الصين على أعتاب التفوق في عالم الكم.. بكين تتحدى واشنطن في معركة العلم

في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بسباق الذكاء الاصطناعي، يتشكل سباق أكثر عمقا في الكواليس قد يعيد رسم خريطة القوة العالمية.
هذا السباق هو سباق التكنولوجيا الكمية. فرغم تفوّق الولايات المتحدة حاليًا، فإن الصين تقترب بخطى سريعة، مدفوعة باستثمارات هائلة وطموح واضح لقيادة هذا المجال الثوري.
ووفقًا لتقرير نشره موقع CNA، تقوم التكنولوجيا الكمية على مبادئ فيزياء الكم، التي تدرس سلوك الجسيمات على المستوى الذري، لتطوير حواسيب وأجهزة استشعار وأنظمة اتصالات تتفوق على قدرات التكنولوجيا التقليدية بأضعاف مضاعفة.
وكما تشرح العالمة البريطانية هانا فراي، فإن الحاسوب التقليدي يحل المشكلات بطريقة تسلسلية، بينما يستطيع الحاسوب الكمي استكشاف جميع الاحتمالات في وقت واحد، ما يمنحه سرعة حسابية خارقة.
وتشير تقديرات شركة ماكينزي إلى أن قطاع التكنولوجيا الكمية قد يدر نحو 97 مليار دولار من العائدات بحلول عام 2035، مع تأثيرات واسعة تمتد من الطب والتمويل إلى الذكاء الاصطناعي.
ورغم أن هذه التقنية ما زالت في طور التجريب داخل المختبرات، فإن العلماء يقتربون من تجاوز العقبات التي تحول دون جعلها قابلة للتطبيق الواسع.
ويؤكد الخبراء أن لحظة “الانفجار الجماهيري” التي عاشها الذكاء الاصطناعي مع ظهور ChatGPT، ستأتي قريبًا في عالم الكم، لكنها قد تحمل تداعيات أمنية خطيرة، إذ يمكن أن تجعل أنظمة التشفير المستخدمة حاليًا في المصارف والحكومات عديمة الفاعلية.
البيانات المتعلقة ببراءات الاختراع ترسم ملامح المنافسة المقبلة. فقد شهدت الصين قفزة هائلة في تسجيل براءات الاختراع في مجال الحوسبة الكمية، ما يشير إلى أن جهودها لتحقيق الريادة بدأت تؤتي ثمارها.
ورغم أن الولايات المتحدة لا تزال متقدمة، فإن تحليلًا أجرته شركة LexisNexis يتوقع أن تتجاوز الصين أمريكا في حجم وقوة براءات الاختراع بحلول عام 2027.
ويقول ماركو ريختر، مدير قسم التحليل الاستراتيجي في الشركة، إن نمط التطور الحالي يشبه ما حدث في صناعة السيارات الكهربائية، حين قادت براءات الاختراع الصينية موجة التحول العالمي، مضيفًا أن “الصين في طريقها لتصبح لاعبًا رئيسيًا في تكنولوجيا الكم خلال سنوات قليلة”.
وتوضح التحليلات أن المنافسة لم تعد مقتصرة على شركات أمريكية عملاقة مثل IBM ومايكروسوفت وغوغل، بل ظهرت شركات صينية صاعدة مثل Origin Quantum، التي بدأت توقّع اتفاقيات بحث وتطوير مع مؤسسات أوروبية كبرى.
أما السبب وراء التقدم الصيني فيكمن في حجم الاستثمار العام؛ إذ خصصت حكومة الرئيس شي جين بينغ أكثر من 15 مليار دولار لدعم مشاريع الحوسبة الكمية، أي ما يزيد على ثمانية أضعاف التمويل الأمريكي الذي لا يتجاوز 1.9 مليار دولار.
وقد حذر رئيس مايكروسوفت براد سميث في وقت سابق هذا العام من احتمال أن تكون الصين “قد بلغت فعليًا مستوى التكافؤ مع الولايات المتحدة”، داعيًا واشنطن إلى اعتماد استراتيجية وطنية منسقة لمواجهة التحدي.
وتبدو المخاوف الأمريكية مبرَّرة، خصوصًا مع تراجع الدعم الحكومي للبحث العلمي وصعوبة استقطاب الباحثين الأجانب بسبب سياسات الهجرة المتشددة. ويرى محللون أن الحفاظ على الريادة يتطلب إعادة بناء منظومة التعليم والبحث العلمي وتشجيع المواهب الدولية على البقاء في الولايات المتحدة.
ورغم أن القطاع الخاص الأمريكي لا يزال يتمتع بميزة تمويلية قوية، فإن الاعتماد على مبادرات متفرقة ومؤقتة قد لا يكون كافيًا للحفاظ على التفوق، كما حدث في قطاع أشباه الموصلات حين فقدت الولايات المتحدة مركزها الأول لعقود.
ولا تزال الشركات الأمريكية تحقق إنجازات لافتة؛ فقد أعلنت غوغل هذا الأسبوع عن خوارزمية جديدة تعمل على شريحة Willow الكمية، تفتح المجال لتطبيقات في الطب والعلوم. كما استخدم بنك HSBC معالجًا كميًا من IBM لإتمام أول تجربة ناجحة في تداول السندات، ونجحت مايكروسوفت في تطوير نوع أكثر استقرارًا من الشرائح الكمية.
لكن في المقابل، تمضي الصين بسرعة أكبر، موقّعة شراكات عالمية، ومضخّة استثمارات ضخمة، ما يجعل النافذة أمام واشنطن تضيق سريعًا في سباق سيحدّد معالم القوة العلمية والاقتصادية في القرن الحادي والعشرين.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




