تخفيف حظر السيارات الحرارية.. تراجع أوروبي بلا أثر في البورصة

رغم التراجع الأوروبي الجزئي عن الحظر الكامل للسيارات ذات المحركات الحرارية بحلول عام 2035، جاءت ردة فعل الأسواق المالية فاترة، بل سلبية.
فقرار المفوضية الأوروبية الاكتفاء بهدف 90% بدل 100% كهرباء لم يطمئن المستثمرين، ولم يمنح شركات السيارات الأوروبية دفعة حقيقية، لتتراجع أسهم “رينو” و”ستيلانتيس” وسط تشكيك واسع في جدوى هذه الخطوة على تنافسية القطاع.
تخفيف القيود… ولكن بشروط
وسجل قطاع السيارات تراجعا في البورصة يوم الثلاثاء عقب إعلان المفوضية الأوروبية التخلي عن هدف “100% كهرباء” بحلول 2035، والعودة إلى سقف 90%، شريطة تعويض الـ10% المتبقية عبر استخدام فولاذ منخفض الكربون منتج داخل الاتحاد الأوروبي، أو عبر الوقود الحيوي والاصطناعي، بحسب محطة “بي إف إم” التلفزيونية الفرنسية.
ورغم أن هذا التعديل بدا، نظريا، أقل تشددا، إلا أن بنوكا كبرى مثل “سيتي” اعتبرته “الحد الأدنى الممكن”، مؤكدة أنه لا يقدم دعما حقيقيا لقدرة الصناعة الأوروبية على المنافسة، فيما وصفت “يو بي إس” القرار بأنه “مخيب للآمال” مقارنة بتوقعات السوق المرتفعة.
السياق الدولي.. أمريكا تتراجع عن الكهرباء
يأتي هذا التحول الأوروبي في سياق عالمي متقلب، ففي الولايات المتحدة، جعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من تحرير الاقتصاد أحد أعمدة سياسته، وكانت صناعة السيارات في قلب هذا التوجه.
إذ عمل على تفكيك سياسات التحول الكهربائي التي أقرتها إدارة جو بايدن، فألغيت الإعفاءات الضريبية التي كانت تصل إلى 7500 دولار لشراء السيارات الكهربائية، كما ألغيت الغرامات المحتملة على الشركات التي لا تحترم سقوف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
النتيجة كانت صادمة: مبيعات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة انهارت بأكثر من 40% في نوفمبر/تشرين الثاني، فيما أعلنت “فورد” بداية الأسبوع عن تغيير استراتيجي فسر على أنه تراجع عملي عن الرهان الكلي على الكهرباء.
توقعات عالية.. وقرار أضعف من المنتظر
على مدى أسابيع، راهن محللون ومستثمرون على أن تحذو أوروبا حذو واشنطن، مع توقعات بتأجيل حظر السيارات الحرارية خمس سنوات، أو حتى خفض هدف خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من 100% إلى 50% بحلول 2035، كما ذهبت إلى ذلك “بنك أمريكا” في أحد تقاريرها.
لكن ما صدر فعلياً عن بروكسل كان أقل بكثير من هذه السيناريوهات، إذ أبقت المفوضية على جوهر السياسة المناخية مع بعض المرونة المحدودة، بما يسمح باستمرار بيع السيارات الهجينة والحرارية بعد 2035 ضمن هامش ضيق.
تفاصيل تقنية.. بلا أثر فوري
وشملت المقترحات الجديدة أيضاً تخفيفا في أهداف انبعاثات المركبات التجارية الخفيفة، بخفض المطلوب إلى 50% بحلول 2030 بدلا من 40% سابقاً، إضافة إلى منح «اعتمادات فائقة» لبعض السيارات الكهربائية الصغيرة، بمعامل 1.3 لكل سيارة مباعة.
غير أن هذه الإجراءات، بحسب المحللين، لا تحمل أثرا ماليا ملموسا قبل عام 2030، ما يفسر محدودية تأثيرها على نتائج الشركات في الأمد القريب.
الأسهم تتراجع.. والمستثمرون غير مقتنعين
لم تستقبل الأسواق هذه الإعلانات بحماسة. فقد تراجع سهم رينو بنحو 2% يوم الثلاثاء، قبل أن يواصل الانخفاض بنسبة 0.3% يوم الأربعاء، أما ستيلانتيس فتذبذب أداؤها، في حين هبط سهم “فولكس فاغن” بأكثر من 3% خلال يومين.
وتحذر “سيتي” من أن الاتحاد الأوروبي “يواصل التضحية بتنافسية صناعة السيارات والوظائف لصالح أجندته البيئية”، خاصة مقارنة بالدعم الحكومي الذي تحظى به الشركات الأمريكية والصينية، وترى أن الشركات الجماهيرية مثل رينو وستيلانتيس وفولكس فاغن هي الأكثر تضررا في ظل تصاعد المنافسة الصينية.
مرونة أكبر.. ولكن المشكلة أعمق
صحيح أن القواعد الجديدة تمنح الشركات بعض المرونة وتخفف الضغط على الهوامش والتدفقات النقدية، كما تسمح بتلبية طلب المستهلكين على الطرازات الهجينة القابلة للشحن، التي قد تكون الرابح الأكبر من هذه التعديلات. لكن ذلك، وفق المحللين، لا يغير الصورة الأساسية.
وتلخص “يو بي إس” الموقف بالقول إن ما أعلن “يخفف الوضع القائم بشكل محدود، لكنه دون مستوى الآمال المتفائلة للسوق”، مشيرة إلى أن أوروبا “أرسلت إشارة بأنها تدرك تحديات الصناعة، لكنها في الوقت نفسه أغلقت الباب أمام أي انعطاف جذري في سياستها المناخية”.
والتحول الأوروبي عن الحظر الكامل للسيارات الحرارية في 2035 جاء متأخرا ومحدود الأثر، وبين تشدد بيئي مستمر ومنافسة عالمية شرسة، لا تزال صناعة السيارات الأوروبية، وخاصة رينو وستيلانتيس، تدفع ثمن فجوة تنظيمية لم تنجح بروكسل بعد في ردمها.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




