من الوساطة للضمانة.. مصر تتحول إلى «صمام أمان» إقليمي في «نووي» إيران

في منطقة تموج بالتوترات، كانت القاهرة تتحرك بخطوات واثقة لانتشال الملف النووي الإيراني من حافة الانفجار في محاولة لتقريب وجهات النظر ومنع التصعيد وتهدئة الاضطرابات.
واستطاعت الدبلوماسية المصرية أن تُعيد الملف النووي الإيراني إلى مسار الحوار وتقطع الطريق أمام سيناريوهات التصعيد.
ومن القاهرة خرجت رسائل التهدئة، فاستضافت جولات تفاوضية حاسمة بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأعادت بناء الجسور مع أوروبا والولايات المتحدة، لتصبح شريكاً أساسياً في منع اندلاع مواجهة جديدة بالمنطقة وسط ترقب لإمكانية توسيع الوساطة مع دول الترويكا والولايات المتحدة والتمهيد لاتفاق أكبر .
وأجمع خبراء ومحللون تحدثوا لـ«العين الإخبارية» عن أهمية الدور المصري الذي نجح في تثبيت الثقة بين إيران والوكالة الدولية، وفتح الباب أمام تفاهمات أوسع مع القوى الكبرى وأوروبا خاصة، ما يجعل القاهرة ضامنة للتهدئة وصمام أمان يمنع توسيع التصعيد بالمنطقة.
إفشال رهانات إفساد المفاوضات
ويقول الدكتور مهدي عزيز، المحلل السياسي الإيراني وأستاذ الإعلام، إن الدور المصري في الملف النووي الإيراني كان إيجابياً للغاية وأسهم بشكل مباشر في إنجاح الاتفاق الأخير، رغم كل الرهانات التي كانت تسعى لإفشاله.
وأوضح عزيز، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن جهود الحكومة المصرية، سواء داخل إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو خارجها، لعبت دوراً سياسياً محورياً لإيجاد أرضية مناسبة للحوار ومنع محاولات إفشال المفاوضات.
وكشف عزيز أنه كانت هناك ضغوط واضحة على إيران ومحاولات استغلال الوكالة الدولية كأداة سياسية لعرقلة أي اتفاق، بالإضافة إلى مساعٍ من إسرائيل، لتأجيج التوتر وإفشال المحادثات.
وأكد أن نجاح هذا الاتفاق برعاية مصر يمثل انتصاراً للدبلوماسية ويعيد الأمل بإمكانية تقريب وجهات النظر مع الدول الأوروبية والتوصل إلى تفاهمات جديدة مع الولايات المتحدة.
وأشار إلى أنه في ظل الأوضاع الإقليمية المعقدة والممارسات الإسرائيلية والأمريكية التي تهدد سيادة دول المنطقة، فإن الدور المصري كان بمثابة خطوة مباركة لتمهيد الطريق نحو اتفاق شامل ومستقبل أكثر استقراراً.
واعتقد المحلل السياسي الإيراني أن الأيام المقبلة ستكون مليئة بالإيجابيات في ظل وجود هذا التفاهم الذي نجحت فيه القاهرة، معرباً عن أمله أن يكون هذا الاتفاق بداية لتعزيز العلاقات المصرية – الإيرانية ورؤية المزيد من الاتفاقيات والتفاهمات المشتركة في المستقبل القريب.
إعادة الثقة
بدوره، يرى عمرو أحمد، خبير الشؤون الإيرانية، أن النجاح الدبلوماسي المصري في التوصل إلى اتفاق بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية يمثل خطوة بالغة الأهمية، مشيراً إلى أن طهران كانت تعاني أزمة ثقة تجاه المؤسسات الدولية والدول الأوروبية وحتى الأمم المتحدة، خاصة بعد تجارب سابقة شعرت فيها بأن ما تم الاتفاق عليه على طاولة المفاوضات تم تقويضه لاحقاً.
ويكمل عمرو في حديث لـ«العين الإخبارية» أن هذا الاتفاق، برعاية مصرية، يضمن عدم تكرار مثل تلك السيناريوهات ويمنع خلق ذرائع ضد إيران أو تفعيل أي آليات عقابية يمكن أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية جديدة، كتلك التي شهدتها المنطقة في حرب الـ 12 يوما.
وأشار إلى أن القاهرة استطاعت عبر علاقاتها المتوازنة مع المؤسسات الدولية أن تكون الحاضنة والضامنة لهذا الاتفاق، وهو ما يعكس ثقة كل من الوكالة الدولية وإيران بالدور المصري، لكونه دوراً نزيهاً لا تحكمه مصالح ضيقة.
وأوضح خبير الشؤون الإيرانية المصري أن هدف القاهرة كان واضحاً وهو تهدئة الأوضاع في منطقة مشتعلة ومنع أي تصعيد جديد، وهو ما يجعل القاهرة شريكاً موثوقاً في مسار التهدئة.
وتوقع أن تعود العلاقات بين إيران والوكالة الدولية إلى مسارها الطبيعي، وأن نشهد قريباً عودة المفتشين الدوليين إلى طهران وتطوراً إيجابياً في هذا الملف، وهي خطوة حظيت بتقدير الوكالة الدولية والمجتمع الدولي على حد سواء، مما يمهد أيضاً لاتفاق كبير مع أوروبا.
نزع فتيل انفجار جديد
من جانبه، أكد الدكتور أحمد سيد أحمد، أستاذ العلاقات الدولية وخبير الشؤون الأمريكية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن الدور المصري في التقريب بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية كان محورياً ومستمراً، حيث استضافت القاهرة مؤخراً اجتماعاً مهماً بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي. وهو ليس اللقاء الأول من نوعه، إذ سبق لمصر أن رعت جولة من المباحثات بين الجانبين في يونيو/حزيران الماضي.
وأضاف أحمد، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن القاهرة عملت على تضييق الفجوة بين طهران والوكالة الدولية من أجل معالجة القضايا العالقة عبر تسوية سلمية للبرنامج النووي الإيراني، وتسوية تحقق هدفين أساسيين: الأول تحجيم قدرات إيران على امتلاك السلاح النووي، والثاني الاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، بما يفتح الباب أمام رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها.
وأكمل أن هذا يأتي انطلاقاً من حرص مصر على منع التصعيد الإقليمي خاصة بعد الحرب الإسرائيلية – الإيرانية في يونيو/حزيران الماضي، وكذلك لتحذيرها المستمر من مخاطر انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط.
وأشار إلى أن مصر تتبنى رؤية شاملة تدعو لإخلاء المنطقة من جميع أسلحة الدمار الشامل، بما فيها السلاح النووي، وأن يشمل ذلك كل دول المنطقة بما فيها إسرائيل، مع ضمان حق الدول في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية.
التمهيد لاتفاق أكبر (5+1)
وأكد أحمد سيد أحمد أن هذا التقريب المصري يعيد مسار العلاقة بين إيران والوكالة الدولية نحو التعاون بدلاً من القطيعة، ويمهّد لاتفاق أوسع بين إيران والقوى الكبرى (5+1) على غرار اتفاق 2015، ما يسهم في نزع فتيل أي مواجهة عسكرية جديدة.
وأشار إلى أنه أمر بالغ الأهمية لتجنب إدخال المنطقة في حرب طويلة، خاصة بعد أن تضررت مصر من تداعيات حرب غزة وارتفاع التوتر الإقليمي وتأثر إيرادات قناة السويس. لذلك، فإن الدور المصري يعكس التزام القاهرة بتحقيق الأمن والاستقرار ودفع مسار الملف النووي نحو الحوار والدبلوماسية بدلاً من الصدام.
فتح باب نحو أوروبا وأمريكا
أما الأستاذ في جامعة فرساي الفرنسية دكتور طارق وهبي، فأشار إلى أن نجاح القاهرة يعكس وزناً دبلوماسياً متصاعداً لها ويسلّط الضوء على إمكانياتها كوسيط إقليمي مؤثر.
وأوضح وهبي في حديث لـ«العين الإخبارية» أن نجاح الوساطة المصرية يشي بوزنها الإقليمي والقدرة على إحداث ثغرات إيجابية في ملفات حساسة، وذلك بعد تصريحات المسؤولين، بما في ذلك مدير الوكالة، الذي أكد أن القاهرة لعبت دوراً حاسماً في التمهيد لهذا الاتفاق.
وأكمل وهبي أن الفاعلين الأوروبيين والعالميين يقدّرون الوساطة المصرية باعتبارها أداة بناءة في إدارة الملف النووي، ما قد يعزز الثقة بين الأطراف. وأكد أن مصر كانت منذ أشهر تُجري اتصالات مكثفة (مع دول الترويكا الأوروربية، وإيران، وأمريكا، والوكالة الدولية) في مسعى لإنعاش الحوار وتخفيف التوترات.
وتابع أن القاهرة قادرة بعد ذلك على فتح المجال لاستئناف المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، مشيراً إلى أن التسوية مع الوكالة الدولية تمهّد لعودة جزء من الثقة، وهو ما يشجع على حوار طهران-واشنطن (المباشر أو غير المباشر)، حتى إن مصر سبق ودعت إلى استئناف المفاوضات غير المباشرة بينهما «في أقرب فرصة».
وشدد على أن هذا النجاح قد يُستخدم كنقطة انطلاق للضغط الدبلوماسي من أجل استدامة الحوار والتوصل إلى اتفاق شامل، موضحاً أن الدبلوماسية المصرية، التي هي محرك مهم في الدبلوماسية العربية داخل الجامعة العربية، تؤكد أن حل الملف النووي هو أيضاً عامل استقرار مع الجيران العرب في الخليج العربي الأقرب إلى إيران.
وأهم تفصيل هو أيضاً البعد عن الدعم الإيراني الذي يتخطى سيادة الدول عبر الأذرع الإيرانية في الدول العربية.
التحدي الأكبر
وفي سياق مختلف، رأى دكتور هادي عيسى دلول، الأكاديمي الإيراني في الفيزياء النووية والقانون الدولي، أن رغم نجاح القاهرة إلا أن الاتفاق مع المجموعة الأوروبية أصعب بكثير.
وأضاف دلول في حديثه لـ«العين الإخبارية» أن ما يعيق الاتفاق مع أوروبا هو عدم وجود الضمانات، لافتاً إلى أن النقطة الأساسية هي مدى قدرة القاهرة على الضغط على الدول الأوروبية لتقديم ضمانات حقيقية غير قابلة للإخلال بها بعد ذلك.
وأكد المحلل السياسي الإيراني رضا الغرابي أن استضافة القاهرة للمفاوضات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية تعكس تحسناً ملحوظاً في العلاقات المصرية – الإيرانية، كما تبرز رغبة القاهرة في لعب دور فاعل في القضايا الإقليمية الشائكة، وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني الذي يشهد تطورات مرتقبة خلال الأيام القليلة المقبلة.
وأشار الغرابي في حديث لـ«العين الإخبارية» إلى أن مصر تمتلك شبكة علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة والغرب ومع القوى الإقليمية، ما يؤهلها للعب دور أكبر في تهدئة التوترات في الشرق الأوسط، مضيفاً: «القاهرة دولة محورية وعريقة، ويمكنها أن تكون جسراً للحوار الإقليمي».
ورغم ذلك، شدد الغرابي على أن الدور المصري في الوقت الراهن لا يزال يحتاج إلى تقييم دقيق، متسائلاً عما إذا كانت هذه المساعي مجرد خطوات تكتيكية محدودة أم جزء من استراتيجية مصرية طويلة الأمد في إدارة الملف النووي.
وأوضح أن ملف إيران النووي معقد للغاية، وأن للولايات المتحدة دوراً محورياً فيه، سواء أكان هدفها التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف أم الاستمرار في تقاسم أوراق الضغط مع الحكومة الإسرائيلية والدول الأوروبية ضد طهران.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز