اسعار واسواق

فرنسا بلا خريطة طاقة واضحة.. كهربة مؤجلة واستثمارات على المحك


في وقتٍ تتسارع فيه تحولات الطاقة عالميا، وتدفع الدول نحو تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري، لا تزال فرنسا تنتظر خارطة طريقها الطاقية الجديدة.

ووسط ضغوط اقتصادية، وتباطؤ في الاستهلاك، وتحديات اجتماعية وصناعية، تجد الحكومة الفرنسية نفسها أمام لغز معقّد، يتمثّل في كيفية إنجاح كهربة الاقتصاد وتوسيع استخدام الكهرباء، دون إثقال كاهل المواطنين أو إرباك قطاع الطاقة.

وقالت صحيفة “ليزيكو” الفرنسية إن فرنسا لم تحصل، حتى نهاية عام 2025، على استراتيجيتها الطاقية الجديدة التي كان من المفترض الإعلان عنها قبل عيد الميلاد.

ويأتي هذا التأخير رغم التعهّد الذي قطعه رئيس الوزراء الفرنسي سباستيان لوكورنو قبل شهر، ورغم أن البرمجة متعددة السنوات للطاقة تعاني أصلًا من تأخر يقترب من عامين عن الجدول الزمني المحدد لها.

هذا الغياب لخارطة طريق واضحة يثير قلق الفاعلين في قطاع الطاقة، في وقت تحتاج فيه فرنسا إلى قرارات حاسمة لتوجيه الاستثمارات، وضمان أمنها الطاقي، وتحقيق أهدافها المناخية.

وكانت الحكومة الفرنسية قد وعدت بإعلانات مرتقبة تشمل تسريع تطوير الطاقات المتجددة، وضبط أسعار الكهرباء، وتقديم دعم مباشر للطلب على الكهرباء.

غير أن المشكلة الأساسية تكمن في أن استهلاك الكهرباء في فرنسا لا يشهد النمو المتوقع، سواء في قطاع النقل أو الصناعة أو الاستخدامات المنزلية، ما يضعف جدوى الاستثمارات الضخمة في إنتاج الكهرباء النظيفة.

وفي هذا السياق، تبدو هوامش المناورة الحكومية محدودة، بسبب القيود المالية، وحساسية ملف أسعار الطاقة اجتماعيًا، إضافة إلى المنافسة مع الغاز والوقود الأحفوري الأقل خضوعًا للضرائب في بعض الاستخدامات.

ورغم غياب الرؤية الحكومية الواضحة، لم ينتظر الفاعلون في قطاع الطاقة طويلًا، إذ وجّه اتحاد الكهرباء الفرنسي قائمة مطالبه إلى السلطة التنفيذية، في محاولة لما سماه «إعادة سحر الكهرباء».

ومن بين 50 مقترحًا قدّمها الاتحاد، برزت أفكار لافتة، من بينها خفض الضرائب على الكهرباء، التي لا تزال أعلى من الضرائب المفروضة على الغاز، وإنشاء شباك موحد لمرافقة القطاع الصناعي في التخلي التدريجي عن الطاقات الأحفورية، إلى جانب تخطيط وطني واسع لتركيب مضخات الحرارة في المنازل، وتشجيع التنقل الكهربائي عبر ابتكار رخصة قيادة خاصة بالسيارات الكهربائية، تكون أقل تكلفة من رخصة قيادة السيارات ذات علبة السرعة الأوتوماتيكية.

ويشير خبراء الطاقة إلى أن التحول نحو السيارة الكهربائية لا يصطدم فقط بسعر المركبات أو البنية التحتية للشحن، بل يمتد أيضًا إلى عوامل اجتماعية وتنظيمية.

ويرى اتحاد الكهرباء الفرنسي أن تخفيف كلفة رخصة القيادة المخصصة لهذا النوع من السيارات قد يشجع فئات جديدة، ولا سيما الشباب، على الإقبال عليها.

وقالت الصحيفة الفرنسية إن الكهرباء تُعد حجر الأساس لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وإن فرنسا تعتمد بدرجة كبيرة على الكهرباء النووية، ما يمنحها ميزة نسبية مقارنة بدول أوروبية أخرى.

وتشمل القطاعات المستهدفة بالكهربة النقل، والتدفئة، والصناعة الثقيلة، معتبرةً أن أي تأخير في التخطيط قد يؤدي إلى ضياع الاستثمارات وارتباك السوق.

ووفقًا للصحيفة الفرنسية، فإن ملف كهربة فرنسا لم يعد مجرد خيار بيئي، بل أصبح رهانًا اقتصاديًا واستراتيجيًا. وبين تأخر الاستراتيجية الرسمية، وضغط الفاعلين في القطاع، وتحديات القدرة الشرائية للمواطنين، تبدو الحكومة الفرنسية مطالبة باتخاذ قرارات سريعة وحاسمة، إذ من دون رؤية واضحة وإجراءات ملموسة، قد يتحول طموح «فرنسا الكهربائية» إلى مشروع مؤجل، في وقت لا ينتظر فيه العالم.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى