الصفقات الكبرى عنوان 2025.. ماذا يخبئ 2026 للاقتصاد المصري؟

لم يكن عام 2025 مجرد محطة عابرة في مسار الاقتصاد المصري،بل مثّل نقطة تحول أعادت تشكيل خريطة التمويل والاستثمار، مع صعود الصفقات الكبرى وتراجع الاعتماد على الأموال الساخنة.
ومع اقتراب 2026، يفرض السؤال نفسه بقوة: هل تنجح القاهرة في تثبيت نموذج اقتصادي تقوده الاستثمارات طويلة الأجل، أم تعود الأسواق لرهان السيولة المتقلبة، أم أن المرحلة المقبلة ستشهد معادلة أكثر تعقيدا تجمع بين الاثنين؟
خلال 2025، بدا واضحا أن الدولة المصرية اختارت مسارا مختلفا في إدارة التحديات الاقتصادية، قائما على تعظيم قيمة الأصول، وبناء شراكات استراتيجية، وجذب استثمارات مباشرة ضخمة، بدلا من الاكتفاء بسد فجوات التمويل عبر الاقتراض أو تدفقات المحافظ الأجنبية قصيرة الأجل، التي أثبتت التجارب السابقة هشاشتها أمام أي اضطراب عالمي أو إقليمي.
هذا التحول لم يأت من فراغ، بل جاء بعد سنوات من الضغوط على ميزان المدفوعات، وتقلبات حادة في سوق الصرف، وارتفاع تكلفة خدمة الدين، وهي عوامل دفعت صانع القرار إلى إعادة تعريف مفهوم الاستقرار الاقتصادي باعتباره استقرارا إنتاجيا واستثماريا لا مجرد توازن نقدي مؤقت.
2025… عام الصفقات بامتياز
شهد العام المنقضي سلسلة من الصفقات والاستثمارات الكبرى في قطاعات حيوية، أبرزها العقارات، والطاقة، والبنية التحتية، والخدمات اللوجستية، ما عزز من تدفقات النقد الأجنبي، ورفع منسوب الثقة في الاقتصاد المصري لدى مؤسسات التمويل الدولية وصناديق الاستثمار الإقليمية.
وكان من أبرز هذه الصفقات التي شكلت عناوين بارزة في 2025 الصفقة العقارية الكبرى مع قطر، حيث أعلنت شركة Qatari Diar, الذراع العقاري لصندوق الثروة السيادي القطري، توقيع اتفاق استثماري بقيمة نحو 29.7 مليار دولار في مشروع تطوير عقاري ضخم على الساحل الشمالي المصري.
تمثل هذه الصفقة واحدة من أكبر الصفقات في تاريخ الاستثمار الأجنبي في مصر، وتهدف إلى تطوير مجمعات سكنية وسياحية مترامية في واحدة من أكثر المناطق جذبا للمستثمرين الخليجيين والأجانب.
وتأتي اتفاقية الطاقة التاريخية لتوريد الغاز، التي صدق عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي، والتي تقضي بتوريد الغاز من حقل Leviathan في المتوسط إلى مصر بقيمة تصل إلى حوالي 35 مليار دولار على مدى عقود عدة من ثاني أهم الصفقات
تمثل هذه الصفقة هدفا استراتيجيا للربط بين البنية التحتية للطاقة في مصر وإمدادات الغاز الإقليمية، وهو ما يعزز موقع القاهرة كمركز إقليمي للطاقة وتصدير الغاز.
شراكة في قطاع النقل والموانئ، حيث أعلنت شركة DP World الإماراتية، بالتعاون مع الجانب المصري، عن توسعة مشاريع الموانئ والخدمات اللوجستية في شرق وغرب بورسعيد باستثمارات تقدر بما يتجاوز 8 مليارات دولار، وذلك بهدف تعزيز قدرة مصر التنافسية كمحور لوجستي عالمي على خط التجارة بين أوروبا وآسيا.
مشروعات الطاقة المتجددة بمشاركة تحالفات أوروبية وعربية، بما في ذلك مشروعات للطاقة الشمسية وطاقة الرياح باستثمارات تتجاوز 5 مليارات دولار، في إطار سعي مصر لتعزيز مساهمة الطاقة النظيفة في مزيجها للطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري مع خلق فرص عمل وتقليل فاتورة الاستيراد.
هكذا، لم تقتصر صفقات 2025 على إطار التمويل الدولي أو القروض، بل امتدت إلى مشروعات استراتيجية في العقارات والطاقة والبنية التحتية، ما عزز من قدرة الاقتصاد المصري على امتصاص الصدمات الخارجية، وتوفير فرص عمل واسعة، وجذب تدفقات نقد أجنبي عبر شراكات إنتاجية طويلة الأمد.
ويرى الدكتور سامح عطية، أستاذ الاقتصاد ورئيس أحد مراكز الدراسات الاقتصادية، أن ما جرى في 2025 يعكس تغييرا جذريا في فلسفة إدارة الاقتصاد، حيث لم تعد الدولة تبحث فقط عن سيولة تسد عجزا مؤقتا، بل عن استثمارات تنشئ أصولا وتخلق فرص عمل وتدعم الصادرات على المدى المتوسط والطويل.
ويضيف أن الصفقات الكبرى، بخلاف الأموال الساخنة، لا تغادر السوق عند أول أزمة، بل ترتبط بمصالح استراتيجية تجعل المستثمر شريكا في النجاح والمخاطر معا.

لماذا تراجع رهان الأموال الساخنة؟
على مدار السنوات الماضية، كانت تدفقات المحافظ الأجنبية أحد مصادر دعم الاحتياطي النقدي، لكنها في الوقت نفسه شكلت مصدر قلق دائم لصناع القرار، نظرا لسرعة خروجها عند تغير الأوضاع العالمية أو ارتفاع المخاطر.
ويقول الخبير المصرفي عز الدين حسانين إن التجربة أثبتت أن الاعتماد المفرط على الأموال الساخنة يخلق استقرارا زائفا، سرعان ما ينهار مع أي صدمة خارجية، مشيرا إلى أن الدولة باتت أكثر حذرا في استخدام هذا النوع من التدفقات، وتتعامل معه كأداة مساندة لا كركيزة أساسية.
ويضيف أن 2025 شهدت محاولة واضحة لإعادة ضبط التوازن بين الاستثمار المباشر طويل الأجل وتدفقات المحافظ، بما يقلل من تقلبات سوق الصرف ويمنح السياسة النقدية مساحة أوسع للمناورة.
صندوق النقد.. شريك المراقبة لا الإملاء
تزامن زخم الصفقات مع استمرار برنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولي، الذي لعب دور المرآة الخارجية لمسار الاقتصاد المصري. ورغم إشادة الصندوق بتحسن المؤشرات الكلية، فإنه واصل الضغط لتسريع الإصلاحات الهيكلية، وعلى رأسها تقليص دور الدولة والتوسع في التخارج من الأصول.
ويرى الدكتور محمد أنيس، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، أن استكمال مراجعات صندوق النقد خلال 2025 لم يكن مهما بسبب قيمة الشرائح التمويلية فقط، بل لأنه بعث رسالة طمأنة قوية للأسواق الدولية بأن مصر ماضية في مسار إصلاحي يمكن الرهان عليه.
ويضيف أن هذا الالتزام انعكس مباشرة على استعداد مؤسسات دولية وإقليمية لضخ استثمارات مباشرة، وليس مجرد تقديم قروض أو تسهيلات قصيرة الأجل.
2026.. من يقود المشهد؟
مع دخول العام الجديد، تنقسم توقعات الخبراء حول القوة التي ستقود الاقتصاد المصري في 2026، بين ثلاثة مسارات رئيسية، يبدو أن أحدها فقط لن يكون كافيا بمفرده.
الخبير الاقتصادي أحمد خطاب يرى أن الصفقات الكبرى ستظل المحرك الأساسي للنمو في 2026، خاصة مع بدء ظهور آثارها الفعلية على التشغيل والنشاط الاقتصادي، معتبرا أن العام المقبل سيكون عام جني الثمار الأولية لما تم التأسيس له في 2025.
في المقابل، لا يستبعد خبراء عودة الأموال الساخنة إلى السوق المصرية، مدفوعة بتحسن مؤشرات التضخم، واستقرار نسبي في سوق الصرف، وتوقعات خفض أسعار الفائدة عالميا، لكن هذه العودة -وفق خطاب- ستكون محكومة بسقوف واضحة، ولن تعود إلى لعب الدور المحوري كما في السابق.
أما السيناريو الأكثر ترجيحا، بحسب أغلب التقديرات، فهو المعادلة المختلطة، التي تجمع بين استثمارات مباشرة تقود الاتجاه العام، وتدفقات محافظ تستخدم كأداة دعم عند الحاجة، دون أن تتحول إلى عبء أو مصدر تقلب دائم.
الرهانات الكبرى… والمخاطر الكامنة
رغم التفاؤل الحذر، يحذر خبراء من أن نجاح 2026 مرهون بعدة عوامل، في مقدمتها سرعة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، وتبسيط الإجراءات، وتحسين مناخ الأعمال. فغياب هذه العناصر قد يحول الصفقات الكبرى إلى مجرد أرقام على الورق، دون أثر ملموس على الاقتصاد الحقيقي.
وتشير الخبيرة الاقتصادية ليلى سليم إلى أن التحدي الأكبر لا يكمن في جذب الاستثمارات، بل في إدارتها وتحويلها إلى قيمة مضافة حقيقية يشعر بها المواطن، مؤكدة أن الأسواق تراقب عن كثب قدرة الحكومة على تحقيق توازن بين متطلبات الإصلاح والبعد الاجتماعي.
إذا كان 2025 قد حمل عنوان عام الصفقات الكبرى، فإن 2026 سيكون بلا شك عام الاختبار الحقيقي لقدرة الاقتصاد المصري على الانتقال من مرحلة البحث عن السيولة إلى مرحلة بناء القيمة والاستدامة
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




