كيف تستعد أوروبا لمواجهة التهديدات الراهنة؟ ‹ جريدة الوطن

التحدي الروسي:
كيف تستعد أوروبا لمواجهة التهديدات الراهنة؟
تتبنى دول الاتحاد الأوروبي عدداً من الإجراءات التي من شأنها تعزيز قدراتها الدفاعية، في محاولة لتحييد التهديدات التي تؤثر في الأمن الأوروبي، ومن هذه الإجراءات، التخصيص الأولي لصندوق دفاعي بقيمة 150 مليار يورو (175.6 مليار دولار) في إطار برنامج “العمل من أجل أمن أوروبا” (SAFE)، وتعزيز إجراءات الحماية الرقمية، بالإضافة لإطلاق مشروع إعادة تسليح أوروبا، ومُبادرة الكتاب الأبيض للدفاع عن أوروبا، واستراتيجية جاهزية الاتحاد، وغيرها من المبادرات والخطوات، في مواجهة التهديدات المختلفة التي يأتي على رأسها التهديد الروسي.
خطوات مُتلاحقة:
أعلنت المؤسسات الأوروبية عن عدد من الخطوات التي تصب في تعزيز دفاع الأمن الأوروبي، شمل ذلك ما يلي:
- تخصيص مالي لتعزيز الجاهزية الدفاعية: أعلنت المفوضية الأوروبية عن التخصيص الأولي لصندوق دفاعي بقيمة 150 مليار يورو (175.6 مليار دولار) في إطار برنامج “العمل من أجل أمن أوروبا (SAFE)”، وهو مبادرة تهدف إلى تعزيز جاهزية دفاع دول الاتحاد الأوروبي ومواجهة التحديات الأمنية المتزايدة في المنطقة، وذلك في ظل تصاعد التوترات الأمنية في القارة الأوروبية.
وبحسب المفوضية، سيتم توزيع التمويل على 19 دولة من بين الدول الأعضاء التي تقدمت بطلبات للدعم، استناداً إلى نظام تخصيص مبدئي يعكس الاحتياجات ومستوى الجاهزية الدفاعية لكل دولة، وستتحدد المبالغ النهائية وفقاً لمشاريع الدفاع التي تقدمها كل دولة ومدى توافقها مع أهداف البرنامج. وفي مقدمة الدول المُستفيدة، تحتل بولندا المرتبة الأولى بحصة تصل إلى 43.7 مليار يورو، تليها رومانيا بـ 16.68 مليار يورو، فيما تحصل فرنسا والمجر على 16.21 مليار يورو لكل منهما، كما شملت قائمة المستفيدين، إيطاليا بتمويل يصل إلى 14.9 مليار يورو، وبلجيكا بـ8.34 مليار يورو، وليتوانيا 6.37 مليار يورو، والبرتغال 5.84 مليار يورو، ولاتفيا 5.68 مليار يورو، كما تم تخصيص مبالغ أقل لدول أخرى مثل بلغاريا، وإستونيا، وسلوفاكيا، والتشيك، وكرواتيا، وإسبانيا، وفنلندا، واليونان، والدنمارك.
- خطاب حالة الاتحاد الأوروبي: عقد البرلمان الأوروبي مناقشته السنوية حول حالة الاتحاد الأوروبي؛ حيث ناقش النواب مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، حصيلة عمل المفوضية وخططها المستقبلية؛ حيث أكدت رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا، أن القارة بحاجة إلى وضوح وحسم لمواجهة التحديات الراهنة، مشيرة إلى أهمية تعزيز الأمن الأوروبي، ودعم بيئة الأعمال، وحماية الوظائف، والحفاظ على القيم الديمقراطية، في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا والأزمة الإنسانية في غزة؛ حيث شدَّدت رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين على أن المرحلة الحالية تمثل “لحظة استقلال أوروبا”، مؤكدة ضرورة امتلاك الاتحاد القدرة على الدفاع عن نفسه والتحكم في التقنيات والطاقة التي يعتمد عليها اقتصاده، كما أعلنت عن الحزمة التاسعة عشرة من العقوبات ضد روسيا، إضافة إلى إطلاق برامج لدعم القوات الأوكرانية وتعزيز القدرات الاستراتيجية الأوروبية، معربة عن تضامنها مع بولندا عقب انتهاك الطائرات الروسية المسيّرة لأجوائها.
- تعزيز إجراءات الحماية الرقمية: دخل “توجيه الاتحاد الأوروبي الجديد للأمن السيبراني “NIS2” حيز التنفيذ، بعد اعتماده في عام 2022 ودمجه في القوانين الوطنية للدول الأعضاء بحلول نهاية 2024، ويهدف التوجيه إلى تعزيز منظومة الحماية الرقمية في الاتحاد من خلال توسيع نطاق الالتزامات لتشمل قطاعات الطاقة والرعاية الصحية والنقل والاتصالات وإدارة النفايات، إضافة إلى البنية التحتية الحيوية، ويلزم التوجيه المؤسسات الأوروبية بتطبيق إجراءات مثل المصادقة مُتعددة العوامل، والتشفير، وأنظمة النسخ الاحتياطي، إلى جانب تعزيز أمن سلاسل التوريد، كما يحمّل المسؤولين التنفيذيين مسؤولية مباشرة عن أي إخفاق في الالتزام، مع إمكانية فرض غرامات مالية كبيرة أو قيود على أنشطة التشغيل، وتُلزم القواعد الشركات بالإبلاغ الفوري عن الحوادث السيبرانية الكبرى للسلطات الوطنية المختصة، وإثبات الامتثال إما من خلال عمليات داخلية أو تدقيقات مستقلة، تبعاً لآليات كل دولة.
مُبادرات مُوازية:
يأتي تمويل آلية SAFE الأوروبية كأداة لدعم الصناعات الدفاعية وزيادة قدرتها الإنتاجية، في إطار خطة أوسع لإعادة تسليح أوروبا وتقليل اعتمادها على الواردات الدفاعية، فيما يتزامن هذا التوجه مع مبادرة “الكتاب الأبيض” التي تهدف إلى وضع رؤية شاملة للسياسة الدفاعية والصناعية داخل الاتحاد، بما يتماشى مع أولويات تعزيز الأمن الجماعي ورفع جاهزية القارة لمواجهة التحديات المتصاعدة، وذلك على النحو التالي:
- مشروع إعادة تسليح أوروبا: أطلقت المفوضية الأوروبية خطة لإعادة تسليح أوروبا من خلال تعبئة 800 مليار يورو من أجل تعزيز القدرات العسكرية والصناعات الدفاعية الأوروبية، وقد تضمنت خطة إعادة تسليح أوروبا عدداً من المراحل منها تحرير الإنفاق العام في مجال الدفاع على المستوى الوطني، وتقديم أدوات جديدة لدفع الدول الأعضاء للاستثمار في المجال الدفاعي، وعلى اللجوء إلى آلية “قوة ميزانية الاتحاد الأوروبي” والتي تستهدف تشجيع الدول الأعضاء على توجيه مزيد من الاستثمارات في مجال الدفاع، وتتضمن المرحلة الأخيرة تعبئة رأس المال الخاص، من خلال زيادة الادخار والاستثمار عن طريق بنك الاستثمار الأوروبي.
- مُبادرة الكتاب الأبيض للدفاع عن أوروبا: تستهدف هذه المبادرة تقديم حلول يمكن من خلالها سد الفجوات المتعلقة ببناء القدرات، وتدشين قواعد صناعية دفاعية قوية، فمن خلال هذه المبادرة، سيتم اقتراح سبل جديدة للدول الأعضاء للاستثمار في قطاع الدفاع بصورة موسعة، وشراء أنظمة دفاعية وبناء جاهزية صناعة الدفاع الأوروبية على المدى الطويل، وكذلك زيادة المساعدات العسكرية المقدمة لأوكرانيا وتعزيز التكامل بين الصناعات الدفاعية الأوروبية والأوكرانية، عطفاً على تعزيز توطين الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الكمية في قطاع الدفاع، وكذلك تحسين التنقل العسكري والتخزين وتعزيز الحدود الخارجية، ولا سيما الحدود البرية مع روسيا وبيلاروسيا، فضلاً عن الدفع بشراكات دفاعية جديدة مع مختلف دول العالم.
- استراتيجية جاهزية الاتحاد: طرح الاتحاد الأوروبي استراتيجية الجاهزية، والتي يمكن من خلالها توفير حماية أفضل للخدمات الحيوية وضمان إيجاد حالة من التأهب المجتمعي، وزيادة التدابير الوقائية من خلال تنسيق أفضل بين أنظمة الحماية المدنية والعسكرية وأنظمة الاستجابة للأزمات، فضلاً عن تكثيف العمل مع الشركاء للتصدي للمخاطر والتهديدات الجديدة، مثل الهجمات السيبرانية؛ حيث تشمل استراتيجية الاتحاد الأوروبي للتأهب اتباع نهج أكثر استباقية على مستوى الحكومة بأكملها في إدارة الأزمات، في القطاعين المدني والعسكري على حد سواء، ويهدف الاتحاد الأوروبي من خلال هذه الاستراتيجية إلى دعم قدرة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على التنبه للمشكلات والأزمات المحتملة في وقت مبكر، وتحسين مرونته الشاملة في مواجهة الأحداث المتوقعة وغير المتوقعة على حد سواء، ولذلك سيعمل الاتحاد الأوروبي على التعاون والتنسيق مع حلف الناتو والشركاء الأوروبيين والأمم المتحدة من أجل تحقيق الأهداف المشتركة.
اتفاقيات ثنائية:
تزايدت الجهود الأوروبية الثنائية لتعزيز التعاون الأمني المشترك؛ تجلى هذا الأمر في توقيع عدة اتفاقيات ثنائية لتعزيز التعاون الأمني والدفاعي في أوروبا، أهمها ما يلي:
- اتفاق بريطاني إسباني: أعلنت كل من المملكة المتحدة وإسبانيا، في 3 سبتمبر 2025، عن إطلاق إطار استراتيجي ثنائي للتعاون الثنائي بين الجانبين، وعلى الرغم من أن الاتفاقية اشتملت على عدد من الملفات المتباينة؛ فإنها ركزت بصورة أساسية على الجوانب الأمنية والدفاعية، فقد نصت الاتفاقية على التزام الطرفين بتعزيز التعاون في الأمن والدفاع الأوروبي والأطلسي، من خلال تطوير القدرات المشتركة، ودعم تكامل العمل داخل حلف الناتو، والتنسيق مع أطر الاتحاد الأوروبي حيثما كان ذلك ملائماً، كما تم الاتفاق على الدفع نحو توقيع مذكرة تفاهم دفاعية تهدف إلى توحيد الرؤى بشأن التهديدات الاستراتيجية، وزيادة القدرة على تنفيذ عمليات مشتركة، وتوسيع مجالات التعاون الصناعي العسكري بما يشمل دعم الصناعات الدفاعية الوطنية والانفتاح على فرص تصديرية مشتركة، كما ركّزت الاتفاقية على مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة عبر تعزيز الشراكة العملياتية وتبادل المعلومات الأمنية في الوقت الفعلي، مع الاستفادة من آليات مثل الإنتربول ويوروبول، كما أكدت التعاون خارج حدود أوروبا لمواجهة تهديدات المخدرات والجريمة العابرة للحدود القادمة من أمريكا اللاتينية وإفريقيا، وذلك من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتقديم الدعم العملياتي، وبناء القدرات في دول العبور، كما اشتمل الجانب الأمني على التصدي للهجمات السيبرانية والتهديدات الهجينة، وتعزيز التعاون في مجالات العدالة الجنائية والهجرة، بما يشمل مكافحة تهريب البشر وشبكات الجريمة المنظمة المرتبطة بالهجرة غير النظامية، مع الالتزام بحماية حقوق المهاجرين، والفئات الأكثر هشاشة.
- اتفاق بريطاني ألماني: وقعت كل من بريطانيا وألمانيا، في 17 يوليو 2025، اتفاقية الصداقة والتعاون الثنائي بين البلدين، وبموجب هذه الاتفاقية تم استحداث مجالات جديدة للتعاون المشترك، إلا أن الجوانب الأمنية والدفاعية احتلت ركيزة أساسية من بنود الاتفاقية، فبموجب الاتفاقية يشترك الطرفان في الهدف الاستراتيجي المتمثل في تعزيز الأمن اليورو أطلسي وضمان الردع الفعّال ضد أي تهديد محتمل، من خلال بناء قوات دفاعية موثوقة ومرنة، وتعزيز قدراتها في جميع المجالات، وكذلك التحرك المشترك لدعم الصناعات الدفاعية وتعزيز قابلية التشغيل البيني والتكامل والتبادل العسكري الثنائي، كما يلتزم الطرفان بضمان الدعم المتبادل لحلف شمال الأطلسي، والعمل من أجل تحقيق رؤية منطقة يورو أطلسية آمنة من خلال تحسين وتعزيز التعاون الدفاعي الثنائي، والسعي إلى بناء شراكة طويلة الأمد بهدف تعزيز جاهزية الدفاع الأوروبي.
وكذلك تعتزم الأطراف تكثيف تعاونها من خلال قيادة سياسية مشتركة، وحوار معزز، وآليات متفق عليها، وستُعمِّق تعاونها في مجال الردع، وستقوم بمراجعة تعاونها بشكل دوري لمواجهة التهديدات المستقبلية في جميع المجالات، وكذا يعمل الطرفان على تعزيز التعاون الصناعي والقدراتي من خلال الدفع بنهج مشترك طويل الأمد يهدف إلى تطوير القدرات عسكرية، مع تقليل القيود الوطنية، وتعزيز القدرة التنافسية الصناعية، فيما تعترف الأطراف بأهمية وجود جدول أعمال موثوق به فيما يتعلق بعمليات النقل والتصدير، وذلك لضمان النجاح الاقتصادي والسياسي لتعاونهما الصناعي والحكومي المشترك، وكذلك احترام الصلاحيات الوطنية لكل منهما في الترخيص بنقل أو تصدير المنتجات المتعلقة بالدفاع، سواء من خلال برامج حكومية مشتركة أم من الإنتاج الصناعي الدفاعي.
- تعاون سويدي بولندي: أعلنت كل من السويد وبولندا عن توقيع خطاب نيات للتعاون العسكري التقني، وبموجب خطاب النيات، سيعمل الطرفان على تطوير التعاون في مجالات التسليح والصناعات الدفاعية، وتبادل الخبرات التقنية، إلى جانب إمكانية تنفيذ مشروعات مشتركة في مجال تطوير المعدات العسكرية، كما اشتمل خطاب النيات على التعاون في التدريب والتأهيل وتبادل المعلومات، بما يتيح للقوات المسلحة في البلدين تعزيز جاهزيتها وقدرتها على مواجهة التحديات المشتركة.
سياق مُضطرب:
تصاعدت التوترات في منطقة شرق أوروبا بعد هجوم روسي بطائرات مسيرة على أوكرانيا امتد للأجواء البولندية، فيما أجرت روسيا وبيلاروسيا تدريبات عسكرية مشتركة “زاباد-2025″، كما أطلق الناتو عملية “الحرس الشرقي” لتعزيز الأمن والقدرات الدفاعية في الجناح الشرقي، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:
- الهجوم الروسي على بولندا: شنت روسيا هجوماً جوياً واسع النطاق على أوكرانيا، تخلله استخدام طائرات مسيرة تجاوزت الحدود الجوية لأوكرانيا لتخترق المجال الجوي البولندي؛ مما أدى إلى تدخل قوات بولندا وحلف الناتو من خلال إطلاق سلسلة من الطائرات المقاتلة، لاعتراض الطائرات. فقد أعلنت القيادة العملياتية للجيش البولندي أن الهجوم الروسي، الذي استهدف أهدافاً داخل الأراضي الأوكرانية، تزامن مع اختراق للأجواء البولندية عبر أكثر من اثنتي عشرة طائرة من دون طيار روسية؛ الأمر الذي دفع القوات البولندية والناتو إلى إرسال مقاتلات واعتراض هذه الطائرات المسيرة.
فيما أكد البيان العسكري البولندي أن الهجوم الروسي يمثل “اختباراً واضحاً للغرب”؛ حيث حاولت روسيا توسيع نطاق العمليات العسكرية إلى ما وراء الحدود الأوكرانية؛ مما دفع الجيش البولندي إلى اتخاذ إجراءات دفاعية عاجلة تشمل استخدام الأسلحة المضادة للطائرات لتدمير الأهداف المخترقة، وأوضح البيان أن العمليات مستمرة لتحديد مواقع الطائرات المسيرة التي تم إسقاطها عقب هذه الاعتداءات.
- مناورات عسكرية مشتركة بين روسيا وبيلاروسيا: حيث بدأت كل من روسيا وبيلاروسيا إجراء تدريبات عسكرية مشتركة تحت اسم “زاباد-2025″، وتستمر هذه التدريبات حتى 16 سبتمبر الجاري، وتهدف بشكل رئيسي إلى اختبار جاهزية قوات البلدين في مواجهة أي هجوم عسكري محتمل، بالإضافة إلى تعزيز القدرة على استعادة الأراضي التي قد تُفقد وتأمين الحدود المشتركة لما يسمى بـ”دولة الاتحاد” بين روسيا وبيلاروسيا.
ووفقاً لما أعلنته وزارتا الدفاع في روسيا وبيلاروسيا، فإن التدريبات تُقسم إلى مرحلتين، المرحلة الأولى تركز على الدفاع والتنسيق بين القوات، في حين تهدف المرحلة الثانية إلى استعادة الأراضي التي تم فقدانها وهزيمة القوات “المعادية”، وتجرى المناورات في مناطق متعددة من البلدين، فضلاً عن البحر البلطيقي والبارنتس، فيما أشارت موسكو إلى أنها وجهت دعوات لمراقبين من تحالفات دفاعية واقتصادية تقودها كل من روسيا والصين.
- إطلاق عملية الحرس الشرقي: أعلنت عمليات قيادة الحلفاء (الوحدة المسؤولة عن تنفيذ كافة عمليات الناتو) عن إطلاق عملية “الحرس الشرقي” في الجناح الشرقي لحلف الناتو خلال الأيام المقبلة على أن تستمر لفترة ممتدة، وذلك لحماية وتعزيز أمن الحلفاء الأوروبيين، في أعقاب الهجوم الجوي الذي شنته روسيا على بولندا، في إشارة إلى أن الاختراق الروسي للمجال الجوي البولندي، لا يأتي بمعزل عن التطورات التي تشهدها المنطقة، ولا يقتصر على بولندا وحدها، بل يمتد للأمن الأوروبي بشكل عام، فيما تستهدف هذه العملية تعزيز القدرات الجوية للحلفاء الأوروبيين، وتعزيز قدرات الردع والتموضع للقوى الأوروبية.
عوامل مؤثرة:
يوجد عدد من العوامل المؤثرة في طبيعة القدرات الدفاعية الأوروبية، وذلك على النحو التالي:
- استمرار النهج الاستقلالي في تعزيز القدرات الدفاعية: فعلى الرغم من المبادرات التي طرحتها المفوضية مثل خطة إعادة إعمار أوروبا والورقة البيضاء ومبادرة الجاهزية؛ فإنه من الناحية الفعلية يتم إعطاء أولوية للسياسات المتخذة على المستوى الوطني، كما أن العديد من دول الاتحاد الأوروبي فضلاً عن الدول الأعضاء في حلف الناتو، تعمل على توظيف أنظمة دفاعية مختلفة، وكذلك يوجد اتجاه عام رافض لفكرة “جيش الاتحاد الأوروبي” ومن ثم فالركيزة الأساسية لتعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية غائبة.
- حدود الدور المُستقبلي لحلف الناتو: خاصة في ضوء تذبذب الموقف الأمريكي بشأن استمرارية قيادة الحلف، إلا أنه لا يزال الإطار الأمني الأساسي الذي تلجأ إليه الدول الأوروبية؛ ومن ثم تثار عدد من التساؤلات بشأن مدى نجاح الدول الأوروبية في الوفاء بالتزاماتها الدفاعية بداخل الحلف، فضلاً عن آليات ربط الهياكل الأساسية لحلف الناتو بالاتحاد الأوروبي من خلال التنسيق الدفاعي والاقتصادي (استثمارات-صناعات دفاعية).
- تطوير شبكة جديدة من الحلفاء: حيث يفرض المشهد الأمني الحالي، أهمية التحرك لتعزيز وبناء شبكة جديدة من التحالفات الأمنية غير المقتصرة على الدول كفواعل رئيسية في النظام الدولي، حيث سيتعين على الاتحاد الأوروبي تعزيز الشراكة مع الجهات الفاعلة مثل شركات الأسلحة أو الشركات التكنولوجية والابتكارية، وكذلك تعزيز الشراكة القائمة بالفعل مع الدول ذات الرؤية المماثلة للدول الأوروبية.
- إعادة ترميم الجبهة الداخلية: في ظل تصاعد الأصوات الداعية إلى خفض الإنفاق العسكري لعدد من الأسباب منها أن زيادة الميزانية الدفاعية ستتم على حساب برامج الرعاية الاجتماعية، أو قد تسهم في تعزيز عسكرة أوروبا من خلال تأجيج سباق التسلح مع روسيا؛ ومن ثم فإن نجاح المبادرات على المستوى الأوروبي سيرتبط بمدى نجاح القادة الأوروبيين في الزج بخطاب الرفاهة الاقتصادي ودور الإنفاق الدفاعي في توفير فرص عمل والدفاع عن القيم المشتركة.