اسعار واسواق

الانتخابات المحلية بمقديشو.. اختبار سياسي وأمني للحكومة الصومالية


في خطوة تعد مفصلية على طريق التحول الديمقراطي، يدخل الصومال مرحلة دقيقة مع اقتراب موعد انتخابات المجالس المحلية في إقليم بنادر، التي تشهد استعدادات تنظيمية وأمنية غير مسبوقة.

وبين إعلان مراكز الاقتراع، وجهود أمنية مكثفة، وترقب شعبي واسع داخل مقديشو، يتجاوز هذا الاستحقاق كونه إجراء إداريا محليا ليصبح اختباراً لقدرة الدولة الصومالية على إدارة انتخابات مباشرة بنظام «صوت واحد لكل ناخب»، في ظل تحديات سياسية وأمنية معقدة، وخلافات داخلية حول مسار العملية الانتخابية ومستقبل النظام السياسي في البلاد.

إجراءات لوجستية

وأعلنت الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود عدد مراكز الاقتراع ومواقعها لانتخابات المجالس المحلية في إقليم بنادر الذي يضم العاصمة مقديشو، المقرر إجراؤها الخميس.

وأكد رئيس الهيئة عبد الفتاح فيصل حسين، خلال مؤتمر صحفي عقده في مقر الهيئة بمقديشو، أن 16 دائرة انتخابية ستستضيف انتخابات المجالس المحلية في إقليم بنادر، موزعة على 213 مركز اقتراع و523 موقع تصويت.

وقال إن عملية التصويت ستبدأ الخميس في تمام الساعة السادسة صباحا، وتستمر حتى الساعة السادسة مساءً بالتوقيت المحلي في جميع مراكز الاقتراع بإقليم بنادر.

وأضاف أن من يصل إلى مركز الاقتراع بعد الساعة السادسة مساءً لن يُسمح له بالتصويت، فيما سيُمنح المواطنون الذين يقفون في الطوابير عند هذا التوقيت فرصة أخرى للإدلاء بأصواتهم.

كما حذر المسؤول الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات من القيام بأي حملات انتخابية داخل مراكز الاقتراع أو في أماكن انعقاد انتخابات المجالس المحلية في إقليم بنادر.

والثلاثاء، أعلنت الهيئة أنها ستنشر نحو 5 آلاف موظف اقتراع في مراكز التصويت بالعاصمة للإشراف على الانتخابات التي تُجرى وفق مبدأ “صوت واحد لكل ناخب”.

وقالت إن الموظفين الذين سيتم نشرهم خضعوا لتدريبات مكثفة شملت إدارة العملية الانتخابية، وحقوق الناخبين، والإجراءات القانونية الكفيلة بضمان النزاهة والشفافية.

وأكدت أن الانتخابات تمثل محطة مفصلية في مسار التحول الديمقراطي في الصومال، مشددة على أن حياد الموظفين ونزاهتهم والتزامهم بالمعايير المهنية عوامل أساسية في بناء ثقة الجمهور بالعملية الانتخابية.

ترقب شعبي واستنفار أمني

ويترقب سكان إقليم بنادر إجراء الانتخابات العامة المقرر تنظيمها الخميس في العاصمة مقديشو، وسط اهتمام سياسي وشعبي واسع.

فيما شهدت العاصمة الصومالية مقديشو، استنفارًا أمنيا غير مسبوق، تزامنا مع إجراء انتخابات المجالس المحلية.

وبدأت الحكومة الفيدرالية الصومالية الأربعاء نشر قوات الشرطة وقوات الأمن الأخرى على الطرق الرئيسية في مقديشو لضمان أمن الانتخابات.

ووفق السلطات الأمنية تهدف هذه القوات إلى تأمين مواقع الاقتراع، لا سيما الطرق المؤدية إليها، حيث تتواصل الاستعدادات النهائية للانتخابات في أحياء منطقة بنادر.

وتأتي هذه الخطوة عقب اجتماع عُقد الثلاثاء في مقديشو بين كبار ضباط الشرطة والمفوضية الانتخابية، والذي ركز على خطة لضمان الأمن في مواقع الاقتراع وكيفية منع أي اضطرابات أمنية.

إغلاق مطار 

وضمن الترتيبات الأمنية واللوجستية الهادفة إلى ضمان سلامة العملية الانتخابية، أعلنت هيئة الطيران المدني الصومالية إغلاق مطار عدن عدي الدولي بمقديشو  الخميس.

وقالت الهيئة، في بيان إن جميع الرحلات الجوية من وإلى مقديشو ستُعلّق خلال فترة الإغلاق، داعية شركات الطيران ووكالات السفر والمسافرين إلى تعديل جداول رحلاتهم وفقًا لذلك.

وأكدت أن حركة الطيران ستُستأنف بشكل طبيعي فور رفع القيود المرتبطة بالانتخابات، كما دعت المسافرين إلى متابعة الإعلانات الرسمية تحسبًا لأي مستجدات.

ويأتي قرار إغلاق المطار بالتوازي مع تنفيذ خطة أمنية واسعة أعلنتها الأجهزة الأمنية الصومالية، تقضي بنشر نحو 10 آلاف عنصر من الشرطة لتأمين انتخابات المجالس المحلية المقررة في اليوم نفسه.

وقال وزير الأمن الداخلي الصومالي، عبد الله شيخ إسماعيل، في تصريح صحفي، إن الشرطة الصومالية استكملت جميع استعداداتها، وباتت جاهزة لضمان إجراء انتخابات سلمية وآمنة ونزيهة.

وأكد الوزير أن حماية المدنيين، ومراكز الاقتراع، والعاملين في العملية الانتخابية، إضافة إلى تأمين البنية التحتية الحساسة، تتصدر أولويات الأجهزة الأمنية.

وأشار إلى انتشار قوات الشرطة في مختلف أحياء العاصمة، وتعزيز نقاط التفتيش، وتكثيف الدوريات، ورفع مستوى التنسيق الاستخباراتي، تحسبًا لأي تهديدات محتملة، لا سيما من الجماعات المسلحة الساعية لعرقلة الانتخابات.

وتُعد انتخابات المجالس المحلية في مقديشو حدثًا تاريخيًا، كونها أول انتخابات مباشرة بنظام الاقتراع العام تشهدها العاصمة منذ أكثر من خمسين عامًا.

وتأتي هذه الانتخابات في إطار مساعي الحكومة الفيدرالية للانتقال من نظام انتخابي غير مباشر قائم على المحاصصة القبلية إلى نظام ديمقراطي يعتمد التصويت الشعبي المباشر.

موقف المعارضة 

في المقابل، أعلن مجلس مستقبل الصومال، وهو تكتل يضم قوى معارضة صومالية، رفضه الانتخابات المحلية المقررة في إقليم بنادر، الذي يضم العاصمة مقديشو.

وجاء ذلك في ختام اجتماع عقده المجلس بمدينة كيسمايو، حيث وصف الانتخابات بأنها عملية “أحادية الاتجاه” تفتقر إلى التوافق الوطني.

ومنح التكتل المعارض الرئيس حسن شيخ محمود مهلة شهر واحد لعقد حوار شامل مع جميع الأطراف السياسية، في محاولة لتجنب ما وصفه بـ”فراغ دستوري محتمل وصراعات سياسية قد تهدد الاستقرار”.

ومنذ عام، يشتد الجدل داخل الصومال بشأن الانتخابات المباشرة المرتقبة عام 2026، بعد 57 عاماً من آخر اقتراع أُجري عام 1968، بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، التي تعتمد بشكل رئيسي على المحاصصة القبلية في ولايات البلاد وفق نظام 4.5، الذي جرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية»، وفي ظل سيطرة 4 عشائر كبرى هي: هوية، ودارود، ورحنوين، ودِر.

الرئاسة الصومالية ترد

من جهته، أعلن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود عن استجابته لدعوة المعارضة بفتح حوار معها وقال خلال كلمة ألقاها بفعالية انتخابية لحزب العدالة والتضامن الحاكم في مقديشو الثلاثاء إنه يوافق على الحوار مع المعارضة بشأن انتخابات عام 2026 وتعديل دستور البلاد.

وأضاف أن الحكومة الفيدرالية توافق على مطلب المعارضة الرامي الى إجراء حوار وطني جامع، واصفا إياه بأنه أهم ما تمخض عنه مؤتمر المعارضة الذي عُقد في كيسمايو الأسبوع الماضي واستمر ثلاثة أيام.

وقال: “لقد استخلصنا نقطة واحدة من نتائج مؤتمر كيسمايو، وهي فتح باب الحوار والحوار مفتوح، وقد استجابت الحكومة رسميًا لهذا الطلب”.

ودعا المعارضة إلى تقديم رؤية واضحة وبناءة قابلة للنقاش الوطني، مشددا على أن أي توافق سياسي يجب أن يكون مفهومًا للرأي العام وقابلًا للتفاوض ضمن الأطر الدستورية والمؤسسية.

وحذر الرئيس الصومالي من مخاطر تحويل الخلافات السياسية إلى مواجهات مسلحة، مؤكدا أن الجمود السياسي لا يخدم الاستقرار، وأن وحدة البلاد تمثل أولوية لا تقبل المساومة.

نظام 4.5

ويشير مصطلح “نظام 4.5” في الصومال إلى نظام المحاصصة القبلية في تقاسم المناصب السيادية، حيث تُوزَّع المقاعد على أربع قبائل رئيسية، فيما يُمنح نصف مقعد للمجموعات العرقية الصغيرة.

وانبثق هذا النظام عن مؤتمر عرتا للسلام في جيبوتي بالعام 2000 وشارك فيه أكثر من 2500 مندوب، من بينهم شيوخ عشائر، وعلماء، ونساء، ورائدات أعمال، برعاية الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) وحكومة جيبوتي.

وأصدر المؤتمر إعلان عرتا، الذي أسفر عن إنشاء الحكومة الوطنية الانتقالية برئاسة عبد القاسم صلاد حسن، وهي أول حكومة صومالية معترف بها دوليًا منذ عام 1991، وأعادت عضوية الصومال في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.

وبموجب هذا النظام، قُسِّم البرلمان على أسس عشائرية لضمان تقاسم السلطة. ورغم أن النظام نُسب إليه في البداية تحقيق قدر من التوازن، إلا أنه واجه انتقادات واسعة بسبب ترسيخه الهوية العشائرية في السياسة، وإعاقته القيادة القائمة على الجدارة، وتكريسه عدم المساواة.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى