7 أكتوبر.. نقطة تحول في خريطة التجارة العالمية

شكّلت هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 التي تبعتها حرب واسعة في قطاع غزة، تحولا استراتيجيا في المشهدين الجيوسياسي والاقتصادي في العالم.
وبينما ركّزت الأنظار على التصعيد العسكري، كانت ممرات التجارة العالمية تواجه تحديات غير مسبوقة، أعادت التأكيد على أهميتها الحيوية لكن أيضا هشاشتها.
والشرق الأوسط، الذي يربط، بموقعه الجغرافي الحيوي، بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، يضم عددًا من أهم الممرات البحرية، مثل قناة السويس، وباب المندب، ومضيق هرمز، إلى جانب شرق المتوسط وخطوط الطاقة. ومع تصاعد التوتر في المنطقة على وقع أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول وما تلاها من حرب على مدار عامين، تحولت هذه الممرات إلى بؤر محتملة للصراع، مما أثر بشكل مباشر على حركة التجارة العالمية.
قناة السويس
وتُعد قناة السويس المصرية ممرًا حيويًا يمر عبره نحو 12% من حجم التجارة العالمية. لكن مع تصاعد المخاطر الأمنية في البحر الأحمر وشرق المتوسط، بدأت شركات الشحن العالمية أواخر 2023 وأوائل 2024 في تغيير مساراتها لتجنب القناة، مفضّلة طريق رأس الرجاء الصالح الأطول.
وهذا التحول رفع مدة الرحلات بنحو أسبوعين، وزاد تكاليف الشحن بنسبة تتراوح بين 30% و50%، مما انعكس على أسعار السلع واضطراب سلاسل التوريد العالمية.
باب المندب
في الجنوب، شهد مضيق باب المندب تصاعدًا في الهجمات باستخدام طائرات مسيّرة وصواريخ استهدفت السفن التجارية، خاصة المرتبطة بإسرائيل أو الدول الغربية. مليشيات الحوثي، المدعومة إيرانيا، كانت الجهة الرئيسية المنفذة لتلك الهجمات، ما دفع شركات ملاحة عديدة إلى تعليق عبورها أو اتخاذ إجراءات أمنية مكلفة، رغم محاولات دولية، بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا، لتأمين الممر.
مضيق هرمز
رغم أن العمليات العسكرية تركزت على غزة وإسرائيل، فإن التوتر مع إيران ألقى بظلاله على مضيق هرمز، الذي تمر عبره نحو 20% من إمدادات النفط العالمية. التهديدات المحتملة لهذا الممر الحساس رفعت أسعار النفط بنسبة 15 إلى 20% خلال الأسابيع التي أعقبت الهجوم، وسط مخاوف من توسع رقعة النزاع ليشمل الخليج.
تحولات في أنماط الشحن والتجارة
ومع تصاعد المخاطر، بدأت شركات النقل العالمية في إعادة رسم مساراتها. وإلى جانب الاعتماد المتزايد على طريق رأس الرجاء الصالح، اتجهت بعض الشركات لاستخدام النقل الجوي رغم تكلفته العالية، بهدف تجاوز التأخيرات. كما أعادت الأزمة إحياء الاهتمام بمشاريع بديلة للممرات البحرية التقليدية، مثل “الممر الاقتصادي الهندي – الشرق الأوسط – أوروبا”، الذي تدعمه الولايات المتحدة وشركاء خليجيون وأوروبيون، إضافة إلى مشاريع سكك حديدية وموانئ تهدف إلى تنويع طرق الإمداد.
ما أبرز التداعيات الاقتصادية العالمية لـ7 أكتوبر؟
ولم يقتصر التأثير على الملاحة فقط، بل أدى ارتفاع تكاليف النقل والتأمين إلى ضغوط تضخمية عالمية، لا سيما في أوروبا التي تعتمد بشكل كبير على قناة السويس لاستيراد الطاقة والبضائع من آسيا والشرق الأوسط. كما تأثرت الجداول الزمنية للتوريد، وارتفعت أسعار السلع وأقساط التأمين البحري، مما زاد من أعباء الشركات والمستهلكين حول العالم.
دروس استراتيجية من أحداث 7 أكتوبر
وأظهرت أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول أن التجارة العالمية تعتمد على ممرات محدودة، يسهل تهديدها عند نشوب الأزمات. وهذه الممرات، التي كانت تُعامل كمجرد قنوات عبور، تحولت إلى نقاط ارتكاز في النزاعات الجيوسياسية. وفي ظل عالم مترابط يعتمد على التدفق السلس للسلع والطاقة، فإن أي اضطراب في هذه المسارات يؤثر على الاقتصاد العالمي بأسره.
ومع استمرار التوترات في المنطقة يُتوقع أن تبقى تكاليف الشحن والتأمين مرتفعة، وأن تتسارع الجهود لإنشاء ممرات بديلة، وتعزيز التحالفات البحرية الدولية لحماية طرق التجارة الحيوية.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز