اسعار واسواق

ما جدوى المساهمات المحددة وطنيًا لخفض الانبعاثات حتى الآن؟ (حوار)


هل بدأنا نرى عوائد المساهمات المحددة وطنيًا لخفض انبعاثات غازات الدفيئة أم ما زلنا في طور التطور؟

مَثلّ عام 2015، نقطة فارقة في العمل المناخي؛ إذ خرج “اتفاق باريس” المنتظر من “مؤتمر الأطراف المعني بالتغيرات المناخية في دورته الحادية والعشرين” (COP21)، وتُشير المادة 4 من الاتفاق إلى ما يُسمى بـ”المساهمات المحددة وطنيًا” (NDCs)، وهي عبارة عن خطة عمل لخفض الانبعاثات الدفيئة تُقدمها الدول الأطراف الموقعة على اتفاق باريس كل 5 سنوات؛ فيما يُعرف بالجولات، وبالفعل تم تقديم الجولة الأولى بين عامي (2020 و2021)، بينما كانت الجولة الثانية في فبراير/شباط 2025، والغرض من خطة المساهمات المحددة وطنيًا، هو المساهمة في الحد من ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 أو 2 درجة مئوية مقارنة بمستويات عصر ما قبل الصناعة.

ويصف الدكتور “هشام عيسى”، المنسق المصري السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي” (UNFCCC)، في تصريحات لـ”العين الإخبارية” المساهمات المحددة وطنيًا على أنها: “تعتبر الأداة الأساسية التي تعبّر من خلالها كل دولة عن التزاماتها بخفض الانبعاثات والتكيف مع آثار تغير المناخ”.

بينما يرى الدكتور “جواد الخراز”، منسق مبادرة تيراميد أنّ: “التزامات الدول بالمساهمات المحددة وطنيًا (NDCs) تمثل عماد اتفاقية باريس، وهناك اهتمام واضح بها على المستوى العالمي، لكنها لا تزال في طور البناء والتعزيز حتى الآن، مع تقدم ملحوظ لكنه غير كامل”.

أين نحن الآن؟

باعتبار أنّ مؤتمر الأطراف المعني بالتغيرات المناخية في دورته التاسعة والعشرين (COP29)، هو القمة المناخية قبل موعد تسليم المساهمات المحددة وطنيًا في فبراير الماضي، كان على عاتق رئاسة COP29 رفع مستوى الطموح ودعم الآليات اللازمة لمساعدة الدول على تقديم مساهماتها المحددة وطنيًا؛ خاصة وأنّ COP29 كان يُطلق عليه “مؤتمر الأطراف المالي”؛ لأنه كان من المنتظر أن يُوضع فيه هدف تمويلي يدعم الطموح المناخي، ما يساعد الدول على وضع خطط مناخية مناسبة. مع ذلك، لم يُقدم التمويل الذي كان يأمله الكثيرون، فقط 300 مليار دولار سنويًا. وفي يونيو/حزيران الماضي، انعقد اجتماع بون للعام 2025 في مدينة بون الألمانية، وخلاله دعت رئاسة مؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30) الدول الأطراف لتقديم مساهماتها المحددة وطنيًا؛ إذ يُوفر COP30 مساحة لتناقش الدول الأطراف خططها المناخية المختلفة. لكن، حتى يوم 22 سبتمبر/أيلول 2025، لم تُقدم سوى 36 دولة؛ أي نحو 18% من الأطراف مساهماتها المحددة وطنيًا للعام 2035، بينما كان من المفترض أن تُسلمها الأطراف في فبراير الماضي.

التزامات على الورق؟

وعلى الرغم من التزام العديد من الدول لتقديم مساهماتها المحددة وطنيًا، إلا أنه غالبًا ما تكون تلك الخطط طموحة بما فيه الكفاية للوصول للأهداف المناخية المرجوة وتحقيق أهداف اتفاق باريس، ما يؤدي إلى فجوة. ويتجلى ذلك في الارتفاع المستمر لدرجات الحرارة؛ فوفقًا لـ”المنظمة العالمية للأرصاد الجوية” (WMO)؛ فقد تجاوز متوسط درجات الحرارة العالمية 1.45 درجة مئوية مقارنة بمستويات عصر ما قبل الصناعة في عام 2023، بينما بلغ 1.55 درجة مئوية في العام 2024، وهذا يُؤكد بالارتفاع المستمر لدرجات الحرارة. وفي هذا الصدد، يُعلق الدكتور “هشام عيسى”، قائلًا لـ”العين الإخبارية”: “مازالت التزامات على الورق أكثر منها على الأرض، حيث أنّ أغلب الدول قدّمت بالفعل مساهماتها المحددة وطنيًا، وبعضها حدّثها أكثر من مرة (كما هو مطلوب كل 5 سنوات)، لكن مستوى الالتزام الفعلي بالتنفيذ لا يزال متفاوتًا. كثير من الدول وضعت أهدافًا طموحة لكنها تفتقر إلى خطط تفصيلية أو سياسات قابلة للتنفيذ”.

تباين

يتجلى التباين بين المساهمات المحددة وطنيًا للدول النامية والمتقدمة، ويعود هذا في الأساس إلى اختلافات في القدرات الاقتصادية والمسؤوليات التاريخية فيما يتعلق بالتغيرات المناخية. ويرى الدكتور “هشام عيسى” أنّ “الدول المتقدمة تبدي التزامًا نسبيًا أوضح، لكن غالبًا ما تُتَّهم بأن سياساتها الفعلية (خاصة في الطاقة الأحفورية) لا تتماشى مع طموحات المساهمات المحددة وطنيًا؛ لاسيما عقب اندلاع الصراع الروسى الأوكرانى وانخفاض تدفق الغاز الروسى، مما أدى إلى عودة بعض الدول الأوروبية إلى الوقود الاحفورى، بينما الدول النامية تطرح خططًا طموحة لكنها تربط التنفيذ بالدعم المالي والتقني من المجتمع الدولي، وهو ما لم يتحقق بشكل كافٍ بعد”.

فجوات

وعلى الرغم من الطموح التي توضحها كل دولة عند تقديم مساهماتها المحددة وطنيًا؛ إلا أنّ هناك فجوات واضحة بين الطموح والتنفيذ الفعلي. ويُعلق الدكتور “هشام عيسى”، قائلًا لـ”العين الإخبارية”: “التقييم العالمي (Global Stocktake) أول تقييم عالمي لاتفاق باريس في COP28 (دبي، 2023) أظهر فجوة كبيرة بين الالتزامات الحالية والمسار المطلوب لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية. بمعنى أن الـمساهمات المحددة وطنيًا الحالية بعيدة عن المسار المطلوب”.

من جانبه، يرى الدكتور “جواد الخراز”، منسق مبادرة تيراميد والمدير السابق للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة بالقاهرة، أنّ “الالتزام الصارم يعاني من فجوات في التنفيذ، مثل نقص التمويل للدول النامية (أقل من 100 مليار دولار سنويًا الموعود بها) وتأخير التحديثات في دول كبرى مثل الصين والهند. ومع ذلك، الجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر 2025 ستكون فرصة لتعزيز الزخم، مما يجعل العملية لا تزال في مرحلة البناء الطموح”.

ماذا بعد؟

وعلى الرغم من الأهداف الطموحة لتعزيز آليات المساهمات المحددة وطنيًا للتخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة والتكيف مع التغيرات المناخية، إلا أنّ “معظم الدول لا تزال في مرحلة البناء والتطوير أكثر من مرحلة التنفيذ الصارم”، بحسب عيسى. ويتفق معه الخراز الذي يقول لـ”العين الإخبارية”: “الالتزام الصارم ما زال في طور التطور؛ إذ فشلت 95% من الدول في التقيد بالمهلة الأولى، ويتطلب الأمر آليات تنفيذ أقوى وتمويل دولي لضمان التحول نحو الطاقة المتجددة والتكيف مع التغير المناخي”.

مع ذلك، يرى الدكتور “هشام عيسى” أنّ هناك اهتمام متزايد بالفعل؛ خصوصًا مع ضغوط الأسواق، مثل “آلية تعديل حدود الكربون” (CBAM) الأوروبية، التي تجعل الالتزامات المناخية ترتبط بالتجارة والاقتصاد، لكن التطبيق العملي الشامل ما زال محدودًا”. ويتابع: “تُعتبر المساهمات المحددة وطنيًا أداة مركزية وهناك اهتمام عالمي بها، لكنها حتى الآن غير كافية من حيث الطموح والتنفيذ. الدول تتعامل معها بشكل تدريجي: من صياغة الالتزامات إلى وضع استراتيجيات وطنية، ثم التحول إلى التنفيذ، لكن الطريق ما زال طويلًا للوصول إلى التزامات صارمة وملزمة قانونيًا أو اقتصاديًا”.

بينما يرى الدكتور “جواد الخراز” أنّ: “الاهتمام واضح من خلال الإعلانات الأخيرة مثل تلك من الاتحاد الأوروبي (18 سبتمبر/أيلول 2025) حول نية تقديم المساهمات المحددة وطنيًا ما بعد 2030، والتي تشمل أهدافًا طموحة لتقليل الانبعاثات بنسبة 90% بحلول 2040، مما يعزز الالتزام الجماعي”. ويختتم قائلًا للعين الإخبارية: “في النهاية، هذه المرحلة بنائية حاسمة، وستحدد نجاح COP30 في تحويل الالتزامات إلى إجراءات ملموسة لمستقبل مستدام”.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى