من ديربان إلى بيليم.. أين الزراعة والغذاء على مائدة COP30؟ «حوار»

لماذا يجب أن تأتي الزراعة والغذاء في أجندة COP30؟.. سؤال يسعى المشاركون في مؤتمر المناخ “نسخة بيليم” للإجابة عليه في محاولة للحفاظ على مستقبل الأمن الغذائي العالمي.
يتأثر قطاع الزراعة -بصورة خاصة- من آثار التغيرات المناخية، الأمر الذي يهدد مستقبل الأمن الغذائي؛ خاصة وأنّ الزراعة مصدر الغذاء الرئيسي لسكان العالم، الذين تجاوز عددهم 8 مليارات نسمة نهاية عام 2022، والزيادة مستمرة.
لذلك، يبرز ملف الزراعة والغذاء معًا في مفاضات المناخ؛ خاصة مع زيادة تواتر موجات الحر والجفاف، ما يؤثر سلبًا على نظم الزراعة والمجتمعات المحلية التي تعتمد على الزراعة في معيشتها.
تأثير واضح!
تتجلى تأثيرات موجات الجفاف على الزراعة والغذاء؛ ويحدث الجفاف نتيجة عدة عوامل، من بينها ارتفاع درجات الحرارة، ما يتسبب في زيادة معدلات التبخر؛ فتقل كمية المياه المتاحة في المنطقة. وبالتالي، تقل كمية المياه المطلوبة لري المحاصيل الزراعية، ما يتسبب في تراجع نمو النباتات؛ إذ قد يتطور الأمر إلى إصابة النباتات بحالة من الإجهاد المائي؛ فتنكمش المساحات المزروعة. هذا من شأنه أن يقود إلى ارتفاع تكاليف الزراعة وأسعار الغذاء، وفي بعض الأحيان، يُضطر المزارعون للنزوح من القرى إلى المدن بحثًا عن عمل آخر غير الزراعة؛ ليتقاضون راتبًا يكفي معيشتهم.
تدرج في العمل المناخي!
في يونيو/حزيران 1992، انعقدت قمة الأرض في “ريو دي جانيرو” بالبرازيل، وهناك وُلدت 3 اتفاقيات محورية في العمل البيئي، وهم: “اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي” (UNFCCC)، “اتفاقية التنوع البيولوجي” (CBD)، و”اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر” (UNCCD). يقول “كمال براويرانيغارا” (Kamal Prawiranegara)، المدير والمؤسس المشارك لـ”المنتدى العالمي للمناظر الطبيعية” (GLF)، في حوار مع “العين الإخبارية”: “يُمثل الأمن الغذائي نقطة التقاء اتفاقيات ريو الثلاث بشأن المناخ والتنوع البيولوجي والتصحر، ويجب أن يكون محوريًا لتحقيق انتقال عالمي عادل”.
وبالفعل أشارت المادة 2 من “اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي”، إلى أنه هناك حاجة لضمان استقرار تركيزات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي بحيث لا تؤثر على النظام المناخي، وتمكين النظم البيئية من التكيف مع التغير المناخي “وضمان عدم تعرض إنتاج الغذاء للخطر”. مع ذلك، لم تدخل الزراعة بصورة مباشرة للمفاوضات المناخية إلى أن جاء (COP17)، الذي استضافته “جنوب أفريقيا” في مدينة “ديربان” عام 2011، ووُضعت الزراعة على جدول الأعمال؛ خاصة أنّ أفريقيا في ذلك الوقت كانت تعاني من تأثيرات التغيرات المناخية على قطاع الزراعة، ما جعلها على أولويات أجندة المؤتمر. وفي عام 2017، حلّ (COP23)، في مدينة بون الألمانية، هناك حيث اعتُمدت “مبادرة كورونيفيا المشتركة بشأن الزراعة” (Koronivia Joint Work on Agriculture – KJWA)، وكان هدف البرنامج هو معالجة العلاقة بين الزراعة وتغير المناخ، وتعزيز النقاشات حول الممارسات الزراعية وكيفية دعم تكيفها مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثاره.
بعد ذلك بعدة سنوات، حلّ (COP27) في مدينة شرم الشيخ في مصر عام 2022، أُطلقت مبادرة “الغذاء والزراعة من أجل التحول المستدام” (Food and Agriculture for Sustainable Transformation – FAST) بالتعاون بين مصر ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO) وبعض الشركاء الدوليين، والهدف منها دعم التحوّل المستدام في قطاع الزراعة نحو أنظمة أكثر مرونة وتكيفًا مع التغيرات المناخية. كما خرج قرار “عمل شرم الشيخ المشترك لتنفيذ العمل المناخي في مجال الزراعة والأمن الغذائي” (Sharm El-Sheikh Joint Work on Implementation of Climate Action on Agriculture and Food Security – SSJW)، والذي يهدف لتنسيق الجهود بين أصحاب المصلحة لتنفيذ إجراءات مناخية فعّالة في الزراعة والأمن الغذائي لمدة 4 سنوات من COP27 حتى COP31؛ أي بحلول العام 2026.
وفي عام 2023، استقبلت دولة الإمارات العربية المتحدة (COP28) في مدينة إكسبو دبي، وهناك خرج “إعلان COP28 للإمارات بشأن الزراعة المستدامة ونظم الأغذية المرنة والعمل المناخي”، والذي شدد على ضرورة دمج الزراعة والنظم الغذائية في خطط التكيف والتخفيف من التغيرات المناخية، والتركيز على تمكين صغار المزارعين والنساء والشباب وتعزيز البنية التحتية للري والمياه ودعم الابتكار التكنولوجي في مجال الزراعة، إضافة إلى تقليل هدر الغذاء، وبعض الأهداف قصيرة المدى التي تتضمن دمج الزراعة والغذاء في خطط المساهمات المحددة وطنيًا (NDCs) في الجولة الثانية للعام 2025.
وفي أثناء (COP29)، الذي استضافته أذربيجان في العاصمة باكو، أُطلقت مباردة “باكو هارمونيا” للمناخ من أجل المزارعين، بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ووزارة الزراعة في أذربيجان، بهدف دعم المزارعين للتكيف مع التغيرات المناخية، وتعزيز استدامة النظم الزراعية والغذائية.
وصولًا إلى COP30
وتستمر فعاليات COP30 في مدينة بيليم بالبرازيل في الفترة ما بين 10 إلى 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، وهناك العديد من الطموحات والآمال حول دعم قطاع الزراعة والأمن الغذائي خلال المؤتمر؛ لتحقيق التحوّل الزراعي المستدام المرجو في ذلك القطاع. يقول “كمال براويرانيغارا” لـ”العين الإخبارية: “في COP30، نأمل في تعزيز الحوار حول كيفية مساهمة الزراعة المستدامة والحراجة الزراعية والإصلاح في تعزيز النظم البيئية وسبل العيش”.
من جانبه، يقول “كاوه زاهدي” (Kaveh Zahedi)، مدير مكتب تغير المناخ والتنوع البيولوجي والبيئة في منظمة الأغذية والزراعة (FAO) للعين الإخبارية: “يُمثل (COP30) لحظةً محوريةً للتأكيد على أن الزراعة ونظم الأغذية تُمثلان أقوى خط دفاع في مواجهة أزمة المناخ، ويجب أن تكونا محور نقاشات التكيف والتخفيف، والمرونة، والخسائر والأضرار، والانتقال العادل، وتمويل المناخ. كما يُمثل فرصةً لتعزيز دور الغابات – معالجة حرائق الغابات، وحماية النظم البيئية، وضمان امتلاك البلدان للموارد اللازمة لإدارة الغابات والحفاظ عليها على نحو مستدام”.
يرى “كمال براويرانيغارا” أنّ هناك “فرصة لاستخدام الذكاء الاصطناعي ومنصات المعرفة الرقمية لربط العلم بالممارسة، وتحسين الوصول إلى البيانات، والرصد، والمساءلة من أجل نظم غذائية مستدامة”. ويتابع: “هدفنا هو ربط الأدلة بالاستثمارات لإثبات أن أنظمة الغذاء المرنة تنبع من بيئات طبيعية ترعاها المجتمعات المحلية بملكية ومعرفة وفاعلية. ومن خلال إيصال هذه الأصوات ودعم المشاريع الميدانية، نهدف إلى ضمان ألا يكون الأمن الغذائي مجرد نتيجة للعمل المناخي، بل دافعًا للعدالة والمرونة”.
ويختتم “كاوه زاهدي” بالرسائل الرئيسية لمنظمة الأغذية والزراعة في COP30، قائلًا: “رسالتنا الأساسية بسيطة: تُعدّ نظم الأغذية الزراعية المستدامة والمرنة عنصرًا أساسيًا في العمل المناخي، وأساسيًا لضمان الأمن الغذائي والتغذية لـ 1.2 مليار شخص يعتمدون على هذه النظم في معيشتهم. بدون إحداث تحول في نظم الزراعة والغذاء، يكاد يكون تحقيق اتفاقية باريس أمرًا مستحيلًا. لهذا السبب، تلتزم منظمة الأغذية والزراعة بدعم الدول في المفاوضات، ومساعدة رئاسة مؤتمر الأطراف في وضع أجندة العمل المتعلقة بنظم الأغذية الزراعية، وإسماع أصوات المزارعين والمجتمعات الريفية وصغار المزارعين – أولئك الذين يقفون في طليعة العمل المناخي”.
ويسرد أولويات الفاو في COP30؛ قائلًا: “تتمثل أهم أولويات منظمة الأغذية والزراعة لـ COP30 وما بعده في: 1) إدراج نظم الأغذية الزراعية في نتائج وقرارات مؤتمر الأطراف؛ 2) تحويل الطموح إلى عمل من خلال دمج حلول نظم الأغذية الزراعية في الخطط المناخية الوطنية وجعلها واقعًا ملموسًا؛ 3) إعادة توجيه المزيد من تمويل المناخ نحو حلول نظم الأغذية الزراعية وتوسيع نطاقها لتعظيم الأثر. حاليًا، لا يصل سوى حوالي 4% من تمويل التنمية المتعلق بالمناخ إلى القطاعات المسؤولة عن إنتاج الغذاء، وإنتاج المحاصيل، والثروة الحيوانية، ومصايد الأسماك، والغابات – وهذا أمرٌ يجب أن يتغير”.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




