تعريفات ترامب تعيد رسم خيارات نيودلهي.. بين واشنطن وبكين أي طريق تختار الهند؟

ضمن سلسلة التعريفات الجمركية التي أقرت على العديد من الدول، فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا رسوما جمركية بنسبة 50% على الواردات من الهند.
الخطوة قال عنها تحليل لصحيفة “نيويورك تايمز” أنها تمثل ضربة مباشرة لطموحات نيودلهي بأن تصبح البديل المفضل للشركات الغربية الراغبة في مغادرة الصين ضمن استراتيجية “الصين زائد واحد” (China Plus One).
ووفقًا لتحليل الصحيفة، أدى القرار إلى هزة عنيفة في ثقة المستثمرين الأمريكيين في السوق الهندية، وأجبر الحكومة الهندية على إعادة النظر في استراتيجيتها الصناعية والتجارية بشكل عاجل.
وفي خطوة رمزية ذات دلالات سياسية عميقة، قام رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بزيارة إلى الصين للمرة الأولى منذ سبع سنوات، حيث التقى بالرئيس الصيني شي جين بينغ، وهو ما فتح الباب أمام إعادة رسم ملامح الجغرافيا السياسية والتجارية في آسيا.
وطوال السنوات الماضية، سعت الهند لتقديم نفسها كوجهة مثالية لتحويل سلاسل التوريد بعيدًا عن الصين، مستفيدة من تصاعد التوترات بين واشنطن وبكين. وكانت هذه الرؤية تنسجم مع طموحات مودي بتحويل بلاده إلى مركز صناعي عالمي يوفر الملايين من فرص العمل.
لكن القرار المفاجئ بفرض الرسوم الجمركية في 27 أغسطس/آب 2025 وجّه ضربة مبكرة لمشروع “صنع في الهند”، مما أربك سلاسل التوريد وأضعف آفاق التوسع الصناعي. وأكد اقتصاديون هنود أن القرار سيؤدي إلى تباطؤ في نمو الصادرات وتراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي.
وفي مدينة موراداباد المعروفة بصناعاتها الحرفية، عبّر أصحاب المصانع عن حالة من الذهول. وقال ساميـش جايـن، مدير شركة تصدير محلية: “الجميع هنا مصدومون.. لم نصدق أن هذا القرار سينفّذ فعلاً”. وجاين، الذي تعتمد شركته على السوق الأميركية بنسبة 40%، بدأ البحث عن أسواق بديلة في الشرق الأوسط وأوروبا، لكنه يدرك أن المنافسة ستكون شديدة. وقال “لدينا عمال معنا منذ عقود، ولا يمكن التخلي عنهم ببساطة”،
ورغم إعلان الحكومة عن برامج دعم للمصدّرين، إلا أن الكثيرين يرون أنها غير كافية، خاصة مع حجم الخسائر المتوقع.
تقارب حذر مع الصين
وفي حين لم تسفر زيارة مودي إلى الصين عن اتفاقيات ملموسة، إلا أنها شهدت توافقاً مبدئياً على تعزيز التعاون التجاري والاستثماري. ويُنظر إلى هذه الزيارة على أنها انعطافة استراتيجية، رغم التوتر التاريخي بين البلدين الذي بلغ ذروته في 2020 باشتباك دموي في جبال الهيمالايا.
لكن لغة المصالح بدأت تطغى على الاعتبارات السياسية. فالهند تعتمد على الصين في مئات القطاعات الصناعية، من المعادن النادرة إلى المعدات المتقدمة. وفي المقابل، ترى بكين في الهند سوقًا ضخمة وفرصة لتوسيع استثماراتها في ظل القيود الغربية المتزايدة.
وشركة فوكسكون، شريك “أبل”، تُمثل نموذجًا للتشابك الصناعي بين الهند والصين. ففي مصنعها قرب بنغالور، أدى تأخر تأشيرات المهندسين الصينيين إلى تعطيل تدريب العمال المحليين. حتى مطاعم صينية كانت تخدم موظفين آسيويين أصبحت شبه مهجورة. وهذا الواقع يعكس العقبات البيروقراطية التي تعيق التعاون، لكنه يشير أيضاً إلى الإمكانات الكبيرة في حال تم تذليل هذه العقبات.
موقع الهند بين أمريكا والصين
ورغم التقدم الاقتصادي الهندي، فإن نيودلهي لا تزال لاعباً ثانوياً في التجارة العالمية، مقارنة بالصين أو الولايات المتحدة.
والآن تجد نفسها عالقة في المنتصف بين شريك أمريكي بات عدائياً، وجار صيني يتمتع بنفوذ هائل ولكنه لا يُظهر نواياه بوضوح. وقال المحامي سانتوش باي، من شركة “دينتونز لينك ليغال” في نيودلهي، إن “الصين لم تكشف أوراقها بعد، لكن من الواضح أن الهند بحاجة إلى استثماراتها وتكنولوجيتها”.
ومع تفكك الرهان الهندي على واشنطن، يبدو أن حكومة مودي مضطرة لقبول تقارب مرحلي مع بكين.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=
جزيرة ام اند امز