اسعار واسواق

فرنسا على صفيح ساخن.. السحب على المكشوف يشعل الجدل


وجد الفرنسيون أنفسهم فجأة أمام معلومة أثارت عاصفة سياسية كبيرة، إذ ابتداءً من نوفمبر/تشرين الثاني 2026، سيُعاد تشديد قواعد السحب على المكشوف لدى البنوك، وهو إجراء يمس مباشرة ما لا يقل عن 8% من المواطنين.

وبينما أكّد بنك فرنسا هذا التطوّر في نهاية أكتوبر/تشرين الأول، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي والبرلمان باتهامات متبادلة بين اليسار واليمين، وحملات نقدية ضد الحكومة والاتحاد الأوروبي على حد سواء.

ورغم الجدل اللحظي، يكشف تتبّع الملف أن هذه الإجراءات ليست وليدة اللحظة، بل كانت مطروحة منذ سنوات، تسير في مسار بطيء ومعقد داخل أروقة الاتحاد الأوروبي، ثم في القوانين الفرنسية، بحسب موقع “هاف بوست” في نسخته الفرنسية.

وقد أعاد هذا الموضوع إلى الواجهة في نهاية أكتوبر/تشرين الأول، إذ أكّد بنك فرنسا أن التشديد سيطبق ابتداءً من نوفمبر/تشرين الثاني 2026، ما أثار موجة استنكار سريعة لدى عدد من الشخصيات السياسية.

كتب جان لوك ميلانشون، مؤسس حزب “فرنسا الأبية”، على منصة “إكس”: “إنذار! أن تكون في وضع السحب على المكشوف سيصبح قريبًا ممنوعًا! (…) هذا الحرمان فرضته أوروبا”.

وفي الجمعية الوطنية، أعلن نواب حزب “فرنسا الأبية” تقديم مشروع قانون لإلغاء الإجراء، بينما أعرب لوران فوكييه من حزب الجمهوريين عن انزعاجه قائلاً: “الاتحاد الأوروبي لا يجد ما هو أفضل من منع السحب التلقائي على المكشوف”. وعاد حزب التجمع الوطني ليطرح تعديلًا قدمه في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بهدف مواجهة القرار.

يرتبط هذا الإجراء بتوجيه أوروبي صادر عام 2008 يضبط قواعد الائتمان الاستهلاكي داخل الاتحاد الأوروبي. ومع تغيّر الأدوات البنكية والرقمنة وانتشار القروض الصغيرة والشراء بالتقسيط، أصبح النص الأصلي متقادماً.

وفي عام 2020، أعادت المفوضية الأوروبية النظر فيه، وبدأت المؤسسات الأوروبية صياغة نسخة جديدة. وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، تم بلورة الخطوط العريضة، ونشر البرلمان الأوروبي ملخّصًا ينص على ضرورة ضمان شفافية تامة للمقترض والتحقق من قدرته الائتمانية قبل توقيع العقد.

أُقرّ النص النهائي، الذي أصبح “توجيهًا أوروبيًا حول الائتمان الاستهلاكي”، في 22 مايو/أيار 2023 داخل اللجنة البرلمانية، ثم صُوّت عليه في الجلسة العامة في سبتمبر/أيلول، وحظي بقبول واسع.

وجميع النواب الفرنسيين الذين حضروا الجلسة صوّتوا لصالحه باستثناء جوردان بارديلا. حتى ملنون أوبري من “فرنسا الأبية” صوّتت مع النص، مؤكدة أنه يهدف إلى حماية المستهلكين والحد من الإعلانات الخادعة للقروض.

وبما أنه توجيه أوروبي، كان على فرنسا دمجه في قانونها الوطني قبل 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، وإلا تواجه دعوى تخلّف أمام محكمة العدل الأوروبية. وبدأ المسار داخل فرنسا بمشروع قانون عُرض أمام مجلس الوزراء في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2024 عبر المسار السريع، حيث كان وزير الاقتصاد أنطوان أرمان ورئيس الوزراء ميشال بارنييه آنذاك.

لم تقدّم الحكومة مشروعًا خاصًا بالائتمان الاستهلاكي، بل أدرجته ضمن قانون شامل يضم تعديلات في مجالات اقتصادية وبيئية ومالية وصحية، مما سمح باستخدام الأوامر التنفيذية لترجمة التوجيه الأوروبي إلى نص قابل للتطبيق محليًا. وفي 4 ديسمبر/كانون الأول، تم إسقاط حكومة بارنييه بالرقابة البرلمانية وخلفه فرانسوا بايرو رئيسًا للوزراء، واستمرت مناقشة القانون داخل البرلمان مع تقديم تعديلات عديدة.

عارض حزب التجمع الوطني وحزب “فرنسا الأبية” حق الحكومة في اللجوء إلى الأوامر التنفيذية، وقدموا تعديلات لإيقاف ذلك. ولم يلقَ الصراع السياسي آنذاك اهتمامًا إعلاميًا كبيرًا، لكنه عاد إلى الواجهة هذا الأسبوع، حيث أكّد التجمع الوطني رفضه ما وصفه بـ”تدخّل بروكسل”، بينما ذكّر “فرنسا الأبية” بأن التجمع الوطني والاشتراكيين امتنعوا عن التصويت في بروكسل.

وفي 17 فبراير/شباط، صوّتت الجمعية الوطنية على القانون بعد جلسة وصفها جان لوك ميلانشون بـ”المهينة.. تُصوّت فيها عشرات الترجمات الأوروبية دفعة واحدة”، ثم وافق مجلس الشيوخ، وخروج النسخة النهائية من لجنة مشتركة في مارس/آذار، وبعد موافقة المجلس الدستوري صودق على القانون ونُشر رسميًا في 30 أبريل/نيسان 2025.

وفي 3 سبتمبر/أيلول 2025، ناقش مجلس الوزراء أمرًا تنفيذيًا بالائتمان الاستهلاكي استنادًا إلى القانون المصادق عليه، شدّد فيه وزير الاقتصاد إيريك لومبار على محدودية الخيارات المتاحة للدول الأعضاء عند الترجمة إلى قانونها الوطني.

ورغم أن هذا التذكير كان قانونيًا بديهيًا، إلا أنه تحول إلى مادة صدام سياسي ضد الرئيس، إذ استغلت المعارضة الموضوع لتوجيه انتقاداتها للحكومة والاتحاد الأوروبي في آن واحد، حتى لو تعارض ذلك مع تصويتات بعض نوابها السابقة في بروكسل.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى