اسعار واسواق

2025.. عام انتقال الحروب من يد الجنرالات للخوارزميات


في عام 2025، لم تعد الحروب تشتعل بقرار جنرالٍ أو بوميض صاروخ، بل بلمسة خوارزمية ترسم مسار المعارك قبل أن يبدأ الدخان بالتصاعد.

فالذكاء الاصطناعي الذي أصبح لاعباً مركزياً في الأمن العالمي، بات قوة خفية تعيد هندسة العقائد العسكرية وتحول ساحات القتال إلى مسارح تتحرك فيها الأنظمة ذاتية القرار بسرعات لا يستطيع العقل البشري مجاراتها.

إنه العام الذي اختبرت فيه فكرة «التفوق» من جديد؛ لا بعدد الدبابات، بل بقدرة الدول على تحويل البيانات إلى سلاح، والمعلومات إلى قدرة نيران.

فكيف غير الذكاء الاصطناعي ساحة الحروب؟

أحدث الذكاء الاصطناعي تغييرًا جذريًا في كيفية تخطيط الجيش للعمليات وتنفيذها وإدارتها؛ ففي القتال، وفرت الأنظمة ذاتية التشغيل، مثل الطائرات بدون طيار والمركبات الأرضية ذاتية القيادة وحتى الأسلحة الآلية، طرقًا جديدة للتعامل مع التهديدات دون تعريض حياة البشر للخطر.

هذه الأنظمة تستخدم الذكاء الاصطناعي للتنقل في البيئات، ومعالجة البيانات الآنية، واتخاذ القرارات بناءً على معايير مُحددة مسبقًا، مما يُمكّنها من العمل في المناطق عالية الخطورة وتنفيذ المهام بشكل مستقل، بحسب معهد ليبر للقانون والحرب في ويست بوينت.

ويتزايد دور الذكاء الاصطناعي في جمع المعلومات الاستخبارية والمراقبة؛ فأدوات الذكاء الاصطناعي تستطيع تحليل البيانات من الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة وغيرها من المصادر لكشف وتتبع تحركات العدو، وكشف التهديدات الخفية، والتنبؤ بالأنشطة المستقبلية.

وفي مجال الأمن السيبراني، يُعد الذكاء الاصطناعي أداةً حيويةً للكشف عن التهديدات السيبرانية والحد منها، فمن خلال تحليل كميات هائلة من بيانات الشبكة، تستطيع أنظمة الذكاء الاصطناعي اكتشاف الثغرات، والتنبؤ بالاختراقات المحتملة، وتطبيق تدابير مضادة لمنع الهجمات، في ميزة تعد بالغة الأهمية في الحروب الحديثة، حيث تتزايد أهمية الحرب السيبرانية لتضاهي أهمية القتال التقليدي.

فبحسب مجلة غرفة الحرب لكلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي، فإن الأسلحة المدعومة بالذكاء الاصطناعي تعيد تشكيل الحرب الحديثة، بما لها من آثارٍ بالغة على التخطيط الاستراتيجي، وعمليات ساحة المعركة.

استثمارات مليارية

ووفقًا لشركة غراند فيو ريسيرش، قُدّرت قيمة سوق الذكاء الاصطناعي العالمي في المجال العسكري بـ 9.31 مليار دولار أمريكي في عام 2024، مما يعكس انتشارًا واسعًا لوظائف رئيسية مثل المراقبة والقتال والخدمات اللوجستية والأمن السيبراني.

ومن المتوقع أن ينمو دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في أنظمة الدفاع بنسبة 13% سنويًا بين عامي 2025 و2030، في ظل سعي الجيوش إلى تحسين الكفاءة التشغيلية، وتقليل الأخطاء البشرية، وتعزيز القدرات الدفاعية.

وفي عام 2025، خصصت وزارة الدفاع الأمريكية 4.9 مليار دولار أمريكي لأبحاث وتطوير الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على الأنظمة ذاتية التشغيل، وتحليلات البيانات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، وتحسين قدرات اتخاذ القرار.

ومن المتوقع أن يستمر الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي في الطائرات بدون طيار (UAVs) والمركبات البرية بدون طيار (UGVs)، لا سيما في مهام الاستطلاع والدعم التكتيكي.

علاوة على ذلك، أصبحت الصيانة التنبؤية المدعومة بالذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من الخدمات اللوجستية العسكرية؛ فمن خلال الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتوقع أعطال المعدات، يمكن للجيش تحسين جداول الإصلاح، وتقليل فترات التوقف، وضمان الجاهزية التشغيلية، في نهج من المتوقع أن لوزارة الدفاع الأمريكية ما يصل إلى 5 مليارات دولار سنويًا من تكاليف الصيانة.

الذكاء الاصطناعي في الميدان

فكما أعادت الأسلحة النووية تعريف الحرب في القرن العشرين، تُعيد الأسلحة المُدعّمة بالذكاء الاصطناعي تشكيل ساحات المعارك، لا سيما في أوكرانيا وروسيا، في محاولة لتحقيق ميزة إضافية بساحة المعركة.

وتخوض أوكرانيا بالفعل سباقًا ضد روسيا في مجال الطائرات المسيرة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، حيث يستخدم كلا الجانبين تقنيات التحكم الذاتي في ساحة المعركة.

وفي مواجهة التفوق العددي لروسيا، لجأت أوكرانيا إلى الطائرات المسيرة في بداية الحرب، مما أجبر موسكو على اتباع نهجها. وفي الحرب الروسية الأوكرانية، تُشكل الطائرات المسيرة الآن ما يقارب 70-80% من خسائر ساحة المعركة.

وأشار الجنرال فاليري زالوزني، القائد العام السابق لأوكرانيا، إلى أن العديد من الطائرات المسيرة الأوكرانية تعتمد على مكونات تجارية وبرمجيات مفتوحة المصدر، مما يُمكّن من شن حرب استنزاف منخفضة التكلفة.

وأدى التنافس بين قدرات الحرب الإلكترونية ومشغلي الطائرات المسيرة إلى ابتكارات، مثل اعتماد كابلات الألياف الضوئية لتجاوز التشويش، لكن التدابير المضادة لتعطيل هذا التكيف قيد التطوير بالفعل.

والآن، تتبلور المرحلة التالية من حرب الطائرات المسيرة: إذ تتيح أنظمة الاستهداف المدعومة بالذكاء الاصطناعي للطائرات المسيرة تحديد الأهداف وضربها بأقل تدخل بشري، حتى في البيئات شديدة التشويش.

ويلعب الابتكار المدني أيضًا دورًا رئيسيًا، فمجموعات من المتطوعين، تعمل على دمج الذكاء الاصطناعي في منصات الطائرات بدون طيار، مما يقلل من تكلفة الاستهداف في الميل الأخير.

وفقًا لليوبا شيبوفيتش، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة Dignitas، يمكن الآن إضافة الاستهداف القائم على الذكاء الاصطناعي إلى الطائرات بدون طيار مقابل 1000 هريفنيا فقط (حوالي 25 دولارًا).

ومع تطور هذه النماذج من خلال الاستخدام في ساحة المعركة، أصبحت أكثر دقة. ومع ذلك، لا تنجح أنظمة الاستهداف بالذكاء الاصطناعي إلا عند اختبارها وتدريبها مع مستخدمين نهائيين حقيقيين في القتال.

لكن سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي لا يقتصر على المجال الجوي. فقد أجرت أوكرانيا مؤخرًا اختبارات واسعة النطاق لأكثر من 70 مركبة برية مسيرة (UGV) مُطورة محليًا.

هذه التجارب قيمت موثوقيتها التقنية، وجاهزيتها لساحة المعركة، وقدرتها على الأداء في ظل ظروف قاسية، بما في ذلك الحرب الإلكترونية والمسافات البعيدة عن وحدة التحكم.

وقد فاقت معظم الأنظمة التوقعات، حيث يستخدم العديد منها بالفعل وحدات النخبة العسكرية الأوكرانية.

ولم يكن سعي أوكرانيا نحو الاكتفاء الذاتي التكنولوجي أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى حيث تسابق كييف لنشر «منطقة قتل» بدون طيار بطول 15 كيلومترًا على طول الجبهة، مع طموحات لتوسيعها إلى 40 كيلومترًا.

تهدف المبادرة، وهي جزء من مشروع «خط الطائرات بدون طيار» التابع لوزارة الدفاع، إلى جعل الحركة مستحيلة للقوات الروسية دون اكتشافها من خلال دمج الاستطلاع الجوي بشكل وثيق مع العمليات البرية.

وعزز دمج الذكاء الاصطناعي دقة ضربات طائرات FPV الأوكرانية المسيرة من 30% إلى 50% تقريبًا، مما يُشير إلى تنامي دور الذكاء الاصطناعي في ساحة المعركة.

غزة والذكاء الاصطناعي

يُسلّط بول لوشينكو، الأستاذ المساعد في كلية الحرب الأمريكية، الضوء على استخدام إسرائيل للاستهداف المُدار بالذكاء الاصطناعي في غزة كمثال واقعي على كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على قرارات ساحة المعركة.

وتستطيع خوارزميات التعلم الآلي المُدرّبة على البيانات العسكرية التنبؤ بمواقع العدو، وتحليل التكتيكات، وتحسين الضربات. مع ذلك، يُحذّر لوشينكو من أن دمج الذكاء الاصطناعي في العمليات الفتّاكة يُثير مخاوف أخلاقية خطيرة، لا سيما فيما يتعلق بالأسلحة ذاتية التشغيل.

وأفادت التقارير أن استخدام إسرائيل لنظام الذكاء الاصطناعي “لافندر” حدّد ما يصل إلى 37,000 هدف مُحتمل مرتبط بحماس، مما سرّع الغارات الجوية، لكنه ساهم أيضًا في وقوع خسائر بشرية كبيرة في صفوف المدنيين.

هل من مواقع أخرى؟

مشروع «مافن» التابع للجيش الأمريكي، والذي يُحلل مجموعات بيانات ضخمة لتوفير معلومات استخباراتية عملية للقادة. وقد ساهم نظام الذكاء الاصطناعي هذا بشكل كبير في تحسين سرعة ودقة اتخاذ القرارات، مما قلل الوقت اللازم لتقييم ظروف ساحة المعركة وتحديد التهديدات.

ويستخدم مشروع مافن، الذي تنفذه وزارة الدفاع الأمريكية، الذكاء الاصطناعي لمعالجة كميات هائلة من البيانات من صور الأقمار الصناعية ومصادر أخرى. وتُستخدم خوارزميات التعلم الآلي لتحديد الأجسام، ورصد الشذوذ، وتصنيف التهديدات آنيًا، مما يُحسّن بشكل كبير سرعة ودقة تحليلات المعلومات الاستخبارية.

بريطانيا.. والأمن السيبراني

طبّقت وزارة الدفاع البريطانية أنظمةً مدعومةً بالذكاء الاصطناعي لتعزيز قدراتها في مجال الأمن السيبراني. تراقب هذه الأنظمة حركة البيانات على الشبكة باستمرار، وتكشف عن أي خلل، وتتنبأ بالهجمات السيبرانية المحتملة آنيًا.

وفي حال وقوع هجوم، يعزل الذكاء الاصطناعي الأنظمة المتضررة تلقائيًا، مما يقلل الضرر ويمنع انتشار التهديد.

وأدى تطبيق الذكاء الاصطناعي في البنية التحتية للأمن السيبراني بوزارة الدفاع إلى الحد من خطر الهجمات السيبرانية على الشبكات العسكرية، مع تحسن في زمن الاستجابة بنسبة 40%. 

الهند ومراقبة الحدود

بدأ الجيش الهندي باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لمراقبة الحدود، لا سيما في المناطق النائية أو عالية الخطورة.

هذه الأنظمة، المدعومة بالذكاء الاصطناعي، تستخدم تقنيات التعلم الآلي والرؤية الحاسوبية لتحليل اللقطات اللحظية من الطائرات المسيرة والكاميرات على طول الحدود، وتحديد الحركات غير العادية، وعمليات التسلل المحتملة، أو أي تهديدات أخرى، وتستطيع تتبع الأهداف تلقائيًا وتنبيه الجنود إلى المخاطر الأمنية المحتملة، مما يعزز فعالية دوريات الحدود.

وخلال عمليات الحدود، حسّنت أنظمة الذكاء الاصطناعي تغطية المراقبة بشكل ملحوظ، مما أتاح الكشف السريع عن خروقات الحدود، كما قللت من الأخطاء البشرية وعززت الكفاءة التشغيلية، لا سيما في التضاريس الصعبة حيث يكون الوجود البشري محدودًا.

وعزز دمج الذكاء الاصطناعي قدرة الجيش على مراقبة مساحات شاسعة بموارد أقل، مما سمح للأفراد بالتركيز على اتخاذ القرارات الاستراتيجية والاستجابة السريعة.

قلق

وفي حديثه في مؤتمر فيينا حول الأسلحة ذاتية التشغيل، حذّر وزير الخارجية النمساوي ألكسندر شالينبرغ، من أن الحرب التي يُحرّكها الذكاء الاصطناعي قد تنحدر إلى سباق تسلح لا يُمكن السيطرة عليه، مشيرًا إلى أن الطائرات المُسيّرة ذاتية التشغيل وأنظمة الاستهداف المُدارة بالخوارزميات تهدد بجعل القتل الجماعي عمليةً آليةً شبه سهلة.

وحذّر مدون عسكري روسي، من أن الذكاء الاصطناعي سيقضي على أساليب الحرب التقليدية، مما يجعل التمويه والخداع والتدابير المضادة الإلكترونية شبه مستحيلة.

وجادل دان سكينر، الضابط السابق في فيلق المشاة الملكي الأسترالي، بأن ساحة المعركة المستقبلية ستتأثر بشكل كبير بالقدرة على إدارة البصمة البصرية، محذرًا من أنه بدون إخفاء متعدد الأطياف فعال، سيتم الكشف عن القوات واستهدافها وتدميرها فورًا بواسطة أنظمة استشعار تعمل بالذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي – ليس حلاً سحريًا

يجادل بعض الخبراء بأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في تقليل الخسائر غير المقصودة في الحرب، لا سيما في المناطق الحضرية، بينما يحذر آخرون من أنه قد يتصرف بدقة لا هوادة فيها أو يستخدم بيانات خاطئة لاستهداف المدنيين.

هناك تحدٍّ آخر يتمثل في خطر الإفراط في الاعتماد على التكنولوجيا. أشار تريستون ويت، كبير المسؤولين الجيوسياسيين في شركة إنسايت فوروارد والأستاذ المساعد في جامعة جورج تاون، إلى أمثلة تاريخية أعطت فيها الجيوش الأولوية للهيمنة التكنولوجية، لتتفوق عليها تدابير مضادة بسيطة.

فعلى سبيل المثال، أشار ويت إلى الحرب على الإرهاب، حيث كانت الولايات المتحدة رائدة في استخبارات الإشارات، فقام تنظيم القاعدة بالتكيف باستخدام الاتصالات الورقية والمراسلين لتجنب الكشف. وبالمثل، في حرب لبنان الثانية، استخدم حزب الله بطانيات إخماد الحرائق لإخفاء مواقع إطلاق الصواريخ، مما منع الغارات الجوية الإسرائيلية من استهدافها بفعالية.

وبينما ستعزز الذكاء الاصطناعي والأسلحة ذاتية التشغيل بلا شك من الفتك ساحة المعركة، أشار ويت إلى أنه «يجب ألا ينسى القادة أبدًا أن الخيال والحلول البسيطة يمكن أن تقوض هذه الميزة».

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى