اسعار واسواق

الذهب سيواصل قفزاته مع استمرار تهافت البنوك المركزية


سجل سعر الذهب مؤخراً رقماً قياسياً جديداً مدفوعاً بطلب عالمي غير مسبوق، حيث يتدافع المستثمرون الأفراد وصناديق المؤشرات والبنوك المركزية في الدول الناشئة، خصوصًا في الصين وروسيا، نحو المعدن الأصفر.

وقال الخبير الاقتصادي الفرنسي ومؤسس ورئيس شركة الأبحاث الاستثمارية Gavekal Research، شارلز جاف، لـ “العين الإخبارية” حول الأسباب وراء الارتفاع التاريخي في أسعار الذهب عالميًا، والتي تجاوزت للمرة الأولى حاجز 4100 دولار للأوقية، مسجلةً ارتفاعًا بنسبة تفوق 50% خلال عام واحد إن هذا الارتفاع غير المسبوق يعكس تحولًا في سلوك المستثمرين والبنوك المركزية.

ويرى الخبير أن هذا الارتفاع غير المسبوق يعكس تحولًا في سلوك المستثمرين والبنوك المركزية، خصوصًا في الدول الناشئة مثل الصين وروسيا، التي تتجه نحو تعزيز احتياطياتها من الذهب على حساب الدولار الأمريكي والعملات الغربية الأخرى، في إطار ما يُعرف بعملية “نزع الدولرة”.

وأضاف جاف أن الطلب الكبير على صناديق الاستثمار المتداولة المرتبطة بالذهب كان من أبرز العوامل التي غذّت هذه القفزة، إذ جعلت تلك الأدوات المالية امتلاك الذهب وتداوله أمرًا سهلًا ومتاحًا على نطاق واسع، مما زاد الإقبال الشعبي والاستثماري عليه.

 أما من الناحية الجيوسياسية، فقد أدت العقوبات المالية الغربية، خصوصًا على روسيا بعد حرب أوكرانيا، إلى تعزيز توجه العديد من الدول نحو الذهب باعتباره ملاذًا آمنًا خاليًا من المخاطر السياسية.

ويتوقع الخبير أن يستمر ارتفاع الذهب خلال العامين المقبلين، مدفوعًا بموجة الشراء المتواصلة من البنوك المركزية والمستثمرين الأفراد، مشيرًا إلى أن بعض المؤسسات المالية مثل غولدمان ساكس رفعت توقعاتها لسعر الأوقية إلى 4900 دولار بحلول نهاية عام 2026.

ويرى أن هذا الاتجاه لا يحمل فقط انعكاسات مالية عالمية، بل يمثل أيضًا تحديًا للنظام النقدي الدولي القائم على الدولار، وقد يعيد تشكيل ميزان القوة الاقتصادية بين الشرق والغرب.

ففي يوم الثلاثاء 14 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تجاوز سعر الأونصة من الذهب حاجز 4100 دولار أمريكي للمرة الأولى، أي بزيادة تتجاوز 50% منذ بداية العام.

وهذا الارتفاع السريع فاق جميع التوقعات التحليلية تقريبًا، ما جعله أشبه بعملية تضاعف في القيمة منذ بداية الصعود مطلع عام 2024. وقد أدى ذلك إلى إقبال هائل من المستثمرين والمدخرين، حتى تشكلت طوابير طويلة أمام محلات الصرافة وتجار المعادن الثمينة.

ويعود هذا الارتفاع التاريخي إلى مجموعة من العوامل؛ منها القلق الاقتصادي الناتج عن ارتفاع ديون الدول، والشلل المالي في الولايات المتحدة، والمخاوف من فقدان استقلالية الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

وأوضح الخبير الاقتصادي الفرنسي أنه إذا خضع الأخير لضغوط سياسية لخفض أسعار الفائدة، فقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع التضخم مجددًا، وهو ما يجعل الذهب الملاذ الآمن التقليدي في مثل هذه الأزمات.

وتابع:” مع ذلك، لا تفسر هذه العوامل وحدها القفزة القياسية، فارتفاع الذهب مستمر منذ سنوات في مسار تصاعدي طويل الأمد، ما يجعل السبب الأكثر إقناعًا هو الطلب المتزايد على صناديق المؤشرات المتداولة في البورصة المرتبطة بالذهب”.

وأشار إلى أن هذه الأدوات المالية تتيح للمستثمرين شراء وبيع الذهب بسهولة في الأسواق المالية كما لو كان سهمًا أو سندًا، وهو ما جعل الاستثمار في الذهب أكثر سهولة وانتشارًا من أي وقت مضى.

ولفت إلى أن الطلب القوي من الدول الناشئة، وخصوصًا الصين وروسيا، ساهم في دعم الأسعار؛ إذ تقوم هذه الدول بتحويل جزء من احتياطياتها النقدية إلى ذهب على حساب العملات الكبرى مثل الدولار.

ووفقًا لصندوق النقد الدولي، فقد زادت احتياطيات هذه الدول من الذهب بنسبة 161% منذ عام 2006 لتصل إلى حوالي 10,300 طن، مقابل نمو بنسبة 50% فقط خلال نصف القرن السابق (1955-2005).

ويرتبط هذا التحول باستخدام الولايات المتحدة والدول الغربية للعقوبات المالية كسلاح سياسي، الأمر الذي دفع موسكو وبكين إلى تقليص اعتمادها على الدولار. فمنذ عام 2006، أصبحت روسيا من كبار مشتري الذهب، وسرّعت وتيرة الشراء بعد ضمّ شبه جزيرة القرم عام 2014، بينما تسعى الصين إلى “نزع الدولرة” تدريجيًا بتقليل حيازتها من السندات الأمريكية.

وقد تعزز هذا الاتجاه بعد استبعاد روسيا من نظام المدفوعات الدولي Swift، ومناقشة الغرب إمكانية مصادرة أصول روسية لتمويل الحرب في أوكرانيا، ما جعل العديد من البنوك المركزية في الأسواق الناشئة تعتبر العملات الغربية مخاطرة سياسية، في حين يُنظر إلى الذهب كخيار أكثر أمانًا.

أما عن المستقبل، فقال الخبير الاقتصادي الفرنسي إن استمرار الطلب من البنوك المركزية الروسية والصينية، إلى جانب إقبال المستثمرين على صناديق ETF، ينبئ بمزيد من الارتفاعات المحتملة.

ووفقًا لمجلس الذهب العالمي، فقد بلغت تدفقات الاستثمار في هذه الصناديق 26 مليار دولار في الربع الثالث من العام، و64 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى، فيما رفعت غولدمان ساكس توقعاتها لسعر الأونصة إلى 4900 دولار بحلول نهاية عام 2026.

وفي المقابل، تستفيد أستراليا، ثالث أكبر منتج عالمي للذهب بنسبة 19% من الاحتياطيات المعروفة، من هذه الطفرة. ويتوقع وزارة الصناعة والعلوم والموارد الأسترالية أن تتجاوز قيمة صادرات الذهب العام المقبل صادرات الغاز الطبيعي المسال، ليصبح الذهب ثاني أكبر صادرات البلاد بعد خام الحديد.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=

جزيرة ام اند امز

NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى