رفضت البعثة الأممية.. لماذا تخشى سلطة بورتسودان تحقيق «انتهاكات» الفاشر؟

في موقف يثير التساؤل،تطالب حكومة بورتسودان بالتحقيق في انتهاكات الفاشر بينما تغلق الباب أمام البعثة الأممية
وكان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قد كلف في اجتماعه المنعقد، يوم الجمعة الماضي، بعثة لتقصي الحقائق وتحديد هوية جميع المسؤولين عن الانتهاكات التي يُشتبه في ارتكابها في مدينة الفاشر السودانية، تمهيدا لتقديمهم إلى العدالة.
لكن وزير العدل في حكومة بورتسودان عبد الله درف، أعلن رفض بلاده لإحالة التحقيق في انتهاكات الفاشر إلى لجنة تقصي الحقائق الدولية.
وقال درف في تصريحات خاصة لموقع “المحقق” الإخباري إن “السودان في الأساس معترض على هذه اللجنة وغير معترف بها منذ تشكيلها ولن نسمح لها بالدخول”.
وأضاف “لدينا آليات تحقيق وطنية يمكن أن تقوم بذلك”، معتبرا أنه “يجب أن تستشار الدولة فيما يتعلق بعمل مثل هذه اللجان، لأنه يتعلق بسيادتها”.
لكن هذا التبرير لا يبدو مقنعا لكثير من المراقبين، الذين أشاروا إلى أنه لا يتعلق بالسيادة فقط، بل بما تخشاه السلطة من نتائج أي تحقيق مستقل قد يفتح ملفات الجيش والانتهاكات التي ارتكبها في مدن أخرى.
والشهر الماضي، سيطرت قوات الدعم السريع على الفاشر آخر معقل للجيش في غرب السودان.
وفي أعقاب تلك السيطرة، كثفت وسائط إعلامية موالية للجيش السوداني، حملتها ضد انتهاكات زعمت أن قوات الدعم السريع ارتكبتها.
لكن منصات تحقق أوروبية متخصصة في كشف الأخبار الزائفة، كشفت أن معظم تلك المقاطع كانت مفبركة.
فتح التحقيق يعني فتح ملفات الجيش
يقول المحلل السياسي السوداني كمبال عبدالواحد، في حديث مع “العين الإخبارية”، إن إعلان سلطة بورتسودان إجراء تحقيق داخلي “يتناقض تماما مع دعواتها للمجتمع الدولي بتجريم قوات الدعم السريع واعتبارها منظمة إرهابية”.
فكيف- يتساءل عبدالواحد- تطلب الحكومة من العالم إدانة الدعم السريع، وفي ذات الوقت ترفض التعاون مع تحقيق دولي شفاف كان سيعزز مزاعمها؟
ويصف المحلل السياسي السوداني هذا السلوك بأنه “كيل بمكيالين” في العرفين الدبلوماسي والسياسي، إذ لا يمكن لأي دولة أن تطالب بإدانة طرف ما، ثم تتهرب من لجان التحقيق التي يمكن أن تثبت تلك الإدانة.
ويضيف عبدالواحد أن قبول لجنة دولية “لن يفتح فقط ملفات انتهاكات الفاشر”، بل قد يجر وراءه ملفات ثقيلة، أبرزها:
- انتهاكات الجيش في مناطق تم استردادها من الدعم السريع في ولايات الجزيرة والخرطوم.
- اتهامات أمريكية سابقة للحكومة باستخدام أسلحة كيميائية في الخرطوم وسنار.
ويضيف أن أي تحقيق شفاف لن يحصر المسؤولية في طرف واحد، بل سيضع الجيش نفسه في دائرة الاتهام، وهو ما تخشاه بورتسودان.
ويشير إلى نقطة شديدة الحساسية، وهي أم فتح تحقيق دولي سيؤدي بشكل طبيعي إلى التحقق من نوعية الأسلحة المستخدمة، وهذا قد يفضح الداعمين الإقليميين لمعسكر بورتسودان، ويسبب إحراجا دبلوماسيا كبيرا للسلطة.
التحقيق سيكشف منظومة كاملة من الانتهاكات
ويذهب المحلل السياسي السوداني سيبويه يوسف إلى أبعد من ذلك.
ويؤكد في حديث مع “العين الإخبارية” أن الحكومة لا ترفض اللجنة بسبب السيادة، بل لأن “أي تحقيق جاد سيظهر وقائع كثيرة ارتكبها الجيش نفسه”.
ويعدد سيبويه مجموعة من الانتهاكات التي يقول إن التحقيق الدولي سيكشفها:
- استخدام أسلحة كيميائية كما ورد في تقارير سابقة، وفرض عقوبات على قيادات عسكرية بسبب انتهاكات دارفور.
- منع المدنيين من الخروج من الفاشر، وتسليح بعضهم واستخدامهم كدروع بشرية.
- تحويل مخيمات النازحين إلى قواعد عسكرية للقوات المشتركة.
- عمليات قتل انتقامية دون محاكمات وإعدامات ميدانية.
- اعتقالات وتعذيب ممنهج في بعض المناطق.
ويقول سيبويه إن هذه الانتهاكات “ليست حوادث فردية، بل ممارسات منظمة”، مشيرا إلى أن دخول لجنة أممية سيعني فتح ملفات دارفور وكردفان وسنار، حيث تم توثيق -وفق قوله- انتهاكات تتضمن استخدام أسلحة كيميائية في جبل موية.
ويختتم “كل ذلك يجعل الحكومة تخاف التحقيق، لأن إدانة مسؤول واحد قد تفتح الباب لسلسلة طويلة من المحاسبات”.
“الدعم السريع” ترحب بالتحقيق
وكانت قوات الدعم السريع قد أعربت عن ترحيبها بزيارة لجنة تحقيق دولية لمناطق سيطرتها، وأكدت أن حكومة بوتسودان تعمدت تضليل مجلس حقوق الإنسان الأممي.
وفي بيان لها، قالت إن التقارير التي نوقشت خلال جلسة مجلس حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة حول أوضاع مدينة الفاشر «لم تعكس الواقع على الأرض».
واتهمت جهات وصفتها بـ«جماعات الإسلام السياسي الإرهابية» بالوقوف وراء حملة «معلومات وفيديوهات مضللة وصور مصنوعة بتقنيات الذكاء الاصطناعي».
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




