اسعار واسواق

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكية.. تحدٍ بارز و3 مسارات فورية


بعد الحرب التي دامت اثني عشر يومًا بين إيران وإسرائيل هذا العام، حاولت إدارة دونالد ترامب إعلان النصر والمضي قدمًا، لكن التحديات لم تنتهِ بعد.

فرغم تراجعها النسبي على الأرض ودبلوماسيًا، لا تزال إيران تحتفظ بقدرتها على تهديد المصالح الأمريكية والنفوذ الإقليمي من خلال برنامجها النووي ووكلائها في المنطقة، بحسب المجلس الأطلسي.

ووسط هذا الواقع المشتعل، تواجه واشنطن خيارات صعبة: الحفاظ على الوضع الراهن، تفويض إسرائيل لإدارة التهديد الإيراني، أو السعي نحو صفقة جديدة تُعيد رسم العلاقات مع طهران، إلا أن كل خيار ينطوي على مخاطرة سياسية وعسكرية، ويبرز مدى تعقيد تحقيق استقرار دائم في منطقة تبدو دائمًا على شفا الانفجار.

فما المحل؟

يقول المجلس الأطلسي، إن تقليل الوقت والطاقة الموجهة نحو إيران يعد هدفًا جيدًا للأمن القومي الأمريكي، مشيرًا إلى أنه على مدار أكثر من ستة وأربعين عامًا، كرست كل إدارة أمريكية وقتًا وموارد كبيرة لإيران، مع عائد محدود جدًا.

وبانحراف واضح عن إدارة الرئيس دونالد ترامب الأولى، تعكس استراتيجية الأمن القومي الجديدة (NSS) هذا الواقع، حيث أشارت إلى إيران فقط في ثلاث مواضع قصيرة، مؤكدة على تراجع مكانتها، ووقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، وإعلانًا ضمنيًا بأن المهمة قد أنجزت.

ومن المرجح أن جزء إيران في استراتيجية الأمن القومي يعكس الصراعات الداخلية التي ظهرت بين قاعدة الرئيس خلال الحرب التي استمرت اثني عشر يومًا بين إسرائيل وإيران. فقد أشاد الصقور التقليديون بالإجراءات العسكرية، بينما قلق المعتدلون من أن الرئيس قد يتراجع عن وعده بإنهاء «الحروب الأبدية» في الشرق الأوسط.

وقال أحد المسؤولين الإداريين إن البيت الأبيض لم يكن متأكدًا من كيفية إرضاء كل من تاكر كارلسون ومارك ليفين، اللذين يمثلان طرفي طيف الصقور والمعتدلين.

وكان إنهاء الحرب التي استمرت اثني عشر يومًا — هجوم واسع النطاق مع مخرج دبلوماسي فوري — محاولة لسد الفجوة بإعلان النصر والمضي قدمًا.

إلا أن هذا الأمر من المحتمل أن يكون مجرد حل مؤقت، إذ تظل القضايا الأساسية دون حل، والمضي قدمًا لن يكون بالسهولة التي توحي بها استراتيجية الأمن القومي.

إيران لا تزال تهديدًا

وبحسب المجلس الأطلسي، فإنه بينما ضعفت إيران، بعد تعرضها لإخفاقات استراتيجية متكررة على الأرض خلال العامين الماضيين، فيما الوضع الدولي ليس أفضل كثيرًا، حيث أعادت الأمم المتحدة فرض العقوبات عليها في سبتمبر/أيلول، بالتوازي مع عدم قدرة طهران على التعامل مع عدة تحديات على المستوى المحلي، بما في ذلك أزمة المياه المستمرة، إلا أنها لا تزال -رغم هذه الانتكاسات-، تشكل تهديدًا للمصالح الأمريكية ولـ«الشراكة والصداقة والاستثمار» الإقليمي الذي تصوره استراتيجية الأمن القومي.

وبحسب المجلس الأطلسي، فإن إيران تحتفظ بكميات كبيرة من اليورانيوم المخصب عاليًا وأجهزة الطرد المركزي المتقدمة، دون أي إشراف من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويزداد الخطر النووي مع الدعوات الداخلية الإيرانية للتفرد النووي بعد الحرب التي استمرت اثني عشر يومًا.

وبينما تقلص برنامج الصواريخ الإيراني ودعمه للوكلاء غير الدوليين، إلا أن إيران ألحقَت أضرارًا ملموسة بإسرائيل خلال تلك الحرب، ويمكنها بسهولة إعادة شن هجمات بالوكالة على القوات الأمريكية في المنطقة.

ومع إعادة بناء قدراتها الأخرى، تستمر إيران في إسقاط نفوذها خارجيًا عبر الحوثيين في اليمن، بحسب المجلس الأطلسي، الذي أشار إلى أن طهران تحتفظ بإمكانات تؤهلها لأن تصبح الهيمنة الإقليمية العدائية التي تأمل استراتيجية الأمن القومي في تفاديها.

وقد أشار بعض المسؤولين والمحللين الإسرائيليين بشكل خاص إلى الحرب التي استمرت اثني عشر يومًا على أنها «الحرب الإيرانية الأولى»، ويعتقدون أنه في الجولة القادمة ستستهدف إسرائيل برنامج الصواريخ الإيراني والنظام بشكل أكثر عدوانية.

ماذا بعد؟

استنادًا إلى استراتيجية الأمن القومي، وتطبيق سياسة «الضغط الأقصى 2.0»، وبعض تصريحات الرئيس السابقة بشأن العمل العسكري الأمريكي في الخارج، فإن تغيير النظام في إيران بوساطة أمريكية ليس على الطاولة حاليًا.

قد يتغير ذلك، لكن إذا سادت وجهات نظر «أمريكا أولاً» واستراتيجية الأمن القومي، فإن الهدف الأمريكي لإيران سيكون تقليل التركيز عليها مستقبلًا، ما يترك أمام الولايات المتحدة ثلاث خيارات فورية لتطبيق الاستراتيجية الجديدة:

  • الأمل في بقاء الوضع الراهن.
  • تفويض إسرائيل للتعامل مع القضية الإيرانية.
  • السعي لإبرام صفقة جديدة مع إيران.

الوضع الراهن

وبحسب المجلس الأطلسي، فإنه إذا استمر وقف إطلاق النار الحالي، فسيحصل الرئيس على الكثير من الثناء، وهذا ما تعتمد عليه استراتيجية الأمن القومي.

وهناك تشابه بين هذا الرأي والسنوات الأخيرة من سياسة إدارة بايدن تجاه إيران، التي وصفها بعض المحللين بأنها «لا أزمة، لا صفقة».

لكن هناك ثلاثة اختلافات مهمة:

  • أولاً.. من منظور إدارة بايدن، كانت استراتيجية «لا أزمة، لا صفقة» مؤقتة جزئيًا، وتعكس الجدول السياسي الأمريكي.
  • ثانيًا.. بالنظر إلى ما سبق، يبدو أن تجدد الصراع محتمل، ما يجعل أي نسخة من سياسة الاحتواء أقل فعالية.
  • ثالثًا.. حتى لو أراد ترامب الانسحاب الكامل من إيران، فإنه يتحمل إلى حد كبير إرث الملف النووي الإيراني بسبب قراراته بالانسحاب من الاتفاق النووي الشامل عام 2018 وشن ضربات غير مسبوقة على البرنامج النووي الإيراني في يونيو/حزيران الماضي.

إلا أن المجلس الأطلسي، قال إن ترامب يفضل الخيار الثالث — صفقة جديدة، فقد دعا مرارًا لاستئناف المفاوضات وقدم عدة إشارات بارزة لإيران، بما في ذلك رسالة إلى المرشد الإيراني في مارس/آذار، ودعوة للرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان لحضور قمة السلام في غزة بمصر في أكتوبر/تشرين الأول.

لكن تحقيق صفقة جديدة سيكون مهمة شاقة؛ فإيران شريك تفاوض صعب للغاية، كما يواجه ترامب تحديات خاصة بإدارته تجعل الانحراف عن إيران صعبًا.

وقد تفتح الصفقة المحتملة للإيرانيين شرخًا داخل الحزب الجمهوري، وبغياب استسلام من الحكومة الإيرانية (وهو احتمال ضئيل)، فمن غير المرجح أن تدعم حكومة نتنياهو أي صفقة، مما يضع الجمهوريين المؤيدين لترامب والمعارضين للاتفاق النووي في موقف صعب.

وبحسب المجلس الأطلسي، فإن أي صفقة جديدة تحتاج لأن تكون أفضل من الاتفاق النووي أو على الأقل مختلفة بشكل كبير، وستقاس مستقبلًا بمزايا وعيوب الاتفاق السابق.

وفي النهاية، سيكون الابتعاد الأمريكي عن إيران صعبًا، مهما كان الهدف مفهومًا، فجميع الخيارات تنطوي على عيوب وتحديات، لكن السعي لصفقة دائمة مع إيران يظل الخيار الأكثر واقعية، رغم صعوبة التفاوض معها وبيع الصفقة داخليًا، حيث إن تفويض الآخرين قد يزيد خطر الانغماس الأمريكي في الشرق الأوسط لسنوات قادمة.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى