تشارلز غاف… اقتصادي متمرد يرسم ملامح أسواق العالم

في عالمٍ يزداد اضطراباً بفعل الأزمات الاقتصادية وتقلّبات الأسواق، يبرز اسم تشارلز غاف كأحد أكثر الأصوات جرأة واستقلالية في التحليل المالي.
الاقتصادي الفرنسي، المولود في حلب عام 1943، اشتهر بمواقفه الليبرالية وانتقاداته الحادة للاتحاد الأوروبي، وبقراءاته التي كثيراً ما سبقت الأحداث.
وقدّم غاف مؤخراً رؤيته حول مستقبل الاقتصاد العالمي، محذّراً من ركود يهدد أوروبا وفرنسا تحديداً، ومؤكداً في المقابل على استمرار صعود آسيا كمحرك رئيسي للنمو العالمي.
وبين فكرٍ اقتصادي متحرر واستراتيجية استثمارية “مضادة للهشاشة”، يواصل غاف تحدي التيار السائد برؤية تجمع بين الخبرة، المخاطرة، والواقعية.
المولد والنشأة
ويعد تشارلز غاف أحد أبرز الشخصيات في عالم الاقتصاد والمال المعاصر. وُلد في مدينة حلب السورية في 14 سبتمبر/أيلول عام 1943 لأسرة فرنسية، حيث كان والده ضابطاً.
وتنقل في طفولته بين سوريا وفرنسا، وهو ما ساهم في تشكيل رؤيته العالمية للشؤون الاقتصادية والسياسية. بعد عودته إلى فرنسا، التحق بمعهد العلوم السياسية في تولوز، قبل أن يتابع دراسته في الولايات المتحدة ويحصل على ماجستير إدارة الأعمال، جامعاً بذلك بين العمق الأكاديمي الفرنسي والانفتاح العملي الأمريكي.
مسيرة مهنية ملهمة
بدأ غاف مسيرته المهنية كمحلل مالي في بنك “سوز” حيث اكتسب خبرة دقيقة في قراءة الأسواق وتقييم المخاطر.
وبعد انتخاب فرانسوا ميتران عام 1981، غادر فرنسا إلى لندن ثم استقر لاحقاً في هونغ كونغ، ليؤسس عدداً من الشركات والمؤسسات التي رسخت مكانته كأحد رموز التحليل المالي المستقل.
وكانت أولى مبادراته شركة CEGOGEST، تلتها شركة GaveKal Research التي أسسها مع شركائه، وأصبحت اليوم من أبرز مراكز الأبحاث المالية المستقلة في العالم، مع فروع متخصصة مثل GaveKal Securities وGaveKal Capital. كما أنشأ “معهد الحريات” في فرنسا، وهو مركز فكري يروج لأفكاره الليبرالية حول الاقتصاد والسوق الحرة.
ويعرف تشارلز غاف باستراتيجيته الاستثمارية المسماة “Antifragile”، وهي نهج يقوم على تحويل التقلبات الاقتصادية إلى فرص للنمو، محققةً عوائد سنوية تصل إلى نحو 32.5%، متفوقةً على مؤشر MSCI World العالمي.
ويرى غاف أن الاستثمار الناجح لا يحتاج إلى تعقيد، بل إلى فهم حقيقي لديناميات السوق ومبدأ الحرية الاقتصادية.
سياسياً، اشتهر غاف بمواقفه الليبرالية المتشددة وانتقاداته اللاذعة للاتحاد الأوروبي، الذي يعتبره عبئاً بيروقراطياً يحدّ من النمو. كما أثار الجدل في الأوساط السياسية الفرنسية عندما منح قرضاً بقيمة 300 ألف يورو للسياسي اليميني إريك زيمور، قبل أن يسحب دعمه لاحقاً.
وتعد توقعاته الاقتصادية دائماً مثار نقاش، إذ حذّر مراراً من احتمال إفلاس فرنسا، مقابل توقعه استمرار صعود الصين والهند كقوتين اقتصاديتين عالميتين.
عطاء وإنسانية
على الصعيد الإنساني، يخصص غاف جزءاً مهماً من ثروته، التي تقدر بنحو 650 مليون يورو، لأعمال الخير. يستلهم في ذلك فلسفة “Giving While Living” التي تدعو إلى العطاء في الحياة بدلاً من الوصايا بعد الوفاة. يركز بشكل خاص على دعم التعليم والبحث الاقتصادي الحر، مقدماً منحاً دراسية للطلبة الموهوبين في مجالات الاقتصاد والمالية.
ورغم حجم ثروته، يفضل أن تكون مساهماته الخيرية هادئة وموجهة بعناية، بعيداً عن الأضواء.
الاقتصاد العالمي.. بين التباطؤ والنمو الحذر
أما في توقعاته الاقتصادية المقبلة، فيرى غاف أن الاقتصاد العالمي يسير على خط رفيع بين التباطؤ والنمو، مع مؤشرات انكماش في أوروبا مقابل انتعاش واضح في آسيا.
ويتوقع استقراراً نسبياً في الاقتصاد الأمريكي مع تضخم متوسط، بينما تبقى الصين والهند في طليعة القوى الاقتصادية الصاعدة، بحسب موقع ” لاما فورتين” الاقتصادي.
وفي المقابل، يحذر من استمرار تفاقم الديون الأوروبية، خصوصاً في فرنسا، ما قد يؤدي إلى أزمة مالية جديدة. وينصح المستثمرين بالابتعاد عن الأصول الحكومية المثقلة بالديون والتركيز على الشركات الآسيوية والتكنولوجيا الإنتاجية التي تمثل مستقبل النمو العالمي.
تشارلز غاف يجمع بين صرامة التحليل المالي وجرأة الموقف الفكري، مما يجعله شخصية مثيرة للجدل ومصدر إلهام في آن واحد.
وبين الليبرالية الاقتصادية والرؤية العالمية، يواصل تقديم قراءة مختلفة لمستقبل الاقتصاد العالمي، قائمة على الإيمان بأن الحرية الاقتصادية هي الطريق الأنجح لمجتمعات أكثر استقراراً وازدهاراً.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




