مكتبة ترامب.. مبنى «أيقوني» وجناح مخصص لـ«الأخبار الكاذبة»

بدأ مشروع مكتبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اتخاذ خطوات عملية في ميامي، وسط جدل سياسي وقانوني يتناول طبيعته وتمويله وتأثيره المحتمل على السرد التاريخي.
ويسعى فريق ترامب، وفقاً لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، لبناء منشأة “أيقونية” قد تشمل جناحاً مخصصاً لما يصفه هو وأنصاره بـ”الأخبار الكاذبة”،
ويتوقع أن يحاكي المشروع نموذج الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذي أنشأ مؤسسة خاصة لبناء مركزه في شيكاغو، حيث لا تخضع معروضات المتحف لرقابة حكومية مباشرة، بحسب صحيفة “واشنطن بوست”.
تفاصيل المشروع ما تزال محاطة بدرجة كبيرة من السرية، إذ لا توجد قواعد فيدرالية تُلزم بالكشف عن هوية المتبرعين، رغم أن بعضهم قد تكون له مصالح تتأثر بسياسات البيت الأبيض.
وتشير إفصاحات رسمية حديثة إلى أن «مؤسسة مكتبة دونالد ترامب» جمعت نحو 50 مليون دولار خلال العام الجاري، من دون ذكر أسماء المتبرعين، كما أفادت بإنفاق 6 ملايين دولار على «خدمات برامج» من دون توضيح طبيعتها.
ولا يزال الغموض قائمًا حول الدور الفعلي للمكتبة: هل ستكون مركزًا بحثيًا لأوراق الرئاسة كما جرت العادة، أم مجرد متحف بعروض لا تخضع لمراجعة مؤرخين حكوميين؟ وإذا اختار ترامب نموذج أوباما، فسيكون المتحف خارج نطاق المراجعات الرسمية، وهو خيار يتطلب تمويلًا ضخمًا، ما يفسر اعتماد المشروع على مصادر غير تقليدية، بينها أموال تسويات قضائية مع شركات إعلامية.
ويحذر خبراء في شؤون الأرشيف الرئاسي من تبعات هذا الخيار. فبحسبهم، يتيح النموذج الخاص للرئيس ترامب صياغة روايته الخاصة للأحداث، بما في ذلك مزاعم لا تستند إلى وقائع مثبتة، مثل ادعاء ترامب أن انتخابات 2020 سُرقت.
وفي المقابل، يرى منتقدون آخرون أن نموذج أوباما نفسه يفتح الباب أمام «كتابة التاريخ على هوى الرؤساء السابقين».
ويقول كيرت سميث، كاتب الخطب السابق للرئيس جورج بوش الأب، إن هذا النموذج «سيئ للغاية»، محذرًا من أن اتباعه في حالة ترامب سيكون مدعاة للقلق.
ويُرجَّح أن يحتفظ ترامب بمركزه كمشروع خاص بالكامل، ما يعفي الحكومة من تكاليف الصيانة، ويمنحه في الوقت نفسه سيطرة كاملة على مضمون المتحف.
أرض عامة بلا مقابل
الجدل الأكبر دار حول قطعة الأرض المخصصة للمشروع. ففي سبتمبر/أيلول الماضي، وافق مجلس أمناء «كلية ميامي ديد» بسرعة لافتة على نقل ملكية أرض تبلغ مساحتها 2.6 فدان في وسط ميامي إلى ولاية فلوريدا، من دون إعلان صريح عن الغرض الحقيقي.
وبعد أيام، أعلن حاكم فلوريدا، رون ديسانتيس، منح الأرض لمؤسسة مكتبة ترامب، بشرط بدء البناء خلال 5 سنوات وأن يحتوي المشروع على مكتبة أو متحف رئاسي.
الصفقة، التي قُدّرت قيمة الأرض فيها بعشرات الملايين من الدولارات – وربما أكثر بكثير وفق تقديرات عقارية – فجّرت اعتراضات واسعة، وأدت إلى دعوى قضائية بدعوى انتهاك قوانين الشفافية.
كما أثارت تساؤلات سياسية، خاصة مع وصف عمدة ميامي المنتخبة إيلين هيغينز الخطوة بأنها «منح أرض ثمينة لملياردير مجانًا».
منتقدون حذروا من أن وصف المشروع بأنه «مبنى أيقوني» قد يعني تشييد برج ضخم أو مشروع مختلط يتجاوز مفهوم المكتبة التقليدية، متسائلين عن سبب عدم شراء المؤسسة للأرض إذا كان المشروع سيجلب عوائد سياحية واقتصادية كبيرة.
تمويل مثير للجدل
مصادر تمويل المكتبة بدورها أثارت مخاوف من تضارب المصالح. فقد تحدث ترامب عن تبرعات وتسويات بملايين الدولارات مع شركات إعلامية كبرى، إضافة إلى هدية متوقعة من العائلة المالكة القطرية تتمثل في طائرة «بوينغ 747-8» بقيمة تقديرية تصل إلى 400 مليون دولار، على أن تُمنح لاحقًا للمكتبة.

هذه التدفقات المالية دفعت ديمقراطيين في الكونغرس إلى طرح مشروع قانون يقيّد جمع التبرعات للمكتبات الرئاسية، تحسبًا لاستخدامها كوسيلة للتأثير أو «الفساد المقنّع».
ورغم أن المكتبات الرئاسية لطالما شكّلت مصدرًا لا غنى عنه للمؤرخين، فإن الجدل المتصاعد يعكس مخاوف أوسع من تحوّلها إلى منصات دعائية ممولة من جهات خاصة، تُقدّم سرديات تمجيدية أكثر من كونها توثيقًا نقديًا للتاريخ.
وبينما يستعد مركز أوباما للافتتاح، ويخطو الرئيس السابق جو بايدن خطواته الأولى نحو مشروع مماثل في ديلاوير، يمضي ترامب وعائلته بسرعة في جمع الأرض والمال، واضعين الأساس لمكتبة قد تكون الأكثر إثارة للانقسام في تاريخ المكتبات الرئاسية الأمريكية.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=
جزيرة ام اند امز




