ميزانية معلقة وإصلاحات مجمدة.. مشهد مالي مربك في فرنسا

أدّى عدم اعتماد مشروع قانون الموازنة في فرنسا ضمن الآجال الدستورية إلى تجميد عدد من الإصلاحات الضريبية التي كانت الحكومة الفرنسية تعتزم تطبيقها ابتداءً من عام 2026.
وبينما يحرم هذا الوضع الدولة الفرنسية من موارد مالية جديدة كانت تعوّل عليها، فإنه يمنح، في المقابل، متنفسًا لعدد من دافعي الضرائب، إذ إن بعض الإجراءات غير الملائمة لهم لا يمكن تطبيقها بأثر رجعي، بحسب صحيفة «لوموند» الفرنسية.
وقالت الصحيفة إن «غياب ميزانية معتمدة لعام 2026 يضع الحكومة الفرنسية أمام واقع قانوني يقيّد قدرتها على تعديل عدد من القواعد الضريبية، لا سيما تلك التي قد تكون مجحفة بحق دافعي الضرائب».
واعتبرت الصحيفة أن عدم التصويت على قانون المالية قبل 31 ديسمبر/ كانون الأول يحول دون إدخال تغييرات بأثر رجعي على القواعد المتعلقة بمداخيل عام 2025، وهو ما ترتّب عليه تعطيل حزمة من الإجراءات التي كانت قيد الدراسة.
وأكدت وزيرة العمل والحسابات العامة الفرنسية، إيميلي دو مونشالان، خلال جلسة عُقدت يوم الإثنين الماضي أمام لجنة المالية في الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)، أثناء مناقشة قانون المالية الخاص، وهو نص طارئ يهدف إلى ضمان استمرارية عمل الدولة في غياب ميزانية مكتملة الأركان، أن التعديلات المرتقبة «لن يكون بالإمكان تطبيقها».
وأضافت الوزيرة أنه «ما دام لم يُصوَّت على الميزانية قبل نهاية ديسمبر/ كانون الأول، فلا يوجد أي أساس قانوني يسمح بتطبيق قواعد جديدة في 2026 تتعلق بمداخيل 2025».
ومن أبرز الإصلاحات التي سقطت نتيجة هذا الوضع مشروع تعديل الخصم الضريبي البالغ 10%، الذي يستفيد منه المتقاعدون على معاشاتهم، إذ كانت الحكومة تنوي إلغاء هذا الخصم واستبداله بخصم جزافي قدره ألفا يورو.
غير أن الجمعية الوطنية عارضت المقترح، فيما فضّل مجلس الشيوخ الفرنسي الإبقاء على النظام الحالي مع خفض سقف المعاشات المستفيدة منه. وبسبب غياب الميزانية، لم يُطبّق أي من هذه الخيارات، ما يعني أن المتقاعدين سيواصلون الاستفادة من الخصم الحالي خلال عام 2026.
كذلك، لن يطرأ أي تغيير على نظام التعويضات اليومية الممنوحة للأشخاص المصابين بأمراض مزمنة أو خطيرة، والمعروفة بحالات «المرض طويل الأمد». فقد أوضحت أميلي دو مونشالان أن هذه التعويضات ستبقى معفاة من ضريبة الدخل، بعدما كانت الحكومة تسعى إلى إخضاعها للضريبة.
وكان النواب قد رفضوا هذا التوجّه، بينما أقرّ مجلس الشيوخ إعفاءً جزئيًا بنسبة 50%. كما لن يُنفّذ أيضًا مقترح تقليص الائتمان الضريبي المخصّص لخدمات المساعدة المنزلية، الذي أُثير خلال النقاشات البرلمانية.
ورغم الارتياح الذي قد يشعر به بعض دافعي الضرائب، فإن لتعطيل هذه الإجراءات كلفة واضحة على المالية العامة. فقد وصفت الوزيرة هذه الوضعية أمام لجنة المالية في مجلس الشيوخ بأنها «إيرادات ضائعة فعليًا»، مشيرة إلى أن العائدات المتوقعة من هذه الإصلاحات «لن تدخل خزائن الدولة على الإطلاق».
وعلى سبيل المثال، كانت الحكومة تأمل في تحقيق وفورات تُقدَّر بنحو 1.2 مليار يورو من إصلاح خصم المتقاعدين وحده.
في المقابل، يتيح القانون إمكانية تطبيق بعض التدابير الإيجابية لصالح دافعي الضرائب بأثر رجعي، وينطبق ذلك خصوصًا على إعادة ربط ضريبة الدخل بالتضخم، وهو إجراء لم يُنفّذ حتى الآن بسبب غياب الميزانية.
وخلال مناقشة قانون المالية الخاص، حاول رئيس لجنة المالية في الجمعية الوطنية، إريك كوكريل، معالجة هذا الخلل عبر تقديم تعديل يهدف إلى إعادة فهرسة الضريبة وفق معدل التضخم. ورغم اعتماد التعديل داخل اللجنة، فإنه لم يُناقش في الجلسة العامة، بعدما أعلنت رئيسة الجمعية الوطنية، يائيل براون بيفيه، عدم قبوله استنادًا إلى رأي مجلس الدولة، الذي يستبعد إدخال تعديلات ضريبية في إطار قانون طارئ من هذا النوع.
وفي غياب إعادة الفهرسة، قد تجد بعض الأسر التي ارتفعت مداخيلها نفسها خاضعة لضريبة أعلى، فيما قد يدخل نحو 200 ألف أسرة جديدة، بحسب التقديرات، إلى دائرة الخضوع لضريبة الدخل.
ولا يزال أمام البرلمانيين مهلة حتى نهاية مارس/ آذار أو بداية أبريل/ نيسان 2026، أي قبل موسم التصريح بالدخل، لإقرار هذه الفهرسة ضمن قانون مالية كامل. غير أن ذلك يبقى رهين التوصل إلى اتفاق سياسي واعتماد ميزانية في الوقت المناسب، وإلا فإن تعقيد الوضع قد يحول دون إدراج الفهرسة في معدلات الاقتطاع من المنبع.
وفي انتظار مشروع قانون مالية متكامل، تعهّدت الحكومة بـ«تأمين» عدد من الاعتمادات الضريبية التي ينتهي العمل بها في 31 ديسمبر/ كانون الأول، وكان من المفترض تمديدها، مثل الائتمان الضريبي المخصّص للزراعة العضوية، وللبحث التعاوني، إضافة إلى نظام «مادلين» الذي يمنح تخفيضات ضريبية مقابل الاستثمار في رأسمال الشركات الصغيرة والمتوسطة.
ومن المنتظر أن توقّع الحكومة رسائل تغطية تلتزم فيها بتسديد النفقات التي تُصرف اعتبارًا من 1 يناير/ كانون الثاني وحتى اعتماد الميزانية.
غير أن أميلي دو مونشالان حذّرت بوضوح من أن «عدم إقرار هذا النص نهائيًا سيعني أن هذه الاعتمادات الضريبية لن تعتمد أبدًا، وأن النفقات التي ستُنجز لن تكون مغطّاة»، وهو ما يعيد الضغط بقوة على البرلمان من أجل التوصل إلى اتفاق حول الميزانية.
وشدّدت الوزيرة قائلة: «لا يمكننا الاستمرار إلى ما لا نهاية خارج إطار واضح»، مؤكدة أن الحلول المؤقتة في المجال المالي لها حدود، وأن الارتجال الميزاني يظل خيارًا محفوفًا بالمخاطر.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




