اسعار واسواق

التغيرات المناخية تتغلب على الأنهار الجليدية الصامدة


تتسارع التغيرات المناخية بطريقة جعلت أكثر الأنهار الجليدية صموداً في مواجهة الخطر.

تُلقب جبال آسيا المرتفعة بالقطب الثالث، ويأتي ذلك اللقب من طبيعتها التي تضم احتياطات هائلة من المياه الذائبة، ما يجعلها في المرتبة الثانية بعد القطبين الشمالي والجنوبي، كل هذا يحفظ توازن النظام البيئي على الأرض، لكن مع تفاقم الاحترار العالمي، تذوب الأنهار الجليدية، ما يزعزع استقرارها. على الرغم من أنّ التغيرات المناخية تؤثر على الأنهار الجليدية وتتسبب في ذوبانها، لكم كانت هناك بعض الأنهار الجليدية في جبال بامير وكاراكورام في آسيا الوسطى مستقرة وربما تنمو، وكان ذلك وضعًا غريبًا أو مفاجئًا، ما جعل العلماء يُطلقون على هذا السلوك اسم “شذوذ بامير-كاراكورام”. وكانت هذه الحالة غير مفهومة. لذلك، فكروا في سؤال، هل هذه هي آخر الأنهار الجليدية القادرة على الصمود في وجه التغيرات المناخية؟

هذا دفع مجموعة بحثية دولية لدراسة تلك الظاهرة، لكن واجهتهم بعض التحديات بسبب ندرة البيانات، وللتغلب على هذا التحدي، أنشأ الباحثون عام 2021 شبكة رصد على نهر كيزيلسو الجليدي شمال غرب بامير، وسط طاجيكستان، وتقع هذه المحطة المناخية على ارتفاع يقل عن 3400 متر فوق مستوى سطح البحر. ومن خلال المحطة جمعوا بيانات شاملة حول تساقط الثلوج وموارد المياه في المنطقة. واستخدموا تلك الملاحظات والبيانات في إنشاء نموذج حاسوبي يمكنهم من محاكاة سلوك النهر الجليدي بين عامي 1999 إلى 2023.

تُشير الدراسة المنشورة في دورية “كوميونيكاشنز إيرث آند إنفيرونمنت” (Communications Earth & Environment) في 2 سبتمبر/أيلول 2025، إلى أنّ هناك نقطة تحوّل حول استقرار الأنهار الجليدية في المنطقة حدثت عام 2018؛ إذ انخفض معدل تساقط الثلوج وازداد ذوبان النهر الجليدي، حتى أنه عوّض ثُلث موارد المياه المفقودة نتيجة انخفاض هطول الأمطار. وخلص الباحثون إلى أنه من المحتمل أن تكون الحالة الشاذة من الاستقرار النسبي لذلك النهر الجليدي في مواجهة التغيرات المناخية قد وصلت إلى نهايتها.

تواصلت العين الإخبارية مع الدكتور “أشيل جوبيرتون” (Achille Jouberton)، المؤلف الرئيسي للدراسة من أجل حوار خاص بخصوص الدراسة.

إليكم نص الحوار..

1- تُظهر دراستكم أن نهر كيزيلسو الجليدي فقد استقراره عام 2018، ما هي العوامل الرئيسية وراء هذا التحول، ولماذا يُعتبر نقطة تحول في أبحاث علم الجليد؟

نجد أن معدل هطول الأمطار السنوي انخفض منذ عام 2018 عن متوسط ​​الفترة 1999-2023، ما يعني أن النهر الجليدي شهد تساقطًا أقل للثلوج، وكان أكثر عرضة لدرجات الحرارة المرتفعة التي شهدتها فصول الصيف الأخيرة. يمكن اعتبار هذا نقطة تحوّل؛ لأنه مع استمرار ارتفاع درجة حرارة الهواء مستقبلًا، تتضاءل فرص عودة النهر الجليدي إلى حالة الاستقرار بشكل متزايد. نعلم بالفعل أنه في عامي 2024 و2025، ظلت كميات الأمطار منخفضة، ما أدى إلى المزيد من الخسائر في الكتلة الجليدية.

2- كيف أثر غياب البيانات لعقود في طاجيكستان على فهمنا لسلوك الأنهار الجليدية؟ وما مدى أهمية إعادة بناء شبكات الرصد في هذه المناطق؟

إن غياب البيانات الأرضية يجعلنا نعتمد على عمليات رصد الاستشعار عن بُعد لتقييم التغيرات في سلوك الأنهار الجليدية. ومع ذلك، فإن الدقة الزمنية لبيانات الأقمار الصناعية منخفضة نسبيًا، ما يجعل النمذجة الأداة الرئيسية المتبقية التي تسمح لنا بفهم سلوك الأنهار الجليدية خلال فترة فجوة البيانات. من المهم إعادة بناء شبكات الرصد؛ لأن قدرة نماذجنا على تمثيل العمليات المناخية والثلجية والجليدية تعتمد على توافر البيانات الميدانية لتصحيح انحرافات المدخلات الجوية وتقييم النماذج.

3- ما المنهجية التي استخدمتموها لمحاكاة ديناميكيات أحواض الأنهار الجليدية من عام 1999 إلى عام 2023؟ وما مدى موثوقية هذه النماذج، في ظل محدودية البيانات؟

استخدمنا نموذجًا بيئيًا هيدرولوجيًا لمحاكاة التفاعل بين ديناميكيات الطاقة والمياه والغطاء النباتي على سطح الأرض. يتضمن هذا النموذج حسابات توازن الطاقة على الثلج والجليد النظيف والأنهار الجليدية المغطاة بالحطام، ويحاكي توازن المياه في مستجمعات المياه المرتفعة. ونُشغّل النموذج على أساس فاصل زمني كل ساعة من 1 أكتوبر/تشرين الأول 1999 إلى 30 سبتمبر/أيلول 2023.

ورغم محدودية البيانات، ازدادت موثوقية النموذج باستخدام البيانات الأرضية لتقييد المُدخلات الجوية وتقييم أدائه. وقد أظهرنا أن أداء نموذجنا جيد مقارنةً بمختلف الملاحظات (مثل ارتفاع الثلوج)، ما يجعلنا واثقين من نتائج النموذج.

4- كيف ساهم التعاون مع الباحثين المحليين في طاجيكستان في نجاح المشروع؟ وما قيمة دمج المعرفة المحلية في علم المناخ؟

كان التعاون مع الباحثين المحليين في طاجيكستان أساسيًا في عدد من الجوانب. أولًا، كانت التأشيرات وتصاريح البحث ضرورية للوصول إلى الأنهار الجليدية وإجراء العمل هناك، وقد مكّننا من ذلك مدير معهد الأبحاث المحلي (مركز أبحاث الأنهار الجليدية، الأكاديمية الوطنية الطاجيكية للعلوم). ثانيًا، ساعدنا الباحثون المحليون في تحديد موقع موقع الرصد، وتسهيل التواصل مع الرعاة المحليين الذين يعيشون بالقرب من النهر الجليدي خلال أشهر الصيف. وأخيرًا، كان لمساعدتهم في جميع مراحل البعثات الميدانية العديدة أهمية بالغة في إنشاء شبكة الرصد هذه والحفاظ عليها.

الدكتور «أشيل جوبيرتون» (حقوق الصورة: توماس شو)

5- ما هي أكبر التحديات التي واجهتموها خلال البعثات الميدانية إلى جبال بامير؟ كيف استطعتم التأقلم مع الظروف القاسية والعزلة الجغرافية؟

كانت أكبر التحديات هي اللغة والطعام والبعد. كان لدى العلماء المحليين معرفة أساسية باللغة الإنجليزية، والتي تحسنت عامًا بعد عام، ما مكّننا من التواصل مع آخرين لم تكن تربطنا بهم لغة مشتركة. يختلف طعام آسيا الوسطى اختلافًا كبيرًا عن الطعام الذي اعتدت عليه في فرنسا والنمسا، وخاصةً أثناء العمل الميداني، لكننا اعتدنا عليه وتعلمنا تقديره. أدى البعد إلى تحديين: عدم وجود شبكة هاتف، ما جعلنا شبه معزولين عن بقية العالم خلال الأسابيع التي قضيناها بالقرب من النهر الجليدي.

قلت تقريبًا، لأننا دائمًا ما نحمل جهازًا يتيح لنا إجراء مكالمات أو إرسال رسائل عبر الأقمار الصناعية، ونستخدمه لتحديث زملائنا في النمسا وسويسرا بشكل فوري. كما أن بُعد المسافة يجعل التعامل مع الأمراض والإصابات المحتملة أكثر صعوبة، لكننا خضعنا لتدريبات مع فرق طبية جبلية في أوروبا، كما جلبنا صيدلية ميدانية شاملة، مما يجعلنا مستعدين للتعامل مع مجموعة واسعة من الحالات الطارئة. ولحسن الحظ، لم نواجه أي مشكلات كبيرة في أي من الحملات الميدانية التي أجريناها حتى الآن.

6- ما هي أسئلة البحث التي تخططون لاستكشافها لاحقًا؟ هل هناك خطط لتوسيع شبكة الرصد لتشمل أنهارًا جليدية أخرى في آسيا الوسطى؟

أنا مهتم بمستقبل هذه الأنهار الجليدية وموارد الثلوج، لذا أخطط لتوسيع نطاق نمذجتي حتى نهاية القرن (2100) باستخدام توقعات المناخ المستقبلية. أنا مهتم بشكل خاص بالتغير في تساقط الثلوج الناتج عن التحول من تساقط الثلوج إلى هطول الأمطار بسبب استمرار الاحترار، وتأثيره على الثلوج والأنهار الجليدية. هدفنا الرئيسي هو مواصلة الرصد الذي بدأ في نهر كيزيلسو الجليدي لسنوات.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى