من غرانت إلى ترامب.. رؤساء أمريكيون حلموا بـ«ولاية ثالثة»

منذ تأسيس الولايات المتحدة، ظلّت الرئاسة منصبًا يحمل إغراء الاستمرار في السلطة، حتى بالنسبة لأولئك الذين أسّسوا لمبدأ تداولها.
ومع أن الدستور الأمريكي لم يضع حدًا لعدد ولايات الرئيس في بداياته، فإن تقليد «الولايتين فقط» ظلّ عرفًا غير مكتوب إلى أن كسَره فرانكلين روزفلت خلال الحرب العالمية الثانية، ما أدى لاحقًا إلى إقرار التعديل الدستوري الثاني والعشرين عام 1951، الذي جعل أي محاولة للترشح لولاية ثالثة مخالفةً للقانون.
ومع ذلك، فإن فكرة «الولاية الثالثة» ظلت تظهر من حين إلى آخر، كلما شعر رئيس بالقوة الكافية لتحدي الزمن أو المزاج الشعبي.
غرانت.. بطل الحرب الذي أراد العودة
كان يوليسيس س. غرانت (1869–1877) من أوائل الرؤساء الذين أُثيرت حولهم فكرة التمديد.
وبعد ولايتين ناجحتين سياسيًا وعسكريًا، بدأ بعض الجمهوريين في عام 1876 بالترويج لترشيحه مجددًا، معتبرين أن الرجل الذي أنهى الحرب الأهلية قادر على توحيد البلاد.
لكن الفكرة قوبلت برفض واسع، لما اعتُبر محاولة لإحياء «الملكية السياسية».
لم يستسلم غرانت، فأطلق حملة حقيقية في انتخابات 1880، لكنه فشل في الحصول على ترشيح الحزب الجمهوري الذي اختار جيمس غارفيلد بدلًا منه، منهياً بذلك أول محاولة جدية لولاية ثالثة في تاريخ أمريكا.
كليفلاند.. عاد مرتين وراقت له الثالثة
أما غروفر كليفلاند، فكان استثناءً في التاريخ الأمريكي؛ إذ فاز بولايتين غير متتاليتين (1884 و1892)، ليصبح الرئيسين الثاني والعشرين والرابع والعشرين في آن واحد.
وبعد نهاية ولايته الثانية، ترددت أنباء عن رغبته في العودة مرة أخرى عام 1896، لكن ضعف التأييد داخل الحزب الديمقراطي وانقسام قاعدته الانتخابية حالا دون تحقيق تلك الطموحات.
تيودور روزفلت.. الزعيم الذي تمرد على حزبه
من بين كل الرؤساء الذين فكّروا في ولاية ثالثة، تبقى قصة تيودور روزفلت الأكثر إثارة.
فبعد أن تولى الحكم عام 1901 إثر اغتيال ماكينلي، وفاز لاحقًا بولاية كاملة في 1904، أعلن أنه لن يترشح مجددًا احترامًا للتقليد.
لكنه بعد 4 سنوات فقط، انقلب على قراره إثر خلاف مع خلفه ويليام هوارد تافت.
وفي عام 1912، أسس روزفلت حزبًا جديدًا باسم «حزب الثور الهائج» وخاض الانتخابات كمستقل، متسببًا بانقسام الجمهوريين وخسارتهم أمام الديمقراطي وودرو ويلسون. وفي 1916، عاد مجددًا للتفكير بالترشح، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة.
ويلسون.. الرئيس المريض الذي رفض الاعتزال الذهني
بعد ولايتين متتاليتين (1913–1921)، ورغم إصابته بجلطة دماغية أنهكت صحته، تخيل وودرو ويلسون أنه لا يزال قادرًا على قيادة البلاد في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى. حاول أن يقنع حزبه بترشيحه لولاية ثالثة في 1920، لكن الديمقراطيين اختاروا جيمس كوكس بدلًا منه.
ورغم فشل المحاولة، ظلّ ويلسون يحلم بالعودة حتى وفاته عام 1924، ليصبح رمزًا للطموح السياسي الذي يصطدم بحدود الجسد والدستور معًا.
فرانكلين روزفلت.. الرئيس الذي كسر القاعدة
الحدث الفاصل في تاريخ الرئاسة الأمريكية جاء مع فرانكلين ديلانو روزفلت، الذي انتُخب أربع مرات متتالية (1932، 1936، 1940، و1944).
قاد روزفلت الولايات المتحدة من عمق الكساد الكبير إلى النصر في الحرب العالمية الثانية، ما جعله الزعيم الوحيد الذي كسر العرف الديمقراطي القائم على ولايتين فقط.
لكن بعد وفاته عام 1945، تزايد القلق من تركيز السلطة بيد شخص واحد، فدفع الجمهوريون بقوة لإقرار التعديل الدستوري الثاني والعشرين عام 1951، الذي نصّ صراحة على أنه لا يجوز لأي رئيس أن يُنتخب أكثر من مرتين.
ما بعد التعديل.. طموحات خافتة ومحاولات رمزية
بعد إقرار التعديل، لم يجرؤ أي رئيس على تحدي النصّ. وحده هاري ترومان كان يمكنه نظريًا الترشح عام 1952 لأنه كان في المنصب أثناء إقرار التعديل، لكنه انسحب مبكرًا بعد نتائج ضعيفة في نيوهامبشر.
أما ليندون جونسون، فكان أيضًا مؤهلًا للترشح لولاية ثالثة عام 1968 لأنه خدم أقل من عامين بعد اغتيال جون كينيدي، لكنه انسحب بسبب تراجع شعبيته إثر حرب فيتنام.
دونالد ترامب.. اختبار الحدود الدستورية
واليوم، وبعد أكثر من 70 عامًا على التعديل، يُعيد دونالد ترامب إحياء النقاش التاريخي حول الولاية الثالثة.
ورفض الرئيس ترامب، الإثنين، في تصريحات نقلها موقع «أكسيوس» استبعاد فكرة الترشح لولاية ثالثة، رغم أن الدستور يمنعه من ذلك بموجب التعديل الثاني والعشرين، الذي ينص على أن «لا يجوز لأي شخص أن يُنتخب لمنصب الرئيس أكثر من مرتين».
وخلال وجوده على متن طائرة «إير فورس ون» برفقة وزير الخارجية ماركو روبيو، لمح ترامب إلى احتمال تشكيل تذكرة انتخابية مستقبلية تجمع بين نائبه جاي دي فانس وروبيو، قائلاً إنهما «سيكونان فريقًا لا يمكن وقفه».
ولدى سؤاله عن تصريحات مستشاره السابق ستيف بانون، الذي قال في مقابلة مع مجلة The Economist إن هناك «خطة» لإبقاء ترامب في السلطة، أجاب الرئيس: «لم أفكر في الأمر حقًا، لكن لدي أفضل الأرقام في استطلاعات الرأي على الإطلاق».
وعندما طُلب منه أن يعلن صراحة أنه لن يسعى لولاية ثالثة، قال مبتسمًا: «هل أنا لا أستبعدها؟ هذا عليكم أن تقولوه أنتم».
ورغم أن ترامب يؤكد في بعض المناسبات أنه «لا يمزح» بشأن فكرة الولاية الثالثة، فإن الترشح مجددًا مستحيل من الناحية القانونية، إلا إذا تم تعديل الدستور، وهو أمر معقد للغاية، إذ يتطلب موافقة ثلثي أعضاء مجلسي الكونغرس وثلاثة أرباع الولايات الأمريكية الخمسين.
وكان ترامب قد قال سابقًا في مقابلة مع شبكة «إن بي سي» إنه يمكنه نظريًا العودة إلى البيت الأبيض إذا فاز نائبه جاي دي فانس بالرئاسة و«أعاد السلطة» إليه، لكنه وصف لاحقًا هذا السيناريو بأنه «مبالغ فيه جدًا».
يُذكر أن التعديل الثاني عشر في الدستور الأمريكي يمنع أيضًا أي شخص غير مؤهل للرئاسة من تولي منصب نائب الرئيس، وهو ما يجعل كل السيناريوهات المطروحة للالتفاف على النص الدستوري غير قابلة للتطبيق قانونًا.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




