اسعار واسواق

الليرة السورية الجديدة.. إعلان نهاية مرحلة وبداية مسار اقتصادي مختلف


في مشهد يحمل أبعادا سياسية واقتصادية عميقة، دشنت سوريا عملتها الجديدة كخطوة مفصلية لإعادة ضبط النظام النقدي، وترميم الثقة بالاقتصاد، وإعلان الانتقال من إرث الانهيار إلى مسار إصلاحي متدرج.

وقالت وكالة الأنباء السورية “سانا”، إنه بحضور رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع، أُطلقت الإثنين العملة السورية الجديدة خلال حفل رسمي أقيم في قصر المؤتمرات بدمشق، في خطوة وصفت بأنها محطة مفصلية في مسار التحول الاقتصادي والنقدي في البلاد.

وكشف الرئيس أحمد الشرع، إلى جانب حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية، عن ملامح العملة الجديدة، في إطار رؤية اقتصادية تهدف إلى إعادة الثقة بالمنظومة النقدية، وتدشين مرحلة مختلفة عن تلك التي شهدت تدهورا حادًا خلال السنوات الماضية.

وخلال جلسة حوارية أقيمت على هامش حفل الإطلاق، أكد الرئيس الشرع أن عملية تبديل العملة تمثل عنوانا لأفول مرحلة سابقة “لا مأسوف عليها”، وبداية مرحلة جديدة يتطلع إليها الشعب السوري، وكذلك شعوب المنطقة المتابعة للتحول الجاري في الواقع السوري الحديث.

وأوضح أن هذا القرار لم يكن متسرعا، بل جاء بعد نقاشات طويلة ودراسة تجارب عالمية متعددة، لافتا إلى أن هناك ست تجارب دولية بارزة في هذا المجال، نجح نصفها وفشل النصف الآخر، ما يؤكد دقة وحساسية التحول النقدي.

وشدد الرئيس على أن حذف صفرين من العملة القديمة لا يعني بحد ذاته تحسنا اقتصاديا، وإنما يهدف إلى تسهيل التعاملات اليومية، مؤكدا أن التحسن الحقيقي للاقتصاد يرتكز على زيادة الإنتاج، وخفض معدلات البطالة، وتحسين أداء القطاع المصرفي، الذي وصفه بأنه “شرايين الاقتصاد”.

حفل إطلاق عملة جديدة لسوريا - سانا

وأشار الرئيس الشرع إلى أن مرحلة التحول النقدي دقيقة وحساسة، وأن العامل الأهم فيها هو منع حالة الفزع بين المواطنين، وعدم التسرع في استبدال العملة القديمة، مؤكدا أن كل من يحمل الليرة القديمة سيتمكن من استبدالها دون أي مخاطر، داعيا إلى الهدوء والالتزام بالجدول الزمني الذي أعلنه المصرف المركزي، تفاديا لأي ضغوط على سعر الصرف.

ولفت إلى أن تراجع الثقة بالليرة السورية خلال السنوات الماضية كان نتيجة انهيارات متعددة في القطاعات الاقتصادية، ولا سيما المصرفي، إضافة إلى الارتفاع الحاد في سعر الصرف، ما دفع كثيرين إلى اكتناز الأموال في المنازل بعيدًا عن المصارف.

هوية جديدة للعملة

وأوضح الرئيس أن تصميم العملة الجديدة يعكس هوية وطنية متجددة، ويبتعد عن تقديس الأشخاص، مع التركيز على رموز مستمدة من الواقع والذاكرة السورية، معتبرا أن الأشخاص يذهبون ويأتون، بينما تبقى الدولة ومؤسساتها.

حفل إطلاق عملة جديدة لسوريا - سانا

وأضاف أن العملة الجديدة ستسهم في تسهيل عمليات البيع والشراء، وتقليل الاعتماد على الدولار، وتعزيز الثقة بالاقتصاد الوطني على المدى الاستراتيجي، داعيا في الوقت ذاته إلى تجريم المضاربات الوهمية، وضخ السيولة تدريجيا بما لا يؤثر على معدلات التضخم.

وأكد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية أن تبديل العملة لن يؤثر على سعر الصرف، مشيرا إلى إطلاق حملة إعلامية شاملة لتوضيح تفاصيل العملية للمواطنين خلال الأيام المقبلة.

وأوضح أن قرار استبدال العملة يندرج ضمن رؤية تهدف إلى جعل المصرف المركزي الركيزة الوطنية للاستقرار، مشددا على أن العملية تقنية بحتة لا تغير من القيمة الحقيقية للعملة، بل تقتصر على حذف الأصفار.

حفل إطلاق عملة جديدة لسوريا - سانا

وأضاف أن الغاية الأساسية من الخطوة هي تبسيط الإجراءات، وتسهيل حياة المواطنين، وقطع الصلة مع رموز الماضي، إلى جانب ضبط الكتلة النقدية وحصر القيمة المتداولة فعليًا.

وأشار الحصرية إلى الاستفادة من تجارب دول مثل فرنسا وألمانيا، ولا سيما في الفترات التي أعقبت الحروب أو التحولات السياسية الكبرى، مؤكدًا أن المصرف المركزي تسلم مهامه في ظروف وصفها بـ”الكارثية”، لكنه نجح رغم التحديات في تحقيق الاستقرار.

تفاصيل عملية الاستبدال

وبحسب التعليمات التنفيذية الصادرة عن مصرف سوريا المركزي، سيتم حذف صفرين من القيمة الاسمية للعملة، بحيث تعادل كل 100 ليرة قديمة ليرة واحدة جديدة. وستبدأ عملية الاستبدال اعتبارا من الأول من يناير/كانون الثاني 2026، ولمدة 90 يومًا قابلة للتمديد.

حفل إطلاق عملة جديدة لسوريا - سانا

وسيتم الاستبدال عبر 59 مؤسسة مالية وأكثر من 1500 فرع معتمد داخل سوريا، على أن تبدأ العملية بالفئات الكبيرة، مع بقاء باقي الفئات متداولة مؤقتًا.

وأكد المصرف أن العملتين القديمة والجديدة ستتعايشان خلال فترة الاستبدال بالقوة الإبرائية نفسها، مع التزام جميع الجهات العامة والخاصة بتطبيق معيار الاستبدال على الأسعار والرواتب والعقود.

كما شدد على أن العملية مجانية بالكامل، ويحظر فرض أي رسوم أو عمولات، وأن جميع أرصدة الحسابات المصرفية ستُحوّل تلقائيًا إلى الليرة الجديدة.

وفي إطار الاحتفالات، أعلن الحصرية أن واجهة مصرف سوريا المركزي ستُضاء بألوان العلم الوطني السوري، يعقبها عرض بصري لفئات العملة الجديدة، في رسالة رمزية تعكس الهوية الوطنية والثقة بالمستقبل.

ويُعد حذف الأصفار من العملة إجراءً شائعًا في التجارب الاقتصادية العالمية، نجح في دول مثل ألمانيا وفرنسا وتركيا عندما اقترن بإصلاحات حقيقية، وفشل في دول أخرى عندما اقتصر على إجراء شكلي.

وفي الحالة السورية، يؤكد المصرف المركزي أن العملية تأتي ضمن مسار إصلاحي أوسع، يهدف إلى ضبط السيولة، واستعادة السيطرة على الكتلة النقدية، وتعزيز الثقة بالنظام المالي.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى