«تحول جذري».. تحرك أوروبي مشترك ضد تمدد الإخوان بمؤسسات التكتل

تحرك جديد ضد الإخوان في أوروبا، على المستوى الأوروبي هذه المرة، يهدف بالأساس إلى إغلاق قنوات التمويل، وتجفيف قدرات الجماعة.
وقال خبراء في الشؤون السياسية والأمنية، إن أوروبا تشهد تحولًا جذريًا في مقاربتها تجاه تمدد جماعة الإخوان داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بعد أن قررت ثلاث دول محورية، فرنسا والنمسا وهولندا، التحرك المشترك لوقف التمويلات التي تصل إلى جمعيات مرتبطة بالإسلام السياسي.
وكشفت مجلة “لوبوان” الفرنسية، أن وثيقة أوروبية تحمل عنوان: “ضمان احترام القيم الأوروبية من قبل الكيانات المستفيدة من التمويلات الأوروبية” صادرة من كل من فرنسا والنمسا وهولندا، إلى مجلس الشؤون العامة في الاتحاد الأوروبي، دعت إلى تشديد الرقابة على التمويلات الأوروبية الممنوحة للمنظمات غير الحكومية، ولا سيما الجمعيات المنتمية للإسلام السياسي، التي يشتبه بارتباط بعضها بجماعة الإخوان في أوروبا.
ويبدو أن ساعة الحزم قد دقت في العواصم الأوروبية، فبعد سنوات من التساهل والغموض حيال الجمعيات المقربة من تنظيم الإخوان، قررت كل من فرنسا والنمسا وهولندا توحيد موقفها وممارسة ضغط مباشر على المفوضية الأوروبية بقيادة أورسولا فون دير لاين.
الهدف واضح، وهو وقف تدفق الأموال الأوروبية إلى مؤسسات يُشتبه بترويجها لأجندة سياسية-دينية تتعارض مع القيم الأوروبية، وفق مراقبين.
انتفاضة أوروبية
من جانبه، قال أستاذ العلاقات الدولية في معهد الدراسات السياسية بباريس، والمتخصص في الحركات الإسلامية، جان-بيير فيليو لـ” العين الإخبارية”، إن هذا التحرك ليس وليد اللحظة، بل نتيجة تراكمات طويلة من الفضائح التي كشفت اختراقًا ممنهجًا لشبكات الإخوان داخل فضاءات المجتمع المدني الأوروبي، عبر مشاريع تموَّل من ميزانيات مخصّصة للشباب والتعليم وحقوق الإنسان”.
ويأتي ذلك بعد أن قدمت باريس وفيينا ولاهاي في 21 أكتوبر/تشرين الأول ما يُعرف بـ”الورقة غير الرسمية” إلى مجلس الشؤون العامة للاتحاد الأوروبي، تحمل عنوانًا دبلوماسيًا لكنه حاد المضمون: “ضمان احترام القيم الأوروبية من قبل الكيانات المستفيدة من التمويل الأوروبي”.
الرسالة، بحسب المسؤولين الفرنسيين، واضحة: لن يذهب بعد اليوم أي يورو من أموال دافعي الضرائب إلى جمعيات أو شبكات تتبنى خطاب الإخوان أو تبرر الكراهية أو معاداة السامية.
تمويلات أوروبية مثيرة للجدل
تقرير لصحيفة دي فيلت الألمانية في يناير/كانون الثاني، كان من أوائل من دقّ ناقوس الخطر. فقد كشف أن برامج مثل “Erasmus+” و”CERV” و”Life” الأوروبية، قد موّلت مؤسسات ذات صلة بقيادات أو أفكار تتعارض مع المادة الثانية من معاهدة الاتحاد الأوروبي، والتي تنص على احترام الكرامة الإنسانية والحرية والديمقراطية وسيادة القانون.
أبرز الأمثلة التي أثارت الجدل، منظمة “فيميسو” الشبابية التي أطلقت حملات حول “الحرية في ارتداء الحجاب” وُصفت بأنها تُغذي خطابًا طائفيًا، وشبكة “ENAR” المناهضة للعنصرية، المتهمة بإفساح المجال أمام شخصيات ذات صلات فكرية بالإخوان للمشاركة في فعالياتها، ومنظمة الإغاثة الإسلامية التي أثارت تساؤلات متكررة حول مصادر تمويلها وخطابها.
بدوره، قال الباحث الفرنسي في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية وخبير في شؤون التطرف السياسي والديني في أوروبا، هوغ كوتييه، لـ”العين الإخبارية”، إن المشكلة لم تكن فقط في سوء النية، بل في ضعف أدوات الرقابة.
وأضاف أن الاتحاد الأوروبي لم يطور حتى الآن آلية تقييم حقيقية للتأكد من التزام الجمعيات الممولة بروح القيم الأوروبية وليس فقط بنصوصها الإدارية.
ملامح المبادرة الجديدة
وتدعو الورقة الفرنسية-النمساوية-الهولندية إلى آلية ضبط شاملة تشمل، عقود التزام بالقيم الأوروبية لكل منظمة متلقية للتمويل، وشفافية كاملة في سلاسل التمويل، بما في ذلك الشركاء غير المباشرين، ومساءلة قانونية لقيادات الجمعيات عن أي خرق للقيم الديمقراطية، وآليات تدقيق وعقوبات واضحة تصل إلى سحب التمويل أو حظر التعاون مستقبلاً.
فيليو وصف هذا التحول بأنه “نقلة نوعية من التساهل البيروقراطي إلى الرقابة السياسية-القيمية”، فيما يرى كوتييه أنه “خطوة ضرورية لتجفيف منابع التغلغل الأيديولوجي الذي استغل ثغرات العمل المدني الأوروبي”.
وفي هذا السياق، تحاول باريس وشركاءها بلورة معيار موحد للشفافية يضمن التوازن بين دعم المجتمع المدني وحماية الاتحاد من استغلال سياسي أو ديني منظم.
واعتبر فيليو التحرك الثلاثي يمثل بداية تحول في الوعي الأوروبي تجاه خطر التغلغل السياسي للإخوان المسلمين عبر أدوات المجتمع المدني.
وأشار إلي أنه بينما تسعى المفوضية إلى الحفاظ على حرية العمل الجمعياتي، تزداد قناعة الدول الأعضاء بأن الحرية لا تعني التساهل مع من يعمل على تقويضها من الداخل.
فيليو مضى قائلا: “المعركة اليوم ليست ضد الدين، بل ضد مشروع سياسي يتستر خلفه. أوروبا بدأت أخيرًا تفهم أن الدفاع عن قيمها يتطلب وضوحًا وشجاعة”.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=
جزيرة ام اند امز




