إقالات جيش مالي والإرهاب.. أوراق جديدة بمواجهة عدو قديم

إقالات في مالي تشمل ضباطا كبارا بالجيش، تختزل توجها نحو إعادة هيكلة أعلى هرم المؤسسة العسكرية بمواجهة آفة الإرهاب.
ويرى خبراء سياسيون متخصصون في شأن مالي أن التغييرات الأخيرة التي أجراها المجلس العسكري الحاكم في مالي داخل المؤسسة العسكرية تعكس حالة القلق المتزايد من تصاعد التهديد الإرهابي في البلاد.
كما تكشف عن محاولة لإعادة هيكلة القيادة بهدف استعادة السيطرة على الميدان بعد شهور من الانتكاسات الأمنية.
تغيير جذري
وأعلن رئيس المجلس العسكري في مالي الجنرال آسيمي غويتا عن إقالة ثلاثة من كبار قادة الجيش وتعيين بدلاء لهم، في خطوة وُصفت بأنها محاولة “إنقاذ استراتيجي” بعد تدهور الأوضاع الأمنية في عدة مناطق من البلاد، خاصة في الوسط والشمال حيث تصاعدت هجمات الجماعات الإرهابية.
ومن بين أبرز الأسماء التي تمت ترقيتها، الجنرال توماني كوني الذي أصبح رئيس أركان الجيش البري، ويعرف بخبرته الميدانية الكبيرة، إذ كان سابقاً قائداً للعمليات العسكرية في سيفاري وسط مالي.
وهذه المنطقة من أكثر المناطق التي شهدت نشاطاً مكثفاً للمجموعات الإرهابية التابعة لتنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين”، بحسب إذاعة “إر.إف.إي” الفرنسية.
ويؤكد مقربون منه أنه “قادر على التعرف على معظم القادة الإرهابيين في المنطقة عن بعد”، ما يجعل تعيينه رسالة واضحة بأن القيادة العسكرية الجديدة تريد مواجهة مباشرة مع تلك الجماعات.
«رسالة مزدوجة»
في تعقيبه على التطورات، يقول الباحث السياسي المالي بوكاري سنغاري، إن هذه الإقالات “تعكس إدراك القيادة الحاكمة لفشل المقاربة العسكرية الأحادية في مواجهة التنظيمات الإرهابية”.
وفي حديث لـ”العين الإخبارية”، يضيف سنغاري، وهو باحث مستقل في “معهد الدراسات الأمنية” بباماكو، ومتخصص في قضايا التطرف والعنف في وسط مالي، أن “الجنرال غويتا يحاول من خلال هذه التغييرات بث رسالة مزدوجة”.
وموضحا: “من جهة يؤكد للجمهور المالي أن الجيش يتجدد وأن هناك محاسبة داخلية، ومن جهة أخرى يرسل إشارة للشركاء الدوليين بأن باماكو لا تزال جادة في محاربة الإرهاب رغم انسحاب قوات فاغنر الروسية من بعض الجبهات”.
من جهته، يعتبر الدكتور إسحاق ك. سوارِه، الباحث المشارك في “معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” ضمن برنامج الساحل وغرب أفريقيا، ومتخصص في قضايا الأمن والسلام والحوكمة في القارة الأفريقية، أن الخطوة “سياسية بقدر ما هي عسكرية”.
ويضيف سواره، لـ”العين الإخبارية”، أن “الوضع الميداني متدهور، والإرهابيون فرضوا منذ أكثر من شهر حصاراً على إمدادات الوقود في بعض المناطق، ما جعل السكان يعيشون أزمة خانقة”.
وتابع في تصريحات لـ”العين الإخبارية”: ” لذلك، أراد النظام العسكري أن يظهر تحركا سريعا يطمئن الشارع ويعيد البعض من الثقة إلى المؤسسة العسكرية.
وبحسب الخبير، فإن “الاختبار الحقيقي للقيادات الجديدة سيكون في قدرتها على دمج المقاربة الأمنية مع جهود المصالحة المحلية”، لافتا إلى أن “الاعتماد فقط على القوة العسكرية لن ينهي الأزمة، بل قد يطيل أمدها إن لم ترافقه حلول سياسية واقتصادية شاملة”.
شخصيات جديدة وسياق معقد
إلى جانب كوني، تم تعيين الجنرال إليسيه جان داو نائباً لرئيس أركان الجيش العام، وهو دبلوماسي سابق شغل منصب سفير مالي في الغابون ثم في الصين، ويُعد من المقربين لوزير الدفاع الحالي ومن أبناء الحرس الوطني.
كما تسلم الجنرال سامبو مينكورو دياكيتي منصب رئيس الأمن العسكري، وهو ضابط معروف بانضباطه وحزمه، وهو الأول على دفعته العسكرية.
وتشير المصادر إلى أن مهمته الأساسية ستكون “تحقيق نتائج ملموسة في أقرب وقت”.
وتأتي هذه التغييرات في وقت تعيش فيه مالي وضعا أمنيا متدهورا، إذ تواجه القوات المسلحة هجمات متكررة من الجماعات الإرهابية التي تسيطر على مساحات واسعة من المناطق الريفية.
ومنذ أكثر من شهر، أعلنت تلك الجماعات حصاراً على إمدادات الوقود في بعض المقاطعات، مما زاد من معاناة السكان المحليين.
ويؤكد مراقبون أن إعادة ترتيب هرم القيادة العسكرية لن تكون كافية ما لم ترافقها إصلاحات شاملة في هيكلة الجيش وتحسين التنسيق مع القوى الإقليمية، في ظل استمرار الانقسامات الداخلية وغياب الدعم الدولي الفعال.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز