كواليس التوتر.. لماذا أغلقت أمريكا أعين إسرائيل عن بث مباشر فوق غزة؟

بعيداً عن صخب المعارك في غزة، كانت معركة أخرى تدور في الظل بين واشنطن وتل أبيب؛ عنوانها الأعمق: الثقة.
فوسط تصاعد أعداد الضحايا المدنيين وتزايد الشبهات حول سلوك إسرائيل في إدارة الحرب، لجأت أجهزة المخابرات الأمريكية في عهد الرئيس جو بايدن إلى خطوة غير مسبوقة تجاه حليفها الأقرب، معلّقة تبادل معلومات حساسة ومانعة بثاً استخباراتياً مباشراً لطائراتها فوق القطاع. خطوة خافتة في العلن، لكنها مدوية في حسابات الأمن القومي.
كانت واشنطن، للمرة الأولى منذ شراكتها الطويلة مع إسرائيل، تتصرف كما لو أنها تخشى أن تتحول معلوماتها إلى عبء قانوني وأخلاقي. تقليص التدفق الاستخباراتي، طلب ضمانات جديدة، ومراجعة مستمرة لسلوك الجيش الإسرائيلي… كلها ملامح تحوّل ناعم لكنه عميق.
وفيما استمر الدعم السياسي والعسكري بلا انقطاع، ظل السؤال الذي هزّ غرف التقييم الاستخباراتي قائماً: هل ما زال الحليف يتصرف ضمن حدود الحرب المشروعة؟
فماذا نعرف عن تلك الأزمة؟
ذكرت ستة مصادر مطلعة أن مسؤولي المخابرات الأمريكية علقوا مؤقتا تبادل بعض المعلومات الأساسية مع إسرائيل خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن بسبب مخاوف تتعلق بسلوك إدارة الحرب في غزة.
وفي النصف الثاني من عام 2024، قطعت الولايات المتحدة البث المباشر من طائرة مسيرة أمريكية فوق غزة، كانت تستخدمها الحكومة الإسرائيلية في ملاحقة الرهائن ومقاتلي حركة حماس. وقال خمسة من المصادر إن هذا التعليق استمر لعدة أيام على الأقل.
وذكر اثنان من المصادر أن الولايات المتحدة قيدت أيضا كيفية استخدام إسرائيل لبعض معلومات المخابرات في سعيها لاستهداف مواقع عسكرية بالغة الأهمية في غزة. ورفض المصدران تحديد متى اتخذ هذا القرار.
واشترطت كل المصادر عدم نشر أسمائها للحديث عن معلومات المخابرات الأمريكية.
جاء القرار مع تزايد مخاوف مجتمع المخابرات الأمريكية بشأن عدد المدنيين الذين قتلوا في العمليات العسكرية الإسرائيلية بغزة.
وأفادت مصادر بأن المسؤولين كانوا قلقين من إساءة معاملة جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) للأسرى الفلسطينيين.
وقال ثلاثة من المصادر إن المسؤولين أبدوا قلقهم أيضا من عدم تقديم إسرائيل ضمانات كافية بالتزامها بقانون الحرب عند استخدام المعلومات الأمريكية.
وبموجب القانون الأمريكي، يتعين على أجهزة المخابرات الحصول على هذه الضمانات قبل مشاركة المعلومات مع أي بلد أجنبي.
هل كان القرار مؤثرا؟
وذكر مصدران أن قرار حجب المعلومات داخل أجهزة المخابرات كان محدودا وتكتيكيا وأن إدارة بايدن ظلت تتبع سياسة الدعم المستمر لإسرائيل من خلال تبادل معلومات المخابرات والأسلحة.
وأفادت المصادر بأن المسؤولين سعوا إلى ضمان أن تستخدم إسرائيل معلومات المخابرات الأمريكية وفقا لقانون الحرب.
وقال مصدر مطلع إن مسؤولي المخابرات يتمتعون بصلاحيات اتخاذ بعض قرارات تبادل المعلومات بشكل فوري دون الحاجة إلى أمر من البيت الأبيض.
وذكر مصدر آخر مطلع أن أي طلبات من إسرائيل لتغيير طريقة استخدامها لمعلومات المخابرات الأمريكية تتطلب تقديم ضمانات جديدة بشأن كيفية استخدامها لهذه المعلومات.
ولم تتمكن رويترز من تحديد تواريخ هذه القرارات أو ما إذا كان الرئيس جو بايدن على علم بها. ولم يرد متحدث باسم بايدن على طلب للتعليق.
وحظيت مخاوف إدارة بايدن بشأن تحركات إسرائيل في غزة بتغطية إعلامية واسعة، لكن لا يُعرف الكثير عن كيفية تعامل أجهزة الاستخبارات الأمريكية مع العلاقات مع نظيرتها الإسرائيلية. ويؤكد تقرير «رويترز» على عمق قلق مسؤولي الاستخبارات بشأن كيفية استخدام إسرائيل للمعلومات الاستخباراتية الأمريكية.
إسرائيل ترد
وأكد المكتب الصحفي العسكري الإسرائيلي أن إسرائيل والولايات المتحدة حافظتا على التعاون الأمني طوال الحرب ضد حماس، ولم يتطرق المكتب بشكل مباشر إلى الحالات التي تم فيها حجب المعلومات الاستخباراتية.
وكتب المكتب في رسالة بريد إلكتروني إلى «جيروزاليم بوست»: «استمر التعاون الاستخباراتي الاستراتيجي طوال فترة الحرب».
لم يرد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يشرف على جهاز الأمن العام (الشاباك)، على طلب التعليق.
وقال لاري فايفر، المسؤول السابق في وكالة الأمن القومي ووكالة المخابرات المركزية، إن من المعتاد أن تطلب الولايات المتحدة من متلقي المعلومات الاستخباراتية الأمريكية تقديم ضمانات بأن أي معلومات يتلقونها لن تُستخدم لانتهاك حقوق الإنسان «بأي شكل من الأشكال».
أمر استثنائي
لكن حجب معلومات استخباراتية عن ساحة المعركة عن حليف رئيسي، خاصة أثناء النزاع، أمر غير معتاد، كما قال الخبراء، ويشير إلى وجود توتر بين الطرفين.
وفي حالة إسرائيل، فإن مثل هذه الخطوة حساسة سياسياً أيضاً، نظراً للعلاقات الاستخباراتية الأمريكية الإسرائيلية طويلة الأمد والدعم القوي من الحزبين للبلاد في أعقاب حرب غزة.
«إن تبادل المعلومات الاستخباراتية أمر مقدس، خاصة مع حليف وثيق في منطقة مضطربة»، هذا ما قاله دانيال هوفمان، الرئيس السابق للعمليات السرية لوكالة المخابرات المركزية في الشرق الأوسط.
وقال اثنان من المصادر إن بايدن وقع مذكرة في أعقاب حرب غزة، يوجه فيها وكالات الأمن القومي التابعة له لتوسيع نطاق تبادل المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل.
في الأيام اللاحقة، شكّلت الولايات المتحدة فريقاً من مسؤولي ومحللي الاستخبارات بقيادة البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية، حيث قاموا بتسيير طائرات مسيّرة من طراز MQ-9 Reaper فوق غزة، وقدّموا بثاً مباشراً لإسرائيل للمساعدة في تحديد مواقع عناصر حماس واعتقالهم، وفقاً لثلاثة مصادر مطلعة على الأمر. كما ساهم البث المباشر للطائرات المسيّرة في جهود إنقاذ الرهائن.
وقال مصدران إن جهاز الأمن العام (الشاباك) لم يقدم ضمانات كافية بأنه لا يسيء معاملة سجنائه، مما دفع مسؤولي الاستخبارات الأمريكية إلى قطع وصوله إلى بث الطائرات بدون طيار.
وجاء قرار وقف تبادل المعلومات الاستخباراتية بعد أن قررت إدارة بايدن أنه لا يزال من القانوني للولايات المتحدة إرسال الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية إلى إسرائيل على الرغم من تزايد الادعاءات بين بعض المسؤولين بأن جيشها ينتهك القانون الدولي خلال عملياته في غزة.
وخلال الحرب، قام محللو الاستخبارات الأمريكية بتقييم المعلومات الاستخباراتية باستمرار لتحديد ما إذا كانت تصرفات إسرائيل وحماس على الأرض تتناسب مع تعريف الولايات المتحدة لجريمة الحرب، وذلك وفقًا لشخصين مطلعين على الأمر.
وقالوا إنه على الرغم من أنها لم تكن تحليلات قانونية، إلا أن تلك التقييمات أثارت تساؤلات حول ما إذا كانت إسرائيل تنتهك قانون الحرب.
وفي الأسابيع الأخيرة من الإدارة – بعد أشهر من إيقاف الاستخبارات وإعادة تشغيلها – اجتمع كبار مسؤولي الأمن القومي في البيت الأبيض لعقد اجتماع لمجلس الأمن القومي برئاسة الرئيس بايدن، وفقًا لشخصين مطلعين على الأمر.
تفاقم المخاوف
خلال الاجتماع، اقترح مسؤولو الاستخبارات أن تقوم الولايات المتحدة بشكل رسمي بقطع بعض المعلومات الاستخباراتية التي تم تقديمها لإسرائيل في أعقاب حرب 7 أكتوبر.
كان من المقرر أن تنتهي شراكة تبادل المعلومات الاستخباراتية، وقد صرّح مسؤولو الاستخبارات بأن مخاوفهم بشأن الحرب قد تفاقمت، وفقًا لمصدرين.
قبل أسابيع فقط، جمعت الولايات المتحدة معلومات استخباراتية حذّر المحامون العسكريون الإسرائيليون من أنها قد تحتوي على أدلة تدعم توجيه اتهامات بارتكاب جرائم حرب ضد إسرائيل بسبب تكتيكاتها العسكرية أثناء قتالها حماس.
إلا أن بايدن اختار عدم قطع المعلومات الاستخباراتية، قائلاً إن إدارة ترامب من المرجح أن تجدد الشراكة وأن محامي الإدارة قد قرروا أن إسرائيل لم تنتهك القانون الدولي، وفقًا للمصدرين.
لم يرد المتحدث باسم بايدن على الأسئلة المتعلقة باجتماع عام 2024 وقرار الحفاظ على تبادل المعلومات الاستخباراتية.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




