اسعار واسواق

سباق الذكاء الاصطناعي يهدد الالتزامات المناخية لعمالقة التكنولوجيا


بعد أسابيع من إطلاق ChatGPT في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أدركت فرق الاستدامة داخل شركة مايكروسوفت أنها أمام أزمة غير مسبوقة.

فالتوسع الهائل في استخدام الذكاء الاصطناعي تطلّب كميات ضخمة من الطاقة لتشغيل مراكز البيانات، ما وضع الشركة أمام سؤالين حاسمين: من أين ستأتي بالجيجاوات اللازمة؟ وكيف ستلتزم في الوقت نفسه بتعهداتها بأن تصبح «سالبة الكربون»؟

ووفقا لتقرير لوكالة بلومبيرغ، هذا المأزق -الذي وصفه برايان جانوس، نائب رئيس الطاقة السابق في مايكروسوفت، بأنه «مشوّق ومخيف في آن واحد»- دفع الشركة إلى عقد اجتماعات أسبوعية أشبه بجلسات طوارئ لمعالجة الفجوة المتزايدة بين النمو السريع للذكاء الاصطناعي وأهداف الاستدامة طويلة الأمد. واليوم، وبعد ثلاث سنوات، لا تزال شركات التكنولوجيا الكبرى -من أمازون وغوغل إلى ميتا- تكافح للموازنة بين توسيع قدراتها الرقمية والحفاظ على التزاماتها المناخية.

ضغط الطاقة مقابل الوعود البيئية

تشير بيانات BloombergNEF إلى أن الشركات الأربع الكبرى وقّعت عقودًا لشراء 9.6 جيجاوات من الطاقة النظيفة في النصف الأول من 2025 -رقم قياسي، لكنه يظل ضئيلاً أمام الحاجة العالمية المتوقعة البالغة 362 غيغاواط إضافية بحلول 2035 لتشغيل أسطول مراكز البيانات القائمة والمخطط لها. ولا يمكن لهذه الشركات التراجع، بالنظر إلى ضغوط وول ستريت لتحقيق عوائد سريعة على استثمارات الذكاء الاصطناعي.

والأثر أصبح واضحًا في تقارير الاستدامة، فقد قفزت انبعاثات ميتا بنسبة 64%، وغوغل 51%، وأمازون 33%، ومايكروسوفت 23% مقارنة بما قبل 2023. وقد عزت مايكروسوفت الزيادة مباشرة إلى «التوسع المتسارع في الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية».

توتر داخلي في مايكروسوفت

تكشف شهادات مدراء سابقين أن التوتر داخل فرق الاستدامة ازداد مع نمو الطلب على الطاقة. فمجرد كلمات في البيانات الداخلية كانت تُفحص بدقة خشية ظهور أي تناقض مع تعهدات الشركة المناخية. كما زادت الضغوط بعد موجة الاستغناءات الواسعة في قطاع التكنولوجيا عام 2023 التي أنهكت فرق المناخ وهي تواجه واحدة من أصعب المعضلات: تأمين الطاقة المستدامة بالكمية اللازمة.

وتؤكد ميلاني ناكاغاوا، مسؤولة الاستدامة في مايكروسوفت، استمرار التزام الشركة بأهدافها لعام 2030، مشيرة إلى ضخ استثمارات إضافية في الطاقة النظيفة والتقنيات المناخية.

ومع تضاؤل الخيارات، اتجهت شركات التكنولوجيا الكبرى إلى توسيع محفظتها من الطاقة النووية والحرارية الجوفية، وحتى الغاز الطبيعي. وتزايد الحديث عن مفهوم «الطاقة خلف العداد» عبر بناء محطات توليد بالقرب من مراكز البيانات مباشرة لضمان الإمداد المستمر.

وميتا مثال صارخ على ذلك. فمشروعها الضخم «هيبريون» في لويزيانا -الذي يُتوقع أن يستهلك 5 غيغاواط- دفع شركة Entergy لبناء ثلاث محطات غاز جديدة بقدرة 2.3 جيجاوات. وفي الوقت نفسه، تقول ميتا إنها ستضيف 1.5 غيغاواط من الطاقة النظيفة لتعويض الانبعاثات الناتجة.

أما غوغل فقد اتخذت مسارًا آخر، حيث أعلنت اتفاقًا لتشغيل مركز بيانات عبر محطة غازية مزودة بتقنية التقاط الكربون. كما اشترت الشركة طاقة نووية من محطة في آيوا، إلا أن التشغيل الفعلي لن يبدأ قبل 2029 بسبب تعقيدات القطاع النووي.

تحديات تنظيمية وسياسية

وتسعى وزارة الطاقة الأمريكية لتسريع ربط مراكز البيانات بالشبكات عبر تقليص مدة الموافقات من سنوات إلى 60 يومًا، لكن هذه التسهيلات تصطدم بتوجيهات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أوقف حوافز الطاقة النظيفة وألغى أجزاء واسعة من قانون المناخ الخاص بإدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن. وتسببت سياساته، وفق BNEF، في خفض توقعات بناء مشروعات الرياح والشمس والتخزين لعام 2035 بنسبة 21%. ورغم الدعم الكبير الذي يقدمه ترامب لخطط التوسع في الذكاء الاصطناعي، فإن هجومه المستمر على الطاقة المتجددة يُربك استراتيجيات الشركات، التي لا تستطيع التخلي عن التزاماتها المناخية دون خسائر كبيرة في سمعتها وثقة المستثمرين.

وبين السباق على بناء قدرات ذكاء اصطناعي لا تنضب، والضغوط السياسية، وضعف البنية التحتية للطاقة، تجد شركات التكنولوجيا نفسها في معادلة معقدة: الحاجة إلى كل إلكترون يمكن الحصول عليه، مع محاولة الإبقاء — ولو شكليًا — على أهدافها المناخية. وبينما تستمر استثمارات الذكاء الاصطناعي في التوسع، تبدو فجوة الطاقة وكأنها تتحول إلى التحدي الأكبر لعصر الذكاء الاصطناعي.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=

جزيرة ام اند امز

NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى