اسعار واسواق

لماذا دخلت القوات الجنوبية الحكومية حضرموت؟ شرعية الأمن في مواجهة العبث


لم تكن التحركات الجنوبية الحكومية باليمن نتاج لحظة عابرة، بل نتيجة تراكمات أمنية واقتصادية يؤكد مراقبون أنها عمقت الأزمة وخلقت واقعا هشا تطلب تدخلا لإعادة التوازن.

ويقول محللون يمنيون لـ«العين الإخبارية»، إنه خلال سنوات، تحولت مناطق استراتيجية إلى ساحات مفتوحة لتضارب النفوذ، وتنامي شبكات الفساد، وتهريب السلاح والمخدرات، في ظل ضعف مؤسسات الدولة وتآكل قدرتها على فرض سيادتها، ما انعكس مباشرة على الأمن والاستقرار، وأطال أمد الصراع.

وفي هذا السياق، يرى المحللون أن دخول القوات الجنوبية الحكومية إلى وادي وصحراء حضرموت لم يكن تحركا عسكريا معزولا، بقدر ما جاء استجابة لجملة من التحديات المتراكمة؛ أبرزها:

  • الانفلات الأمني
  • تراجع السيطرة على الموارد
  • اتساع نشاط الجماعات الإرهابية
  • تصاعد مخاوف من تحوّل تلك المناطق إلى ممرات حيوية لتهديد الأمن الوطني.

وبحسب هؤلاء، فإن التحركات الأخيرة سعت إلى:

  • إعادة ضبط المشهد الأمني،
  • قطع مسارات التهريب
  • تأمين المنشآت الحيوية
  • الحد من استنزاف الثروات العامة
  • منع توظيفها خارج إطار الدولة.

واعتبروا أن ما جرى مثّل محاولة لإعادة ترتيب الأولويات وإخراج تلك المناطق من دائرة الصراع غير المعلن، غير أن هذه التطورات، التي وصفت بالناجحة ميدانيا من قبل مراقبين، قوبلت بقرارات انفرادية من قيادة “المجلس الرئاسي” في ظل اعتراض عدد من أعضاء المجلس على هذه الإجراءات، أعادت إلى الواجهة تساؤلات جوهرية حول مستقبل التوازنات السياسية والعسكرية، وحدود التوافق داخل المعسكر المناهض للحوثيين.

تساؤلات دفعت إلى البحث في دوافع هذا التدخل، ومدى نجاحه في تحقيق أهدافه الأمنية والعسكرية، والأسباب التي قادت إلى تصاعد الخلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي.

فما أسباب دخول المجلس الانتقالي لحضرموت؟

يقول سيلان حنش المحلل السياسي اليمني، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن هناك عدة أسباب جعلت المجلس الانتقالي الجنوبي يدخل بقواته إلى حضرموت.

أول هذه الأسباب، بحسب المحلل السياسي اليمني، الطلب الشعبي من قبل أهالي حضرموت لقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي بالتدخل وإنقاذهم وحمايتهم من تسلط المنطقة العسكرية الأولى التي جثمت على صدورهم لأكثر من 30 عاما، فاحتلت مناطقهم وأقصت أبناءهم من كل شيء، وحرمتهم من خيرات حضرموت وسيطرت على حقول النفط بتلك المنطقة.

فيما يكمن ثاني هذه الأسباب -بحسب حنش- في مكافحة الجماعات الإرهابية بوادي حضرموت التي كانت مدعومة بالمال والسلاح من المنطقة العسكرية الأولى، موضحًا أن هناك أسبابًا أخرى مثل: وقف وقطع طرق تهريب المخدرات والسلاح للحوثي، ووقف نهب ثروات حضرموت من نفط وغيرها التي كانت الأطراف الشمالية تتقاسمها فيما بينها منذ عام 1994.

أسباب واقعية دفعت المجلس الانتقالي الجنوبي لأن يتدخل ويوقف كل ذلك، بحسب الحنش، الذي أيده في رؤيته، محمد الحامد المحلل السياسي اليمني، مضيفًا لـ«العين الإخبارية»، أن من بين الأسباب كذلك: بسط السيطرة على جغرافية الجنوب لاستعادة هيبة الدولة.

في السياق نفسه، قال يعقوب السفياني مدير المكتب الإقليمي لمركز سوث24 في عدن والخبير السياسي اليمني، إن دخول القوات الحكومية الجنوبية إلى وادي وصحراء حضرموت والمهرة كان مدفوعًا بعدد من العوامل، أجملها في مستويات عدة:

المستوى الأمني:

«كانت هذه المنطقة مسرحًا كبيرًا لعمليات تهريب الأسلحة إلى مليشيات الحوثي عبر منفذي شحن وصرفيت وعبر منافذ غير رسمية برية»، بحسب السفياني، الذي قال إنه كانت تصل إلى شواطئها، كميات كبيرة من المخدرات، تستفيد منها جماعات إرهابية، وقبلية، ومجموعات أخرى منتشرة في هذا المربع الصحراوي الذي يشمل وادي حضرموت والجوف ومأرب مروراً بهذه المنطقة.

المستوى العسكري:

وأوضح السفياني، أنه كان هناك خطر كبير تمثله قوات المنطقة العسكرية الأولى التي ينتمي معظم جنودها للشماليين الذين ينحدرون من مناطق سيطرة الحوثيين، وهي قوات وصفت بـ«القنبلة الموقوتة»، وخاصة حال حدوث حرب جديدة أو انتهت حال خفض التصعيد في اليمن، الأمر الذي كان سيدفعها للتحالف مع الحوثيين وإسقاط حضرموت من الداخل.

المستوى السياسي

محور آخر أشار إليه السفياني، ممثلا في تأمين محافظتين ( حضرموت والمهرة) تمثلان معظم مساحة الجنوب ما قبل 1990، وهي المساحة السياسية والجغرافية لجنوب اليمن بحدودها المتعارف عليها دولياً، لذلك اعتبر العمليات بمثابة «قفزة إلى الأمام في مشروع تقرير المصير للجنوبيين ومشروع استعادة دولتهم».

لمحة تاريخية

في السياق نفسه، يقول علاء عادل حنش الخبير السياسي اليمني، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إنه قبل دخول المجلس الانتقالي الجنوبي، والقوات الحكومية الجنوبية إلى وادي وصحراء حضرموت في الثالث من ديسمبر/كانون الأول الجاري، كانت قوات المنطقة العسكرية الأولى، ذراع جماعة الإخوان، متواجدة هناك منذ ما بعد حرب صيف 1994 وحتى طردها مؤخرًا.

وأوضح علاء عنش، أن قوات المنطقة العسكرية الأولى، والتي كانت تقدر بـ50 ألف جندي، كانت قادرة على تحرير الشمال من سيطرة مليشيات الحوثي، إلا أنها لم تفعل، بل حدث عكس ذلك تمامًا، وتوجه سلاح هذه القوة نحو الجنوب وقواته وشعبه، الذي استطاعت هزيمة مليشيات الحوثي في غضون أشهر، وانتصرت لعاصفة الحزم.

إلى جانب ذلك، «فقد كان الإرهاب يُصدر من عناصر المنطقة العسكرية الأولى إلى محافظات الجنوب كـ (شبوة، وأبين، والعاصمة الجنوبية عدن، ولحج)»، يقول الخبير السياسي اليمني، مشيرًا إلى أن تلك القوى العسكرية كانت «تقمع المواطن الحضرمي في وادي وصحراء حضرموت، وتنتهك حقوق الإنسان، في جرائم بشعة يدينها القانون الدولي الإنساني، وتحرمها الأديان السماوية، فلم يكن المواطنون في وادي وصحراء حضرموت يعيشون في أمن واستقرار إبان تواجد مليشيات قوات المنطقة العسكرية الأولى».

أسباب دفعت القوات الحكومية الجنوبية إلى تحرير وادي وصحراء حضرموت من «مليشيات المنطقة العسكرية الأولى، والجماعات الإرهابية التابعة لها، وصولًا إلى محافظة المهرة، وهو ما تحقق في الثالث والرابع والخامس والسادس من ديسمبر/كانون الأول الجاري»، بحسب علاء عنش.

وأشار إلى أن من بين الأسباب -كذلك-: مكافحة الإرهاب الدولي العابر للقارات، إلى جانب التصدي وإيقاف العبث والنهب الحاصل في ثروات حضرموت وفي مقدمتها نهب النفط عبر أدوات مليشيات الحوثي والإخوان الإرهابيتين، بالإضافة إلى تصويب معركة القضاء على ميليشيا الحوثي، بعد أن حُرف مسارها من قبل شركاء الشرعية كرشاد العليمي، ومن يتبعون نهجه.

هل نجح «الانتقالي» في مهامه؟

بحسب سيلان حنش المحلل السياسي اليمني، فإن المجلس الانتقالي نجح في مهامه؛ ففي مكافحة الإرهاب والتصدي للحوثي، تمكن من بناء قوات مسلحة مدربة تدريبًا عاليًا بدعم كبير من دولة الإمارات، ما مكّن المجلس الانتقالي وقواته من الثبات على الأرض لسنوات كثيرة، وهو يقاتل على عدة جبهات؛ سواء مع جماعات إرهابية أو مليشيات الحوثي اللذين يعدان وجهين لعملة واحدة.

وأشار إلى أن القوات الحكومية الجنوبية كانت عند مستوى المسؤولية وتحملت الدفاع عن أرض الجنوب، وطردت الحوثيين من كل شبر في الجنوب، موضحًا أنه لم يتبق إلا مديرية مكيراس والتي سيتم تحريرها قريبا.

وبحسب حنش، فإن القوات الجنوبية الحكومية «نجحت في مكافحة الإرهاب وطهرت أرض الجنوب من هذه الجماعات ولم يتبق إلا خلايا يتم مطاردتها بين الحين والآخر وهي هاربة في الشعاب والجبال».

سرقة النفط

في السياق نفسه، قال يعقوب السفياني، الخبير السياسي اليمني، إن القوات الجنوبية الحكومية، نجحت بشكل كبير في التصدي لسرقة مصافي النفط وبيع إنتاجها في السوق السوداء أو إيصالها لتنظيمي القاعدة والحوثي لتمويل عملياتهم، وهي أعمال كانت موثقة بالأدلة والفيديوهات، مما دفع النائب العام اليمني لتشكيل لجنة للتحقيق في هذه الأمور.

كما نجحت في «تأمين خطوط النقل، وتأمين الصحراء الوادي، وتأمين المنشآت النفطية في فترة قياسية»، بحسب يعقوب السفياني، الذي قال إنه على المستوى العسكري، نجحت -كذلك- القوات الجنوبية الحكومية في طرد كل قوات المنطقة العسكرية الأولى والشمالية وإخراجها من المحافظة.

بدوره، قال علاء عادل حنش، إن المجلس الانتقالي الجنوبي، والقوات الحكومية الجنوبية، حققا «نجاحا باهرًا للغاية، واستطاعت القوات الحكومية الجنوبية تطهير وادي وصحراء حضرموت من الجماعات الإرهابية، وإيقاف العبث، والنهب الحاصل في ثروات أبناء محافظة حضرموت، وقطع الإمدادات الحيوية التي كانت تصل إلى مليشيات الحوثي».

«وما جعل نجاحها عظيمًا، التأييد الشعبي الجنوبي الكبير من قبل أبناء حضرموت بشكل عام، وأبناء وادي وصحراء حضرموت بشكل خاص، كان آخرها إقامة مليونيتين حاشدتين في سيؤون والمكلا، إلى جانب الترحيب الكبير من قبل كافة الوزارات الحكومية في الحكومة المعترف بها دوليًا»، بحسب علاء عادل حنش.

فلماذا انقلب الرئاسي عليه؟

ورغم تلك النجاحات، «انقلب» رئيس المجلس الرئاسي على «الانتقالي الجنوبي»، بحسب سيلان حنش المحلل السياسي اليمني، موضحًا أن رشاد العليمي، أصدر قرارات فردية وغير توافقية، الهدف منها كان الانقلاب والتحريض على الانتقالي وتأزيم العلاقات بينه وبين السعودية، وإحداث صدام بينهما، ليستفيد رشاد العليمي وبقية المتنفذين في المجلس الرئاسي، في وضع يعتبر اختطافًا لقرارات المجلس الرئاسي التي تعتبر غير شرعية.

الأمر نفسه، أشار إليه يعقوب السفياني مدير المكتب الإقليمي لمركز سوث24 في عدن والخبير السياسي اليمني، قائلا، إن الذي انقلب على الانتقالي الجنوبي، هو رئيس مجلس القيادة الرئاسي، في المقابل هناك أربعة أعضاء من أصل ثمانية هم مشرفون على هذه العملية وموافقون عليها.

«لذلك التوصيف يجب أن يكون مهمًا: مجلس القيادة الرئاسي لم يرفض العملية، بل من رفضها هو رئيس مجلس القيادة الرئاسي الذي يحاول الانفراد بتمثيل المجلس اليوم»، بحسب السفياني.

في السياق نفسه، قال علاء عادل حنش، إن جزءًا من مجلس القيادة الرئاسي فقط، هو من انقلب على الانتقالي الجنوبي، وهم: (رشاد العليمي، وسلطان العرادة، وعثمان مجلي، وعبدالله العليمي)، «وهؤلاء كانوا، مستفيدين من ذلك الوضع السابق إما بنهب ثروات حضرموت لا سيما الثروة النفطية، أو بالتواطؤ مع مليشيات الحوثي».

وشملت القرارات الانفرادية التي اتخذها الرئاسي اليمني: «إعلان حالة الطوارئ، وإطلاق توصيفات سياسية وأمنية خطيرة، وصولًا إلى الادعاء بإخراج دولة الإمارات من تحالف دعم الشرعية ومن الأراضي اليمنية»، بحسب بيان صادر عن 4 أعضاء بالمجلس الرئاسي، رفضوا تلك القرارات واعتبروها «لا تخدم سوى أعداء اليمن، وتُعد إساءة للتاريخ القريب، وتفريطًا بشراكة ثبتت بالدم لا بالشعارات».

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى