اسعار واسواق

«ملكة المعارك».. كيف حسمت المدفعية الأمريكية الحروب؟


لم يأت لقب «ملك المعركة» الذي ارتبط بالمدفعية من فراغ، بل كان نتاج قرون من الحروب أثبت فيها هذا السلاح ثقله الحاسم في موازين القوة.

فمنذ الثورة الأمريكية وحتى الحرب العالمية الثانية، شكّلت المدفعية العمود الفقري للقدرة القتالية الأمريكية، والعامل الذي رجّح كفة الانتصار في معارك مصيرية رسمت مسار الدولة وتاريخها العسكري، وفقا لموقع كولكتور المعني بالتاريخ.

يعود تاريخ المدفعية الأمريكية إلى لحظة تأسيس الولايات المتحدة نفسها، حين أدرك القادة الأوائل أن السيطرة على ساحة المعركة لا تتحقق فقط بعدد الجنود، بل بامتلاك قوة نارية قادرة على كسر إرادة الخصم.

وقد لعبت شخصيات مثل هنري نوكس وألكسندر هاملتون دورًا محوريًا في ترسيخ مكانة المدفعية خلال حرب الاستقلال، لتتحول لاحقًا إلى عنصر ثابت في كل حرب خاضتها الولايات المتحدة.

ورغم أن النيران غير المباشرة لم تكن دائمًا سهلة الاستخدام، فإن التطور التكنولوجي المستمر جعل المدفعية أكثر دقة ومرونة ودموية مع مرور الزمن.

خلال الثورة الأمريكية، كانت المدفعية تُستخدم كسلاح نيران مباشرة، إذ كان على أطقم المدافع رؤية أهدافهم بالعين المجردة. وكان نشر المدافع الثقيلة عملية معقدة وبطيئة، تعتمد على الخيول وتتطلب تخطيطًا دقيقًا يشبه لعبة شطرنج عسكرية.

وكان على القادة الميدانيين الموازنة بين دعم المشاة، واستهداف مدفعية العدو، وتجنّب الوقوع تحت نيران مضادة قد تحوّل المدافع نفسها إلى غنائم بيد الخصم. وهذا الواقع فرض مستوى عاليًا من التنسيق داخل جيش القارة بقيادة جورج واشنطن، الذي أدرك أن سوء استخدام المدفعية قد يكون قاتلًا بقدر غيابها.

وبرز الدور الحاسم للمدفعية بوضوح في حصار بوسطن شتاء 1775-1776، عندما قاد الكولونيل هنري نوكس مهمة شاقة لنقل المدافع من حصن تيكونديروجا إلى محيط المدينة، ما أجبر البريطانيين على الانسحاب.

ومع اندلاع حرب 1812، استمر الاعتماد على المدفعية، لكن مع إدخال ابتكارات جديدة غيّرت طبيعة تأثيرها في ساحة القتال. فقد ظهرت قذائف الشظايا، التي أحدثت دمارًا واسعًا في صفوف المشاة، إلى جانب المدفعية الصاروخية التي، رغم ضعف دقتها، امتلكت أثرًا نفسيًا كبيرًا.

وكانت هذه الصواريخ حاضرة في معركة حصن ماكهنري عام 1814، حيث استلهم فرانسيس سكوت مشهد «وهج الصواريخ الأحمر» الذي أصبح جزءًا من النشيد الوطني الأمريكي.

وخلال الحرب، أثبتت المدفعية فعاليتها في ساحات الدفاع والهجوم، سواء في تصدي الجنرال ويليام هنري هاريسون للقوات البريطانية، أو في معركة بلاتسبيرغ، وصولًا إلى معركة نيو أورلينز عام 1815، حين حسم أندرو جاكسون المواجهة رغم تفوق البريطانيين العددي.

أما الحرب الأهلية الأمريكية، فقد شكّلت نقطة تحول جوهرية في تاريخ المدفعية، مع إدخال المدافع المحلزنة التي حسّنت المدى والدقة بشكل غير مسبوق. هذا التطور سمح باستخدام المدفعية كنيران غير مباشرة، وفتح الباب أمام تكتيكات أقرب إلى المفهوم الحديث للحرب.

المدفعية الأمريكية

كما شهدت تلك الفترة استخدام مناطيد المراقبة لرصد تحركات العدو وتوجيه النيران عبر إشارات بالأعلام، في سابقة عززت من دمج الاستخبارات بالمدفعية.

وكان التفوق الصناعي للاتحاد في تصنيع المدافع عاملًا حاسمًا في هزيمة الكونفدرالية، خاصة في معركة جيتيسبيرغ، حيث لعب القصف المدفعي الكثيف دورًا مركزيًا في إفشال هجوم بيكيت، قبل أن تواصل المدفعية تأثيرها حتى آخر اشتباكات الحرب.

وفرضت الحرب العالمية الأولى واقعًا مختلفًا، إذ جعلت حرب الخنادق من المدفعية السلاح الأهم في كسر الجمود القتالي. وبرزت تكتيكات مثل «النيران الزاحفة»، التي وفّرت غطاءً ناريًا متحركًا أمام تقدم المشاة.

واعتمدت القوات الأمريكية على مزيج من الاتصالات الهاتفية والاستطلاع الجوي لتنسيق الضربات، في أول نموذج واسع النطاق للحرب المشتركة بين المدفعية والمشاة والاستخبارات والطيران.

ورغم دخول الولايات المتحدة الحرب في مراحلها الأخيرة، فإن الاستخدام الكفء للمدفعية مكّنها من تحقيق إنجازات حاسمة، من كانتيني إلى ميز-أرغون، مثبتة مرة أخرى أن «ملك المعركة» لا غنى عنه.

المدفعية الأمريكية

وفي الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى، واصلت الولايات المتحدة تطوير قدرات مدفعيتها، وصولًا إلى الحرب العالمية الثانية، حيث ظهرت المدفعية ذاتية الحركة التي جمعت بين القوة النارية والقدرة على المناورة.

وفي أوروبا، كانت المدفعية حاضرة في كل المعارك الكبرى تقريبًا، من إنزال النورماندي إلى معركة الأردين، فيما واجه استخدامها في المحيط الهادئ تحديات لوجستية حدّت من انتشارها، دون أن تلغي دورها بالكامل.

وفي ذروة هذا المسار التاريخي، جاء قرار إسقاط القنابل الذرية على هيروشيما وناغازاكي، بقرار من الرئيس هاري ترومان، الضابط السابق في سلاح المدفعية خلال الحرب العالمية الأولى. ورغم الجدل المستمر حول هذا القرار، فإنه شكّل تتويجًا رمزيًا لعقيدة القوة النارية القصوى التي تطورت على مدى عقود.

واليوم، كما في الماضي، تواصل المدفعية التطور، محافظة على مكانتها بوصفها «ملك المعركة» في عالم تتغير فيه الحروب، لكن لا تتغير فيه أهمية القوة النارية المنضبطة.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=

جزيرة ام اند امز

NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى