مع ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية، قد يهلك ذلك النظام البيئي؛ خاصة مع ظاهرة ذوبان الجليد، إضافة إلى المشكلات الأخرى المتعلقة بزيادة هشاشة البنية التحتية وتأثر السكان.
وبحسب الدكتور هشام عيسى؛ فتلك الدول هي “الأكثر طموحًا، وتضع أهدافًا مبكرة لتحقيق الحياد الكربوني (بعضها قبل 2045)، وتُعتبر نموذجًا في الابتكار الأخضر”.
4- دول شرق أوروبا
تضم شرق أوروبا العديد من الدول المتأثرة بالتغيرات المناخية، مثل بولندا ورومانيا، وتعاني تلك الدول من ارتفاع درجات الحرارة وموجات الحر ونقص في تساقط الثلوج ما يقود إلى حدوث فيضانات وزيادة في وتيرة حرائق الغابات والعواصف، ما يؤثر على الصحة العامة والزراعة وموارد المياه والبنية التحتية، وكل هذا يؤثر سلبيًا على الاقتصاد.
وأوضح عيسى أنّ “اعتماد تلك الدول الكبير على الفحم، يزيد من هشاشتها الاقتصادية أمام التحولات المناخية”.
أما عن الموقف في السياسات المناخية؛ فتلك الدول بحسب عيسى هي “الأكثر تحفظًا، حيث تعتمد اقتصاديًا على الفحم وترى أن السياسات الأوروبية (مثل آلية الكربون الحدودي CBAM) قد تضر بتنافسيتها، لذا تطالب بفترات انتقالية ودعم مالي أكبر”.
وتؤثر الدول الأوروبية في التغيرات المناخية، كما تتأثر بها، لكن بدرجات متفاوتة، وليست كل الدول قادرة على التكيف، كما أنّ مواقفها في السياسات المناخية متباينة بناءً على مصالحها.
مع ذلك، فنفس الدول تقع عليها مسؤولية تاريخية في تسارع التغيرات المناخية خلال العصر الحديث، الأمر الذي صار يُشكل خطرًا على حياة ملايين بل مليارات البشر الذين يعيشون فوق سطح الأرض.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز