150 عاما من التشريع.. مصر على أعتاب فصل جديد في التجربة البرلمانية

استحقاق انتخابي جديد يبدأه المصريون غدا، بانطلاق أولى مراحل انتخابات مجلس النواب للناخبين بالخارج.
ويدلي المصريون في الخارج بأصواتهم في المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب يومي غد الجمعة وبعد غد السبت، ويعقب ذلك التصويت في المرحلة الأولى بالداخل يومي 10 و11 نوفمبر/تشرين الجاري، على أن يجري تصويت المرحلة الثانية للمصريين في الخارج يومي 21 و22 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وفي الداخل وفي 24 و24 من الشهر ذاته.
وتأتي هذه الانتخابات إيذانا بانطلاق استحقاق سياسي جديد يعيد تشكيل واحد من أعرق المؤسسات التشريعية في المنطقة، ويؤسس لمرحلة جديدة في مسار التجربة الديمقراطية المصرية.
وتأتي هذه الانتخابات في لحظة سياسية فارقة، حيث تتقاطع التحديات الداخلية مع تحولات إقليمية ودولية عميقة، لتضع على عاتق المجلس المقبل مهاما تشريعية ورقابية وسياسية غير تقليدية
قرن ونصف من التشريع
تعود جذور الحياة النيابية في مصر إلى عام 1866 حين أُنشئ “مجلس شورى النواب” في عهد الخديوي إسماعيل، ليكون أول كيان تمثيلي منتخب في المنطقة العربية والأفريقية. ومنذ ذلك التاريخ، شهدت التجربة البرلمانية المصرية تحولات متتابعة عكست طبيعة التطور السياسي والاجتماعي في البلاد.
بعد ثورة 23 يوليو/تموز 1952، اكتسب البرلمان أسماء متعددة أبرزها “مجلس الأمة”، ثم “مجلس الشعب” وهو الاسم الذي استمر به أغلب الوقت، إلى أن أعيدت تسميته “مجلس النواب” بموجب دستور 2014 الذي رسخ مبدأ الفصل بين السلطات ووسع من صلاحيات البرلمان التشريعية والرقابية.
وخلال العقود الماضية، ظل البرلمان مرآة للتحولات الكبرى التي شهدتها مصر، وابرزها الانتقال من هيمنة الأحزاب التقليدية إلى التعددية السياسية، ومن الأنظمة الحزبية المغلقة إلى مرحلة تمثيل الشباب والمرأة والمجتمع المدني.
صلاحيات دستورية
وبحسب الدستور المصري، يمثل مجلس النواب السلطة التشريعية الأولى في البلاد، وهو المنوط بإقرار القوانين، ومناقشة السياسة العامة للدولة، وخطط التنمية والموازنة العامة، إلى جانب ممارسته الدور الرقابي على أداء الحكومة.
غير أن طبيعة المرحلة الراهنة تمنح البرلمان المقبل مسؤوليات استثنائية، في ظل استمرار التحديات الاقتصادية العالمية، وتداعيات الأزمات الإقليمية، تنتظر المجلس ملفات معقدة تتعلق بالإصلاح الاقتصادي، ودعم الحماية الاجتماعية، ومواصلة خطط التحول الرقمي والتنمية المستدامة، فضلا عن قضايا الأمن القومي ومكافحة الإرهاب.
ويرى مراقبون أن أداء المجلس القادم سيكون حاسما في تحويل “رؤية مصر 2030” إلى واقع تشريعي يدعم الاستثمار ويشجع الإنتاج ويحقق توازنا بين مقتضيات الإصلاح الاقتصادي ومتطلبات العدالة الاجتماعية.
تمثيل للفئات المختلفة
من أبرز ملامح التجربة البرلمانية المصرية الحديثة اتساع قاعدة التمثيل المجتمعي، إذ حرص الدستور والقانون على تخصيص مقاعد لضمان تمثيل المرأة والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة والمصريين في الخارج.
وخلال الدورة الماضية، شكّلت المرأة نحو 28٪ من أعضاء المجلس، وهي نسبة غير مسبوقة في تاريخ الحياة النيابية المصرية، فيما برز حضور الشباب تحت سن الأربعين كمكون رئيسي داخل المؤسسة التشريعية، إلى جانب رموز من خلفيات مهنية واقتصادية متنوعة، ما جعل المجلس ساحة تعكس التعدد المصري في أبهى صوره.

وينتظر أن تعزز الانتخابات الحالية هذا الاتجاه، مع تنافس أحزاب وتحالفات متعددة على مقاعد المجلس، وسط توقعات بتجديد دماء البرلمان بوجوه جديدة تجمع بين الخبرة والتمثيل الشعبي الحقيقي.
ضربة البداية
وغدا الجمعة تنطلق أولى مراحل الانتخابات في الخارج بعد غد، لتكون بمثابة الإشارة الرسمية لبدء ماراثون انتخابي يمتد على مرحلتين داخل وخارج البلاد.
وتعد مشاركة المصريين في الخارج أحد مظاهر التفاعل الوطني التي رسختها التجربة الديمقراطية المصرية خلال العقد الأخير، إذ وفرت الدولة آليات تصويت ميسرة تتيح للمغتربين الإدلاء بأصواتهم عبر السفارات والقنصليات في أكثر من 120 دولة.
ويحظى هذا الدور الرمزي بأهمية خاصة، إذ يعكس ارتباط الجاليات المصرية بالوطن، وحرصها على المشاركة في صياغة القرار السياسي، بما يتجاوز البعد الانتخابي إلى تأكيد وحدة الهوية والانتماء.
وبحسب محللين، سيواجه البرلمان المقبل، تحديات عدة، أبرزها تعزيز الشفافية، وتطوير آليات الرقابة على الأداء الحكومي، ورفع كفاءة التشريعات الاقتصادية والإدارية لتواكب متطلبات الاستثمار والإنتاج المحلي.
كما ينتظر أن يلعب المجلس دورا أوسع في الحوار الوطني، وفي متابعة مخرجاته تشريعيا، بما يسهم في توسيع المشاركة السياسية وتدعيم الثقة بين الدولة والمجتمع.
ولا تقل الملفات الإقليمية أهمية عن الداخل، إذ ينتظر أن يواصل البرلمان دعمه للسياسة الخارجية المصرية القائمة على التوازن والاستقلالية، إلى جانب مناقشة القضايا العربية الجوهرية كالأمن المائي، واستقرار الجوار الليبي والسوداني، والحفاظ على دعم القضية الفلسطينية والتنسيق مع الدول العربية في الملفات الاقتصادية والتنموية.
وإذا كانت التجربة البرلمانية المصرية قد مرت بمراحل مختلفة، فإن الثابت فيها هو إصرار الدولة على استمرارية المؤسسات، وعلى أن تكون الإرادة الشعبية هي مصدر الشرعية في كل تحول سياسي.
واليوم وبينما يقف مجلس النواب المصري على أعتاب دورة جديدة من تاريخه تنتظر أعضائه مهمة وطنية تتمثل في استكمال مسيرة بناء الجمهورية الجديدة، محملا بتاريخ يمتد أكثر من 150 عاما، وبطموحات تستشرف المستقبل.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




