تجدد حرب التجارة يقربنا من نظام عالمي ثنائي الأقطاب (حوار)

تشهد العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين توترًا جديدا، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نيته فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100% على السلع الصينية اعتبارًا من الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وجاء التهديد ردًا على قرار بكين إخضاع المنتجات الأجنبية التي تحتوي على عناصر أرضية نادرة صينية لرقابة صارمة.
ويبدو أن صفحة “الهدوء النسبي” التي سادت بين العملاقين الاقتصاديين مؤخرا قد طُويت، لتفتح الباب أمام جولة جديدة من حرب اقتصادية عالمية، يتوقع خبراء أن تتجاوز تأثيراتها المجال التجاري إلى أسواق التكنولوجيا والطاقة والعملة.
ويرى محللون أن الصين، التي تسيطر على نحو 70% من إنتاج العالم من هذه المعادن، تستخدم هذه الورقة للرد على القيود الأمريكية المفروضة على تكنولوجيا أشباه الموصلات، وهو ما اعتبره البيت الأبيض “تهديدًا مباشرًا للأمن الصناعي الأمريكي”.
“العين الإخبارية” حاورت الخبير الاقتصادي الفرنسي جان-جوزيف بوايو، أستاذ الاقتصاد الآسيوي في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس للوقوف على تداعيات تجدد حرب التجارة بين أمريكا والصين.
العالم على أعتاب نظام تجاري ثنائي القطب جديد
وقال بوايو لـ”العين الإخبارية”، إن ما يحدث بين واشنطن وبكين اليوم “ليس مجرد نزاع تجاري بل تحوّل بنيوي في النظام الاقتصادي العالمي”.
وأضاف بوايو: “الولايات المتحدة تسعى إلى إعادة بناء سلاسل الإمداد الصناعية بعيدًا عن الصين، خاصة في قطاع التكنولوجيا الفائقة. في المقابل، تحاول بكين ترسيخ استقلالها التكنولوجي عبر استثمارات ضخمة في مجالات الرقائق الإلكترونية والطاقة المتجددة. نحن أمام مواجهة طويلة المدى بين نموذجين اقتصاديين مختلفين تمامًا”.
ويرى الخبير أن القرار الصيني الأخير بشأن المعادن النادرة يُعد رسالة سياسية أكثر من كونه إجراءً اقتصاديًا، قائلًا: “الصين تعرف تمامًا أن السيطرة على هذه المعادن تمنحها قوة تفاوضية هائلة. إنها ترسل إشارة مفادها: إذا أصر الغرب على خنقها تكنولوجيًا، فبإمكانها الرد عبر سلاسل التوريد الصناعية التي يعتمد عليها الجميع”.
انعكاسات على أوروبا
وحول موقف أوروبا من هذا التصعيد، قال بوايو: “الاتحاد الأوروبي سيكون الخاسر الأكبر من هذه الحرب التجارية، لأنه يعتمد على المواد الخام الصينية وعلى التكنولوجيا الأمريكية في الوقت نفسه. أي تصعيد سيجعل أوروبا مُجبرة على الاختيار بين شريكين استراتيجيين لا يمكنها الاستغناء عن أحدهما”.
وأضاف: “الشركات الأوروبية التي حاولت في السنوات الأخيرة تنويع سلاسل التوريد عبر فيتنام والهند والمكسيك، ستجد نفسها في مأزق. هذه البدائل لا تستطيع تعويض القدرات الصينية بالسرعة المطلوبة”.
سيناريوهات المرحلة المقبلة
ويتوقع بوايو أن يشهد العالم خلال العام المقبل انقسامًا واضحًا في سلاسل الإنتاج والتجارة الدولية بين كتلتين: الكتلة الأمريكية التي تضم دول أمريكا الشمالية وحلفاء واشنطن في أوروبا وآسيا، والكتلة الصينية التي تمتد من شرق آسيا إلى أفريقيا وأجزاء من الشرق الأوسط.
وأضاف الخبير الاقتصادي الفرنسي: “إذا استمر التصعيد على هذا النحو، فقد نرى نهاية منظمة التجارة العالمية بصيغتها الحالية، وبداية ما يمكن تسميته بـ”نظام تجاري ثنائي القطب” شبيه بالحرب الباردة ولكن بأدوات اقتصادية بحتة”.
تحذيرات من ركود عالمي جديد
وأشار الخبير الفرنسي إلى أن الاقتصاد العالمي لا يحتمل حربًا تجارية جديدة بهذا الحجم، موضحًا أن ارتفاع الرسوم الجمركية سيؤدي إلى زيادة التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا، وتباطؤ النمو في الصين، وانخفاض حركة التجارة العالمية بنحو 15% خلال عام واحد إذا استمر التصعيد. النتيجة المحتملة هي ركود عالمي يُعيدنا إلى أجواء ما بعد أزمة 2008.
وأضاف بوايو أن تداعيات هذه المواجهة الجديدة بين واشنطن وبكين لن تقتصر على المجال التجاري فحسب، بل ستمتد إلى أسواق التكنولوجيا والطاقة والعملات، موضحًا أن التصعيد الجمركي قد يؤدي إلى اضطراب سلاسل التوريد العالمية في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، وزيادة التقلبات في أسعار النفط والغاز، فضلًا عن ضغوط محتملة على سعر صرف اليوان والدولار، مما يهدد بمرحلة جديدة من عدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي.
تصعيد من طرف ترامب… وارتباك في الأسواق
الرئيس الأمريكي، المعروف بتقلب مواقفه تجاه نظيره الصيني شي جين بينغ، كتب مساء الجمعة منشورًا لاذعًا على منصته “تروث سوشال” قال فيه: “كنت سألتقي بالرئيس شي بعد أسبوعين في قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في كوريا الجنوبية، لكن يبدو أنه لم يعد هناك سبب لذلك”.
وأضاف ترامب أنه يدرس “زيادة هائلة في الرسوم الجمركية على السلع الصينية”، في خطوة تهدف إلى الضغط على بكين لتعديل سياساتها الصناعية والتكنولوجية.
وبعد ساعات من التصريح، أعلن البيت الأبيض أن واشنطن تدرس فرض قيود جديدة على استخدام الشركات الصينية للبرمجيات الأمريكية المتقدمة، في إشارة إلى البرمجيات المستخدمة في تطوير الرقائق الدقيقة والمعالجات، ما زاد من قلق الأسواق العالمية.
الرد لم يتأخر: المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية حذّر من أن بلاده “لن تتردد في اتخاذ الإجراءات الضرورية للدفاع عن مصالحها الاستراتيجية”، مشيرًا إلى أن “الابتزاز الاقتصادي لن ينجح مع الصين”.
خسائر فورية في الأسواق المالية
وأحدثت التصريحات الأمريكية هزة قوية في وول ستريت، حيث تراجع مؤشر “ناسداك” للتكنولوجيا بنسبة 3.56%، فيما هبط مؤشر “داو جونز” بأكثر من 2.7% في ختام تعاملات الجمعة.
وتراجعت أسهم شركات الإلكترونيات والاتصالات التي تعتمد على سلاسل التوريد الصينية، مثل “أبل” و”إنتل” و*”تسلا”*، في وقت سجلت الأسواق الآسيوية انخفاضات متزامنة وسط حالة من القلق من حرب تجارية شاملة تُعيد مشاهد عام 2019.
المعادن النادرة كورقة ضغط
وبدأت الأزمة بعد إعلان بكين الأسبوع الماضي عن آلية رقابة جديدة على تصدير المنتجات الأجنبية التي تحتوي على “العناصر الأرضية النادرة” المستخرجة في الصين، وهي معادن استراتيجية تُستخدم في الصناعات الدقيقة مثل البطاريات، وأجهزة الاتصالات، والسيارات الكهربائية.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز