التراجع عن إلغاء عطلتين رسميتين مكسب سياسي واجتماعي

في خطوة مفاجئة، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي الجديد سيباستيان لوكورنو تراجعه عن خطة إلغاء يومي عطلة رسميين (عيد الفصح وعيد 8 مايو/أيار) التي كان قد طرحها سلفه فرانسوا بايرو ضمن مشروع موازنة 2026.
القرار الذي وُصف بأنه من أكثر الإجراءات “لا شعبية”، جاء استجابةً لموجة غضب نقابية، لكنه في المقابل يضع الحكومة أمام تحديات مالية جديدة لتعويض ما يفوق 4 مليارات يورو (4.7 مليار دولار) من وفورات كانت متوقعة من هذا الإجراء.
كان مشروع إلغاء العطلتين يهدف، بحسب حكومة بايرو، إلى تعزيز الإنتاجية وزيادة النشاط الاقتصادي بما يعادل 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي في 2026.
غير أن النقابات وعلى رأسها CGT اعتبرت الخطة “هجوماً على حقوق العمال”، بل ووصفت تراجع الحكومة بأنه “انتصار أول” يشجعها على تصعيد الإضرابات المقررة في 18 سبتمبر/أيلول.
وأكد لوكورنو، الذي يسعى إلى رسم صورة مغايرة لسلفه، في تصريحات لصحيفة “ويست فرانس” الفرنسية أنه يريد “تجنيب من يعملون يوميًا” أي عبء إضافي، معلنًا بالمقابل عن إجراءات بديلة أبرزها إلغاء الامتيازات “مدى الحياة” التي كان يتمتع بها رؤساء الوزراء السابقون، ابتداءً من 2026.
بين العدالة الاجتماعية والاستدامة المالية
في هذا السياق، قالت الباحثة الاقتصادية الفرنسية، إيلودي برون، أستاذة الاقتصاد في مركز الدراسات الدولية، والمتخصصة في الشأن المالي الفرنسي لـ”العين الإخبارية”، “القرار يحمل دلالات سياسية أكثر من كونه إجراءً اقتصادياً، موضحة أنه صحيح أن إلغاء يومي عطلة كان سيؤدي إلى رفع الناتج المحلي بشكل محدود، لكن أثره الاجتماعي والسياسي كان كارثيًا.
وأضافت برون أن “المجتمع الفرنسي يعيش حالة من الاحتقان بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، وزيادة ساعات العمل القسرية كانت ستُنظر إليها كتعد مباشر على مكتسبات تاريخية للطبقة العاملة.
وأشارت برون إلى أنه “من هذه الزاوية، قرار لوكورنو يعكس براغماتية سياسية لحماية السلم الاجتماعي”.
ورأت أنه على الجانب الآخر، لا يمكن إنكار أن المالية العامة الفرنسية في وضع هش للغاية، موضحة أن الدين العام تجاوز 110% من الناتج المحلي، وتصنيفات وكالات الائتمان مثل فيتش تشير إلى ضغوط متزايدة على ثقة المستثمرين.
واعتبرت الخبيرة الاقتصادية الفرنسية أن التراجع عن إجراءات تقشفية من دون بدائل قوية سيُفاقم عجز الميزانية، موضحة أن إلغاء امتيازات رؤساء الوزراء السابقين خطوة رمزية جيدة، لكنها لا تساوي مليارات اليوروهات.
وتابعت:” لذلك ستظل الحكومة مضطرة في الأسابيع المقبلة لطرح إصلاحات أعمق، ربما عبر إعادة النظر في الإنفاق الاجتماعي، أو فرض ضرائب إضافية على الشركات الكبرى أو الشرائح الأكثر ثراءً.”
ما بين السياسة والاقتصاد
ويُظهر المشهد الفرنسي وكأنه مفاضلة صعبة: إما حماية المكتسبات الاجتماعية وإرضاء النقابات، أو اتخاذ إجراءات صارمة لتقليص العجز المالي، مع ما يحمله ذلك من تكلفة سياسية.
وبين هذين الخيارين، يسعى لوكورنو لتثبيت صورته كرجل قادر على التوازن، لكن ميزانية 2026 ستكون المحك الحقيقي لقدرة حكومته على الجمع بين العدالة الاجتماعية والاستدامة المالية.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز