عودة «اليائس» إلى باريس.. تحفة كوربيه تستقر في متحف أورسيه بعد عقدين من الغياب

بعد غيابٍ دام عقدين، تعود لوحة “اليائس” للفنان غوستاف كوربيه إلى باريس، في إعارة طويلة الأمد من متاحف قطر لمتحف أورسيه لمدة خمس سنوات.
بعد غيابٍ امتد نحو عشرين عامًا عن الجمهور الفرنسي، يستعيد متحف “أورسيه” في باريس واحدة من أهم روائع الفن الواقعي في القرن التاسع عشر، وهي لوحة “اليائس” للفنان الفرنسي غوستاف كوربيه (1819-1877). هذه التحفة الفنية تعود إلى العاصمة الفرنسية بفضل إعارة طويلة الأمد من هيئة متاحف قطر تمتد لخمس سنوات على الأقل، في إطار تعاون ثقافي متزايد بين الدوحة وباريس.
أعلن متحف أورسيه لوكالة الصحافة الفرنسية أن لوحة “اليائس”، التي تُعد أشهر بورتريه ذاتي للفنان كوربيه، ستُعرض مجددًا أمام الجمهور الفرنسي بعد غيابٍ استمر قرابة العقدين.
عمل نادر من بدايات كوربيه
رسم كوربيه لوحته “اليائس” بين عامي 1844 و1845، وهو في الخامسة والعشرين من عمره، حيث يظهر في حالة انفعال شديد، بعينين متسعتين وملامح مشدودة تعبّر عن الخوف أو الجنون، في مشهدٍ تتقاطع فيه الظلال والأنوار بأسلوب يعكس مهارته الاستثنائية في التحكم بالضوء والتعبير الإنساني.
وصف بول بيرين، أمين متحف أورسيه، اللوحة بأنها «الأكثر عمقًا وتعبيرًا عن العاطفة في سلسلة بورتريهات كوربيه الذاتية»، مؤكدًا أنها تُبرز عبقريته في التقنية والتكوين الفني.
عرض محدود ومسار ملكية خاص
تبلغ أبعاد اللوحة 45×54 سم، وكانت نادرًا ما تُعرض للعامة، إذ شوهدت آخر مرة في فرنسا خلال المعرض الاستعادي الكبير المخصص لكوربيه بين عامي 2007 و2008، والذي جال باريس ونيويورك ومونبلييه.
لم تكن اللوحة يومًا ضمن المجموعات العامة الفرنسية، إذ تنقلت بين مقتنين خواص لسنوات طويلة. ووفقًا لمصادر فنية، كانت ملكًا لصندوق استثماري تابع لبنك “بي إن بي باريبا” الفرنسي، قبل أن تشتريها هيئة متاحف قطر (Qatar Museums) من مالك خاص، في صفقة لم يُعلن عن قيمتها أو تاريخ إتمامها.
اتفاق ثقافي بين الدوحة وباريس
الإعارة الطويلة التي تمتد لخمس سنوات على الأقل جاءت نتيجة اتفاق وُقّع في أبريل/نيسان2025 بين رئيسة متاحف قطر الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني ومدير متحف أورسيه الراحل سلفان أميك، أحد أبرز المختصين في أعمال كوربيه، والذي توفي بشكل مفاجئ في أغسطس/آب2025 قبل أن يشهد تحقيق مشروعه الثقافي.
صرّحت جوليا بورطون، المديرة العامة لمتحف أورسيه، لوكالة الصحافة الفرنسية قائلة: «كان أميك متحمسًا للغاية لإعادة تقديم هذه التحفة لجمهورنا، واليوم نكرّم ذكراه من خلال عرض هذا العمل الذي سيبقى رمزًا للجسر الثقافي بين باريس والدوحة».
من جهتها، أكدت الشيخة المياسة آل ثاني في بيان رسمي أن هذا التعاون يجسّد «إيمان قطر بأن الثقافة قوة تتجاوز الحدود»، مشيرة إلى أن اللوحة ستتنقل بانتظام بين متحفي الدوحة وباريس ضمن شراكة فنية طويلة الأمد، إلى حين افتتاح متحف “آرت ميل” للفن الحديث والمعاصر في الدوحة عام 2030.
ريشة كوربيه والاضطرابات السياسية
ارتبطت أعمال كوربيه غالبًا بالتحولات السياسية في فرنسا، إذ اضطر إلى بيع العديد من لوحاته بعد نفيه إلى سويسرا عقب مشاركته في كومونة باريس عام 1871. ومن أبرز مقتني أعماله لاحقًا عالم النفس الفرنسي جاك لاكان، الذي امتلك لوحته الشهيرة “أصل العالم”، قبل أن تنضم إلى مجموعات متحف أورسيه في عام 1995.
جسر ثقافي بين الشرق والغرب
عودة لوحة “اليائس” إلى باريس لا تُمثل مجرد حدث فني، بل تعبيرًا عن حيوية الحوار الثقافي بين الشرق والغرب، وعن مكانة الفن كجسر يربط الحضارات.
فبين ريشة كوربيه الواقعية في القرن التاسع عشر ورؤية قطر الثقافية في القرن الحادي والعشرين، تستعيد باريس اليوم ملامح القلق الإنساني في وجه فنانٍ جعل من الثورة والجمال طريقًا للتعبير عن ذاته، لتغدو “اليائس” شاهدًا جديدًا على تواصل الإبداع بين زمنين وقارتين.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=
جزيرة ام اند امز