الضربات الأمريكية في بونتلاند.. تقويض قدرات «داعش» في معقله بالصومال

تصعيد لافت للضربات الأمريكية في شمال شرق الصومال بهدف تقويض قدرات “داعش” وتعزيز الشراكة الأمنية مع الصومال.
ونفذ الجيش الأمريكي عبر قيادة “أفريكوم”، غارتين جويتين دقيقتين ضد مسلحي “داعش” في جبال علمِسكاد بولاية بونتلاند، المعقل الأبرز للفصيل الإرهابي في البلاد.
وتأتي هذه العمليات في سياق أوسع من التنسيق الأمني بين الولايات المتحدة والحكومة الصومالية، ضمن ما يبدو أنه تحول استراتيجي نحو استهداف مراكز الثقل الجغرافي لـ”داعش” في القرن الإفريقي.
ضربات متتالية
وبحسب بيان أفريكوم، نُفذت الغارتان يومي 24 و26 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، على بعد نحو 85 كيلومترا جنوب شرق مدينة بوصاصو الساحلية، في منطقة جبلية وعرة ظلت منذ سنوات ملاذا آمنا لعناصر التنظيم الذين يستخدمون الكهوف والوديان لإعادة التموضع والتدريب.
وأكدت القيادة الأمريكية أن العمليات تمت بالتنسيق مع القوات الصومالية، بهدف منع داعش من توسيع نفوذه وتهديد مصالح الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين.
وتُبرز هذه الضربات، التي تُعد الثانية خلال أسبوع، تصاعد التنسيق بين القوات الأمريكية وسلطات بونتلاند، التي طالبت بتوسيع الدعم العسكري الدولي لمواجهة التنظيمين المتشددين “داعش” و”الشباب” (التابع للقاعدة) في الشمال الشرقي للبلاد.
واستهدفت غارة جوية للولايات المتحدة الإثنين الماضي بطائرات مُسيرة مواقع لتنظيم داعش الصومال في جبال علمِسكاد بمنطقة باري في بونتلاند، بحسب بيان لحكومة الولاية الإقليمية.
جاءت الضربات الجوية بعد جمع معلومات استخباراتية بالتعاون مع شركاء دوليين، لتحديد هوية المقاتلين المستهدفين وتخطيط العملية بدقة.
فيما أفادت مصادر أمنية بأن الضربات ركزت على مواقع داخل سلسلة جبال علمِسكاد، التي تُعد أبرز معاقل تنظيم داعش في الصومال.
خطوة فعالة
ومنذ ظهوره عام 2015 إثر انشقاق فصيل من حركة الشباب، حافظ تنظيم داعش في الصومال على وجود محدود لكنه عنيد في سلسلة جبال غوليس وعلمِسكاد، مستفيدا من التضاريس الصعبة لتجنب الضربات الجوية المتكررة.
ورغم تراجع قدراته العسكرية، لا يزال التنظيم يعتمد على تكتيكات حرب العصابات، وعمليات الابتزاز ضد التجار والسكان المحليين، ما يجعله مصدر تهديد للاستقرار في مناطق الشمال الشرقي.
ويرى الباحث والمحلل بالشؤون الأفريقية، الدكتور هاشم على حامد، أن الضربات الجوية الأمريكية في جبال علمسكاد ببونتلاند تمثل “خطوة فعالة” للحد من قدرة داعش على إعادة تنظيم صفوفه في شمال شرق الصومال.
وأضاف حامد في حديث لـ”العين الإخبارية”، أن الاستهداف الدقيق لمواقع القيادة والتجمعات الرئيسية للتنظيم يضعف قدرته على التخطيط وشن هجمات كبيرة، لكنه لن يقضي عليه نهائيا ما دام يعتمد على التضاريس الوعرة والمخابئ الطبيعية لإعادة الانتشار.
وحول الشراكة الأمريكية مع الصومال، أوضح حامد أنها مهمة كونها تعزز من فعالية العمليات الميدانية، من خلال جمع المعلومات الاستخباراتية وتنسيق الضربات الجوية مع جهود القوات المحلية، مشيرا إلى أن التعاون المستمر بين واشنطن ومقديشو يحد من حرية تحرك داعش، ويخلق شبكة مراقبة مستمرة تقلص من قدرة التنظيم على شن هجمات واسعة النطاق، لكنه يتطلب تمكين القوات الصومالية على الأرض لتثبيت المكاسب.
خلايا صغيرة
من جانبه، قال الخبير في شؤون القرن الأفريقي آدم جبريل، إن استمرار الضغط الجوي بالتوازي مع العمليات الميدانية التي تنفذها قوات بونتلاند يمكن أن يدفع التنظيم إلى الانكفاء نحو خلايا صغيرة متناثرة، مما يقلص من قدرته على شن هجمات منظمة أو السيطرة على أراضٍ ثابتة.
وأضاف جبريل في حديث لـ”العين الإخبارية” أن الضربات المتكررة، بالتوازي مع التعاون اللوجستي والاستخباراتي الأمريكي الصومالي، يُظهر نقلة في مستوى التعاون الاستخباراتي والاستهداف العملياتي، ما أدى إلى تراجع نشاط داعش في مناطق بونتلاند، وإضعاف قدرته على استهداف المدن الساحلية مثل بوصاصو.
لكنه حذر من أن التنظيم، رغم انخفاض عدد مقاتليه، قد يواصل الهجمات الصغيرة والكمائن ضد القوات المحلية والسكان، ما يجعل الصراع ممتدا وطويل الأمد.
وبحسب جبريل، فإن التعاون بين “أفريكوم” والحكومة الصومالية يساهم في تقويض البنية العسكرية لداعش في الشمال، لكنه بحاجة إلى تكامل أوسع يشمل محاربة الفكر المتطرف، وتنشيط التنمية في المناطق النائية، وتوسيع نطاق التعاون الاستخباراتي بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية.
ترامب وبايدن
وتمثل الضربات الجوية الأخيرة في الصومال، بحسب مصادر مطلعة، تغييرا في أولويات واشنطن الميدانية، في ظل تصاعد نشاط التنظيمين المتشددين في آنٍ واحد، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى احتواء التمدد المزدوج لداعش و”الشباب” من خلال استراتيجية تقوم على الدعم الاستخباراتي والاستهداف الجوي عالي الدقة، بالتوازي مع تمكين القوات الصومالية والإقليمية.
ووفق إحصاءات نقلتها مصادر إعلامية صومالية نقلا عن موقع “Antiwar.com”، فقد ارتفع عدد الغارات الأمريكية في الصومال إلى 86 ضربة منذ بداية العام، متجاوزا الأرقام القياسية السنوية السابقة.
وكانت إدارة الرئيس دونالد ترامب قد سجّلت الرقم القياسي السنوي السابق إبان ولايته الأولى في عام 2019 بـ 63 ضربة، بينما شهدت ولاية الرئيس السابق جو بايدن 51 ضربة فقط خلال أربع سنوات.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=
جزيرة ام اند امز




