اقتصاد إسرائيل بعد توقف الحرب.. فاتورة باهظة وسباق صعب نحو التعافي

في أعقاب اتفاق غزة الذي أنهى جولة طويلة من التصعيد بين إسرائيل وحركة حماس، بدأت ملامح مرحلة جديدة تتشكل في المنطقة، لا على الصعيدين السياسي والأمني فحسب، بل على الصعيد الاقتصادي أيضا.
بينما تتجه الأنظار إلى جهود التهدئة وإعادة الإعمار، تكشف المؤشرات المالية عن فاتورة باهظة دفعتها إسرائيل جراء الحرب، سواء من حيث تراجع الاستثمارات أو تضرر القطاعات الحيوية كالسياحة والتكنولوجيا والتجارة الخارجية، ما يثير تساؤلات حول قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على التعافي بعد واحدة من أطول وأعنف الأزمات في تاريخه الحديث.
ووفقا لبيانات رسمية رصدتها العين الإخبارية، تجاوزت الأعباء المالية للحرب مئات المليارات من الشواكل، في ظل تراجع مؤشرات النمو والاستثمار، وارتفاع قياسي في النفقات الدفاعية التي ضغطت على الموازنة العامة وسوق العمل والسياسات النقدية لبنك إسرائيل.
وبحسب تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية، بلغت تكلفة الحرب حتى الآن نحو 300 مليار شيكل (89.4 مليار دولار)، فيما وصل الإنفاق العسكري في عام 2024 إلى 168 مليار شيكل (51.3 مليار دولار)، أي أكثر من ضعف مستواه في عام 2022، بحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل.
هذه الأعباء الضخمة انعكست مباشرة على البنية التحتية والقطاعات الاقتصادية الحيوية، لتدفع بنك إسرائيل إلى خفض توقعاته للنمو من 3.3% إلى 2.5% فقط.
تلقى قطاع التكنولوجيا والابتكار — الذي يُعد العمود الفقري للاقتصاد الإسرائيلي — الضربة الأقوى، بعد تراجع الاستثمارات الأجنبية وتقلص التمويل الدولي، إلى جانب نقص الكفاءات البشرية نتيجة استدعاء قوات الاحتياط.
ووفقا لتقارير إسرائيلية أدت هذه التطورات إلى إضعاف الإنتاجية وتعطيل مشروعات كبرى، فضلا عن تراجع صادرات التكنولوجيا بسبب اضطراب سلاسل الإمداد العالمية.
لم تسلم قطاعات الطاقة والغاز الطبيعي من تداعيات الحرب، إذ توقف الإنتاج في بعض الحقول البحرية وتراجعت الثقة في مشاريع الغاز الإقليمية، ما كبّد تل أبيب خسائر بمليارات الدولارات.
أما قطاع السياحة، فتكبّد خسائر تُقدّر بنحو 12 مليار شيكل (3.4 مليارات دولار) نتيجة عزوف الزوار وإلغاء الفعاليات، وهو ما انعكس سلبًا على فرص العمل والإيرادات العامة.
الارتباك الأمني والسياسي انعكس بدوره على حركة التجارة والاستثمار الخارجي، حيث أُلغيت مؤتمرات وصفقات بمليارات الدولارات، وتكبدت الصناعات العسكرية خسائر كبيرة بعد فسخ عقود تسليح مع دول أوروبية وآسيوية، كانت تمثل رافدًا رئيسيًا للدخل الخارجي لإسرائيل.
وعلى مدار العامين الماضيين، وجدت إسرائيل نفسها في مواجهة مفتوحة على أكثر من جبهة، إذ تم إطلاق نحو 37500 صاروخ باتجاه أراضيها منذ اندلاع الحرب، ما زاد من أعباء الإنفاق العسكري والضغط على مؤسسات الدولة، ودفع الاقتصاد نحو حالة “الطوارئ الدائمة”.
يقول الدكتور علي الإدريسي، أستاذ الاقتصاد الدولي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، إن الاقتصاد الإسرائيلي رغم الضغوط الهائلة “لم ينهَر”، لكنه يعمل بوتيرة أبطأ بكثير مما قبل الحرب.
ويضيف في تصريح لـ”العين الإخبارية” أن “الاقتصاد الإسرائيلي يقوم على قاعدة إنتاجية متنوعة تشمل التكنولوجيا المتقدمة والصناعات الدفاعية والخدمات المالية والزراعة الحديثة، وهي قطاعات مرنة قادرة على التعافي بسرعة نسبية بعد الأزمات”.
ويؤكد الإدريسي أن الدعم الخارجي لعب دورًا حاسمًا في الحفاظ على التوازن، موضحًا أن “المساعدات الأمريكية والأوروبية منحت إسرائيل غطاءً اقتصاديًا واستراتيجيًا يمنع الانهيار الكامل، سواء عبر الدعم العسكري أو من خلال تسهيلات استثمارية ومالية”.
ويتابع: “المؤسسات الاقتصادية في إسرائيل تتعامل بانضباط وواقعية؛ فالبنك المركزي والحكومة تدخلا بسياسات نقدية ومالية سريعة لدعم القطاعات المتضررة، وتحفيز الاستثمار في التكنولوجيا والأمن السيبراني، وضبط معدلات التضخم، وهي إجراءات عززت الثقة في الأسواق ومنعت الهلع المالي”.
كما يشير إلى أن طبيعة المجتمع الإسرائيلي القائمة على ريادة الأعمال والمبادرات الفردية ساهمت في تماسك الاقتصاد، إذ واصلت الشركات الناشئة — خصوصًا في مجالات التكنولوجيا والأمن — نشاطها واستقطابها للاستثمارات رغم ظروف الحرب.
من جانبه، يرى الدكتور عز الدين حسنين، الخبير الاقتصادي المصري، أن “الاقتصاد الإسرائيلي يعيش حالة اقتصاد حرب مزمنة، لكنها لم تمنع نمو الناتج المحلي الاسمي”.
ويقول لـ”العين الإخبارية”: “بلغ الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 نحو 515 مليار دولار، وارتفع في 2024 إلى 540 مليار دولار، فيما يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل إلى 585 مليار دولار بنهاية 2025”.
ويشرح حسنين أن هذا النمو “اسمي وليس حقيقيًا”، موضحًا أن ارتفاع الأسعار والتضخم الناتج عن الإنفاق العسكري الضخم هو السبب في هذا الارتفاع، بينما تراجع الناتج الحقيقي بفعل انخفاض الصادرات وتراجع الاستثمارات الأجنبية ونقص العمالة.
ويضيف أن الدعم المالي والعسكري الأمريكي، البالغ 3.8 مليار دولار سنويًا، إلى جانب شراء الأسواق العالمية للسندات الإسرائيلية، يشكّل شبكة أمان تحافظ على استقرار الشيكل وتدعم الاحتياطات الأجنبية.
ويتابع: “المجتمع الإسرائيلي يتحمل عبء الحرب عبر زيادة الضرائب وتراجع مستويات الرفاهية، باعتبارها تضحية وطنية لدعم الجيش والحفاظ على استقرار الدولة”.
وإلى جانب الخسائر الاقتصادية، تكبّدت إسرائيل خسائر بشرية كبيرة، إذ تجاوز عدد القتلى في صفوف القوات المسلحة والأمنية ألف جندي وضابط، فيما بلغ عدد الجرحى نحو 29935 شخصًا، بينهم حوالي 20 ألف عسكري، وفق تقرير رسمي صادر عن وزارة الدفاع الإسرائيلية.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز