شاحنات بلا سائق.. أوكرانيا تُجنّد الآلة في الميدان بدل الجندي

في حربٍ تُخاض من السماء وتخضع للرقابة من كل زاوية، لجأ الجنود الأوكرانيون إلى وسيلة جديدة للبقاء في مواجهة الخطر المتزايد للطائرات المسيّرة الروسية التي لا تفارق الأجواء.
فبدلاً من إرسال الجنود عبر خطوط النار، باتت الشاحنات المسيرة التي يتم التحكم بها عن بُعد تؤدي المهام الأكثر خطورة، من نقل الذخيرة والمؤن إلى إجلاء المصابين من “منطقة الموت” – المنطقة التي تفصل بين الجبهات والخطوط الخلفية، حيث يمكن لأي حركة أن تكون هدفاً قاتلاً.
هذه المركبات غير المأهولة، تحولت، بحسب صحيفة «ذا صن»، إلى شريان الإمداد الأخير للجيش الأوكراني في جبهات القتال المشتعلة شرق البلاد، وأحد أبرز تجليات الحرب الحديثة التي باتت تُدار بالتكنولوجيا بقدر ما تُخاض بالجنود.
يقول أحد مُشغّلي هذه المركبات، والذي يستخدم الاسم الحركي هورنت: “طالما تملأ الطائرات المسيّرة السماء، علينا أن نستخدم طائرات مسيّرة على الأرض. هذه المركبات تنقذ الأرواح. لماذا نخاطر بالجنود في وقت يمكننا فيه الاعتماد على الآلات؟ إنها تنقذ الأرواح… وتوفر المال أيضاً”.
كانت الصحيفة البريطانية شاهدة على إحدى هذه المهمات السرية في ضواحي خاركيف، حيث خرجت مركبة شحن آلية تحت جنح الظلام، مُحمّلة بالإمدادات، تسير بصمتٍ تام تحت غطاء من التمويه المضاد للطائرات المسيّرة، في مشهد يُجسّد التحول الجذري في طبيعة القتال: الإنسان يوجّه، والآلة تنفذ.
التكنولوجيا بدل الجنود
هورنت، الذي كان يعمل منسقاً لشاحنات النقل قبل الحرب، أوضح أن خطر الاستهداف يمتد إلى أكثر من 12 ميلاً خلف خطوط الجبهة، وأن التطور التقني الأخير – لا سيما الطائرات المسيّرة المزودة بخيوط ألياف بصرية مقاومة للتشويش – جعل المعارك أكثر تعقيداً وخطورة؛ إذ يمكن للطائرات أن تبقى على اتصال مباشر بمشغّلها لمسافات تصل إلى 25 ميلاً.
تتنوع المركبات التي يستخدمها فريقه بين عربات صغيرة مجنزرة أو مزودة بعجلات، بعضها مصمم لزرع الألغام الأرضية، وبعضها الآخر مزود بقاذفات قنابل أو رشاشات ثقيلة.
أما النسخة الأكبر، المسماة “تور 1000” فتستطيع حمل نحو 800 كيلوجرام من الإمدادات وقطع مسافة 25 ميلاً بسرعة تقارب 16 كيلومتراً في الساعة. وتُستخدم هذه المركبة في نقل الذخائر، والبطاريات، وألواح الخشب لتدعيم الخنادق، وحتى في حمل الطائرات المسيّرة الهجومية.
ومن شوارع خاركيف المدمّرة إلى خطوط النار الممتدة عبر الشرق الأوكراني، تتغير ملامح الحرب يوماً بعد الآخر.
فلم تعد المعارك تُحسم فقط بالبندقية أو المدفع، بل بالقدرة على الابتكار والتكيّف مع واقعٍ جديد أصبحت فيه الآلة شريكاً للإنسان في البقاء.
وما بين الدمار والصمت، تهمس هذه الشاحنات الحديدية بحقيقة واحدة: “أن التكنولوجيا، حتى في ميادين الموت، قد تكون أحياناً… وسيلة للحياة”.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز